المسرح اللبناني… على عتبة الهاوية بانتظار الإنعاش الأخير
رنا محمد صادق
بين الحين والآخر تهبّ عتبة المسرح بلهيب المسرحيّين المؤقت، ثم تخفت أصوات الضجيج في قاعته حتى يخيّم عليها السكون لبرهة، حتى أجلٍ غير مسمّى، على اعتبار أن المسرح ليس تنفيسة الموجوع وصدى المظلوم. لكنّ الجوّ العام الذي يحيطه لا يبشّر خيراً، فهو حقيقة على عتبة الهاوية يحتاج الإنعاش الأخير، فبعض الفنون سبقته وبعضها الآخر قد استُنفد تلقائياً.
دون جدوى الحديث عن عدم احتماليّة التطوير في مجال فنّي معين، لا فنّ بلا بداية، بين الحقبات المتعاقبة، ويتطوّر مع تطوّر العصور والأزمان. المسرح يشكل له نكهة أصيلة في الذاكرة والطفولة لدى اللبنانيين، بين مسرح الرحابنة والمسرحيات الغنائية الراقصة ومسرح شوشو وغيرها.
نشهد اليوم تغيراً ملحوظاً في التقديم المسرحي، حيث بات كهواية أكثر منها مجالاً، كحال معظم الفنون، لكن حالة المسرح خاصة، من حيث التكوين وشغف التمثيل والأداء. فأين بات المسرح اليوم؟ وهل ممكن أن نشهد على مشارف عام 2020 اندثار المسرح اللبناني وتلاشيه؟
في الذاكرة، حكايات المسرح في الزمن الجميل، وتفاصيل الحياة آنذاك وبساطة العيش ترافقت كلّها بقصص صغيرة تحمل معها معاني، فيها من الحبّ الكثير ومن الشغف الأكثر، وكلّ ذلك في فلك المسرح، وبروزه.
ذاكرة المسرح
مسرحية «لولو» من أشهر المسرحيّات اللبنانيّة، أبدع فيها الأخوان الرحباني وهي من بطولة السيدة فيروز. حيث دارت أحداثها حول انتقام امرأة دخلت السجن ظلماً فقرّرت الانتقام بأكثر الأساليب رعباً.
مسرحيّة «ميس الريم» جرى عرضها لأول مرة في عام 1975. تدور حول حبيبين يحكم عليهما الفراق بسبب العداء المتوارث بين عائلتيهما. تلعب فيروز دور البطولة «زيّون»، ويشاركها في ذلك الفنان الكبير نصري شمس الدين في دور الحبيب «راجي».
مسرحيات الفنان شوشو «شوشو بك في صوفر»، «مريض الوهم»، «شوشو عريس»، «الدكتور شوشو» وغيرها من المسرحيات التي تحيا حتى اليوم في ذاكرة المسرح اللبناني.
عشّاق الخشبة اليوم، ومنهم الجيل الجديد يسعون جاهدين إلى رفع الإقبال على المسارح من خلال تضمين المسرح قضايا اجتماعية بنكهة كوميدية، بعيداً عن الجوّ المشحون الذي يعيشه اللبناني فقذ اشتهر المسرح اللبناني على الدوام بتجسيده الحياة اليومية للبنانيين، والولوج في دهاليز الشخصيّات ومكوّناتها.
في حديث له مع «البناء» أشار الزميل المسرحي سليم علاء الدين على أن المسرح اللبناني ما زال موجوداً، لكن بحالة سيئة يُرثى لها، والمسبّب الأساسي في ذلك هو الوضع الاقتصادي المعاش في الفترة الأخيرة في لبنان ما قلّل من الإمكانيات من أجل النهضة المسرحية.
تنعكس الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع على الفنون. فالفنون بشكل عام تبرز أكثر في عوالم تهيئ لها جوّاً من الراحة النفسية الاجتماعية والمعيشية، ما يضمن سلامة استمراريتها ونهوضها، والتشجيع في تقديمها.
ويُضيف سليم علاء الدين: ثمّة أزمة حقيقية وهي أزمة الحضور التي تنعكس على كلّ المسارح اللبنانية، مع العلم أن الكوادر العامة في العمل المسرحي من ممثلين مخرجين وكتّاب هم على همّة واسعة وعالية لا حرج فيها، لكن لا طلب على العروض المسرحية ككل. لا يخفى أن المسرح والفنون عموماً تتحسّن أوضاعها من خلال دعم رسمي وخاص، فكيف لبلد يعتبر وزارة الثقافة وزارة ثانوية أن تنتعش فيه العلوم؟ وميزانية هذه الوزارة هي ميزانية لا يُحكى بها! فلا اهتمام في زيادة الإمكانيات.
كما هناك، جوّ من الاستسلام والتسليم يسود على معظم المسرحيّين، بأن وضع المسرح لن يتحسّن ما يُضعف إمكانياته والطلب عليه.
أمّأ المسبّب الثالث لتراجع الطلب على العروض المسرحية هو تقصير الإعلام في تسليط الضوء على الشأن الثقافي بشكل عام، مع العلم سابقاً كان وجود البرامج الثقافية مهم وأساسي، أمّا اليوم فقد انعدم المشهد الثقافي عن الشاشات.
المسرح ما بيطعمي خبز!
وعن سؤال عما اذا تحوّل المسرح من فنّ إلى ممارسة «هواية»: نسمع دائماً عبارة أن «المسرح ما بطعمي خبز» الفكرة من ذلك أنه لا بدّ أن يكون هناك خطّ رفيع يجمع بين الهواية والاحتراف. إن لم يكن المسرحي هاوياً فلن يكون هناك إنتاج مسرحي عظيم. المهم في ذلك إنتاج مسرحي يحافظ على نفسه وعلى هذا الفنّ.
وختم علاء الدين بأن ثمة إضاءات قليلة تبشّر بعافية المسرح. العديد من الأعمال على مستوى جيد تعطينا الأمل بهذا المجال.