الحوار… من «التفاوض» لصرف ناتج العدوان إلى «الحاجة» لتجاوز ملحقات هذا العدوان!

خالد العبّود

أمين سرّ مجلس الشعب السوري

منذ بداية الحاصل في سورية أُخذ علينا أنّنا نتحدث عن عدوان مباشر عليها، إذ أنّ هذا العدوان استعمل كلّ أدواته المباشرة وغير المباشرة لهزيمة الدولة ونظامها الوطني، من أجل إسقاط دور الدولة الذي تلعبه ولعبته خلال عقود ماضية، كون أنّنا لم نقنع يوماً أو حتى في لحظة واحدة أنّ هناك نزاعاً سياسياً، سورياً سورياً، لكنّ ذلك لا يلغي أنّ هناك ملاحظات هامة على مؤسسات الدولة، حتى على شكل «النظام» والبيئة السياسية للدولة ذاتها، ولا يلغي أنّ لنا ملاحظات هامة جداً على خريطة القوى السياسية التي تشارك في إنتاج السلطة أخيراً، غير أنّ أمراً مهماً كنّا نعتقده الأرأس في مشهد اللحظة التي كان يُدفع لها الوطن السوري، وهي لحظة ألا تبقى الدولة، وهذا بحدّ ذاته يُعتبر خطاً أحمر برأينا، كون أنّ الإبقاء على الدولة ومؤسّساتها أضحى ضرورة ملحاحة وأساسية لحماية الوطن، غير أنّ مفتاح الحفاظ على الدولة كان في الدفاع عن «النظام السياسي» فيها.

اختلفنا مع كثيرين كانت حساباتهم لحظية قائمة على قراءة إما مشبوهة أو ناقصة، إذ أنّ البعض منهم أراد أن يركب موجة العدوان ذاته في سبيل تحصيل بعض المكاسب السياسية الضيقة، وذلك على حساب «أمن الدولة»، وأخيراً على حساب «أمن الوطن»، باعتبار أنّنا لم نقتنع لحظة أنّ أيّ مكسب سياسي يمكن أن يكون مكسباً حقيقياً على حساب «أمن الدولة» والذي يعني أخيراً «أمن الوطن»، مع قناعاتنا المطلقة أنّ أخوة لنا نشاركهم السلطة كانوا يدركون، وربما أكثر منّا، الملاحظات التي كنّا نشير لها ونتوقف عندها.

كان لا بدّ للعدوان من أن يركب جملة متّكآت تمنحه صفة «التغيير» أو صفة «الثورة» أو حتى صفة «الحراك الإيجابي»، فكان ضرورياً تصدير المشهد على أنّه كذلك، من هنا كانت فارقة الفهم الدقيق لحقيقة الحاصل في سورية، بين أن يكون الحاصل تعبيراً حقيقياً عن «حراك» يريد «التغيير»، أو أن يكون هذا الحاصل «حراكاً» لتفتيت الدولة وتهديد أمن الوطن أخيراً، لعلها اللحظة الأهمّ في فهم المشهد، وفهم طبيعته، من أجل القدرة على التعامل معه، إذ أنّ لحظة خطيرة جداً كانت تمرّ على السوريين كان واجباً على قوى ثقافية وسياسية واجتماعية أن تتصدّى لها، من أجل الحيلولة دون وقوع الناس في شركها وفي فخ أن يُستغلوا من خلالها.

عندما رفع «الحراك المركّب» شعارات تحاكي عناوين جميلة وهامة للسوريين، تقدم الفريق الذي يقود الدولة للتعاطي مع هذه العناوين ودعا إلى حوار مفتوح بين قوى مجتمعية وسياسية واقتصادية، من أجل تجاوز ملاحظات اللحظة الراهنة والبناء لما هو أفضل وأكثر فائدة للسوريين، غير أنّ «بعضاً» من السوريين أراد أن يذهب بعيداً في رفض هذه الدعوة، واعتبار أنّ فصلاً جديداً يجتاح المنطقة وبالتالي فلا وجود للبنية السياسية القائمة حالياً، حيث أنّ حسابات بعضهم كانت تدفعهم إلى الاستفادة من العدوان على الدولة والفريق الذي يقودها، باعتبار أنّه يرى في نفسه بديلاً جاهزاً لتعبئة الفراغ القادم.

لم يقنع أحد من هذا «البعض» يوماً بمسألة الحوار، وعندما دُفع إليه في «جنيف» دفعاً عنيفاً اعتبره «تفاوضاً»، إذ أنّ مواقف وأدبيات كانت واضحة بهذا الخصوص تفيد بأنّ حضور بعضهم إلى «جنيف 2» كان من أجل «تسلم السلطة»، وبالتالي فإنّ «الحوار» كتقنية سياسية لم يكن مطروحاً بين السوريين، لأننا نعتقد أنّ الحاصل في سورية لم يكن بحاجة لـ «حوار سياسي» ينتج «حلاً سياسياً»، أمّا بالنسبة لما كان يقال حول مفهوم «الحلّ السياسي» الذي كان مطروحاً حتى من قبل الدولة السورية وقيادتها، فهو خطوة تقنية لتفويت الفرصة على العدوان واستيعاب اللحظة التي بناها صاحب العدوان الرئيسي من خلال تركيزه وتسويقه لمقولة «الأزمة السورية»، فكان لزاماً على الدولة السورية الالتفاف على هذا الاستعمال وهذا الاستغلال بالدعوة إلى «حوار» بين السوريين، وهو حوار لم يكن فقط لسحب ذريعة العدوان وإنما هو حوار أضحى الداخل السوري بحاجة له، خاصة في ظل ملحقات تابعة للعدوان ذاته، ساهمت في إعادة رسم خرائط سياسية داخلية، فكان لزاماً على الدولة وعلى كل القوى السياسية أن تذهب إلى هذا «الحوار»!.

من هنا نرى كيف نشأ مفهوم جديد «للحوار»، وهو «الحوار» الذي يتجاوز معنى «التفاوض»، لماذا؟ لأن ناتج الاشتباك الذي بنت عليه أطراف إقليمية ودولية مسألة «التفاوض» لم يعد قائماً أو مناسباً، فناتج الاشتباك الحالي لم يعد يؤهل أطراف العدوان ذاتها على توفير طاولة «تفاوض» ناجعة يمكنها أن تحصِّل نتائج موضوعية قادرة على التأثير سلباً على الفريق الذي يقود الدولة، فمثلما كان يتم الانقلاب على «أدوات» العدوان الميدانية، ونعني بها «أدوات» العسكرة والاستخبارات، كانت هناك انقلابات عدة على «الأدوات» التي استعملت في السياسية، وبالتالي فقد سقط «الحوار» الذي كان يقدّم كـ «تفاوض» في لحظة معينة من سيرورة العدوان وصيرورته، وهذا يعني أنّ «البعض» الذي كان يعدّ نفسه بديلاً لفريق الدولة منذ بديات العدوان قد أضحى من الماضي.

لقد سقط مفهوم «الحوار» الذي اعتبره «البعض» خطوة رئيسية باتجاه استلام السلطة، لكنّه لم تنته مسائل أخرى لها علاقة بمفهوم «الحوار» وملحقاته، باعتبار أنّ السوريين فعلاً أضحوا بحاجة ماسة «للحوار»، وقولاً واحداً أنّ أطراف العدوان التي انهزمت غير قادرة على رعاية هذا «الحوار»، أو حتى على التفكير به، فقد أضحى خارج مدار حساباتها أو حتى أولوياتها، كون أنّ ملحقات العدوان السالبة التي لحقت بالمجتمع والدولة في سورية لا تريد أطراف العدوان على السوريين أنفسهم أن يتجاوزوها!.

هنا يتقدم الحليف الروسي للمساهمة بواجب تنشيط الخريطة السياسية المنتجة لسلطة الدولة ومؤسساتها، والتأكيد على أنّه كان وما زال حاضراً إلى جانب المجتمع والدولة في سورية، وعلى أنّ العدوان قد فشل في أهدافه الأساسية، إضافة إلى كون أنّ هذه الخطوة أضحت حاجة وضرورة لتجاوز ملحقات العدوان وتبعاته، وفضّ خريطة التشابكات والتداخلات الاستخباراتية التي ساهمت في أجزاء هامة من المشهد السياسي الذي حال دون توفير منصة متوازنة وثابتة لمشروع عدوان تمّ إسقاطه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى