ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

إذ ننشر هذه النبذة عن أحد رفقائنا المناضلين في الكورة ندعو منفذيتها ورفقاءنا فيها إلى أن يحفظوا لتاريخ الحزب، إلى إحداثها ومعاركها ونشوء العمل الحزبي في قراها وبلداتها، ما يمكن أن يتوفر عن سير الرفقاء المناضلين، فهو جزء من تاريخ الحزب في الكورة، فلا يَصُح إلّا أن نكون أوفياء لرفقائنا الشهداء، أو المناضلين، فيبقى لهم حضورهم المستمر في ذاكرتها.

ما جاء في عدد «البناء- صباح الخير» بتاريخ 20 حزيران 2006 عن التشييع المُهيب الذي أُقيمَ للرفيق الياس ملكي في بلدتهِ عفصديق جعلني أقف عند رفيق مُميّز بنضالهِ، وبحضورهِ، فاندفع الى أن تعمم لجنة تاريخ الحزب نبذة تليق بنضاله.

وفاته:

بتاريخ 2 حزيران 2006 غيّبَ الموتُ الرفيق الياس ملكي وقد نعاه الحزب بالكلمة التالية:

ينعي الحزب السوري القومي الاجتماعي، أحد مناضليه الياس أديب ملكي الذي توفيَّ اليوم عن 76 عاماً. كان الراحل أحد أبرز الوجوه الحزبية الذين حفلت سجلّاتهم النضالية بالوقفات الجريئة المُعبّرة عن صدقية الانتماء ومعنى الالتزام.

انتمى الراحل إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأربعينات، وعاصر الزعيم سعاده، وتحمّل العديد من المسؤوليات المحلية، كما شاركَ في العديد من المهام الحزبية الي أُوكلت إليه.

أُعتقلَ إثرَ المحاولة الانقلابية عام 1962 وسُجنَ لعدّة سنوات.

اُنتخبَ مؤخراً لعضوية مجلس بلدية عفصدّيق، وكانَ مثالاً للرفيق القومي الاجتماعي في علاقاته الاجتماعية.

التشييع:

في اليوم التالي لوفاتهِ، شُيّعَ الرفيق الراحل بمأتم مُهيب في بلدته عفصديق بحضور أهالي البلدة والجوار مع القوميين والأصدقاء من مناطق الكورة وعكار وطرابلس وزغرتا، حيثُ تقدّمَ الحضور مُمثل مركز الحزب الأمين جورج ضاهر وعدد من المسؤولين، والمتروبوليت الياس قربان وعدد من الكهنة.

سار موكب التشييع في طرقات البلدة الداخلية وقد تولّت ثُلّة من القوميين باللباس الموحد حمل النعش يتقدمها حملة الأكاليل وصولاً إلى كنيسة القديس ساسين، شفيع قرية عفصدّيق، حيثُ أُقيمَ قدّاس وجناز لراحة نفس الفقيد.

ثُمَّ ألقى الأمين جورج ضاهر كلمة مركز الحزب، جاءَ فيها:

يصعبُ علينا اليوم أن نودعكَ يا رجل النهضة بامتياز.. بالأمس ذهبنا إليك لِنُكرّمكَ ففتحتَ بيتُكَ وقلبُكَ الكبير على مصراعيهِ لتستقبلَ مكرميكَ.. وكأنكَ كُنتَ تُدرك أنّهُ لقاءُ وداع.. شددتَ على أيادينا، وسألتْ عن الحزب والنهضة بابتسامة عريضة، بالرُغمِ من الألمِ الذي كُنتَ تُكابده..

اليوم.. نودع فيك عُمراً أمضيتهُ بالعمل والإنتاج بالنضال والثبات بالإيمان والعقيدة، نودع فيك الرفيق المناضل والأب الحنون والأخ الوفي والزوج المُحب.

منذُ أكثر من نصف قرن وأنتَ الرفيق النظامي المُتفاني العامل لمجد سوريا وعزتُها.

كُنتَ القومي الاجتماعي المثالي في التزامك وعطائك فلم تخف ولم تضعُف يوماً، بل وقفت وفي أصعب الظروف، مُدافعاً عن الحزب ومؤسساتهِ، غير آبه بسلامتكَ الشخصية أو بمصالحك الفردية.

كُنتَ القومي الاجتماعي المثالي في التزامك وعطائك فلم تخف ولم تضعف يوماً، بل وقفت وفي أصعب الظروف، مُدافعاً عن الحزب ومؤسساته، غير آبه بسلامتك الشخصية أو بمصالحك الفردية.

لم تحب «الّلف والدوران» بل الصراحة والوضوح، قرنت الفكر والعقيدة بالمُمارسة، فكُنتَ المثال في مدرسةِ الأخلاق والمناقب، مارست بالبطولة والشجاعة، فسُجنتَ وظُلمتَ، لكنكَ وبعناد المؤمن تمسّكتَ بالزعيم قدوة وبالعقيدة طريقاً للحياة.

قضيتَ حياتك ملتزماً بالعقيدة فكراً ونهجاً، فوفيت بقسمك والتزامك، وسلكت طريق المناضلين الشرفاء المؤمنين بصحة التزامهم، فكُنتَ قدوة يحتدى بها ومفخرة لنا جميعاً.

نَمْ قريرَ العينِ يا رفيق الياس، فأمثالُكَ لا يموتون بفناء الجسد بل يبقون منارة في هذهِ الدُنيا، ومشعلاً لرفقائك وأهل قريتك والكورة، كُلّهُم يفخرون بك وبشجاعتكَ ونظافة كفك وبسيرتك وعطائك اللامحدود.

نَمْ قريرَ العينِ إلى جانبِ رُفقائك من الرعيلِ الأوّلِ، الذين سبقوك إلى دُنيا الخلود: توفيق سركيس وحبيب وأدمون ملكي وجرجي الزامر وبديع أحوش ويعقوب سركيس وصبحي وأسعد وبلقيس ورفيق الأيوبي وموسى رزوق وحبيب سابا، والكثيرين غيرهم ممن كان لهم الفضل في بناء مداميك النهضة في هذه البلدة الكريمة.

كلمة العائلة:

ثُمَّ ألقى نجل الفقيد، الرفيق هادي ملكي كلمة العائلة ومما جاءَ فيها:

نجتمعُ اليوم لنودع أباً ورفيقاً وعزيزاً كانَ دوماً مثالاً للصدقِ والأخلاقِ والاستقامةِ والنزاهةِ والرجولةِ.. وهو الذي أنشأنا على حُب واحترام الآخر، وعلى التفاني في سبيلِ الخير، والانخراط الفاعل والبناء في المجتمع.

لقد كان مثالُ الأبِ الصالح المُخلص والمُضحي في سبيلِ الحق والخير، مستلهماً تلك القيمِ من روحِ النهضة القومية الاجتماعية وباعثها.

صارعَ المرضُ زهاءَ خمسةَ عشرَ عاماً بصلابةِ وعنادِ وعزّةِ نفسٍ، لم يلن ولم يضعف، بل كان دوماً على نفس الصلابةِ وكُبرِ النّفسِ، وبدلاً من أن نواسيه ونؤازره في مرضه ومحنتهِ، كان هو الذي يعطينا الأمل والصبر.

يا رفيقي وأبي، أُرقد بسلام مع الشهداء والصالحين من أبناء الحياة الذين سبقوكَ على هذا الطريق، وكما قالَ زعيمُنا:»قد تسقُط أجسادنا أمّا نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود».

سيتذكرك الناس بأخلاقِكَ الحميدة وأعمالك الحسنة والصالحة ورجولتك وعزّة نفسك.

وختم قائلاً: في هذا اليوم العصيب، لا يسعني إلّا أن أشكركم على وقوفكم بجانب العائلة ومواساتها بمصابِها الأليم.

وفي حياتهِ كرّمهُ حزبهِ:

وكانت مديرية عفصديق كرّمت الرفيق الراحل في حياتهِ باحتفالٍ حضرهُ عضوُ هيئةِ مَنحِ رُتبةِ الأمانة الامين وليد العازار وناموس منفذية الكورة الامين إيلي نصّار وناظر الإذاعة الرفيق نظام نصير ومدير مديرية عفصدّيق الامين جورج ضاهر وأعضاء هيئة المديرية مع جمع من القوميين والمواطنين..

وقد قلّدهُ ناموس المنفذية وسام الواجب وسلمهُ شهادة الوسام مدير مديرية عفصديق، كما قدّمت لهُ الرفيقات وكوكبة من الطلبة باقة من الورود، وقد تخلّلَ الاحتفال التكريمي كلمة لمدير المديرية الامين جورج ضاهر قال فيها:

« اليوم نأتي إليكَ مع أشبالِ وطلبةِ النهضة، نأتي مع جميع الرفقاء والرفيقات والأصدقاء كما دائماً ولكن هذهِ المرّة لنكرمك ونفيكَ بعضاً من حقّكَ علينا.

نأتي إليكَ بقلوبٍ عامرة بالحُب والاحترام، رافعين علم الزوبعة الحمراء.

نأتي إليكَ لِنُقدّم لكَ عربون وفاء وتحية حُبْ وتقدير على نضالك وعطائك وثباتك المستمر في هذا الحزب، مُنذُ ما يزيد عن 56 عاماً، أمضيتها عضواً عاملاً مُتفانياً في سبيلِ النهضة وانتصارها.

لقد حاربت الطائفية، فكُنتَ مثالاً في مُمارسةِ القومية الاجتماعية الموحدة للمجتمع، والمُتغلبة على مفاعيل التقسيم والحواجز في المجتمع.

حاربت الفساد والالتواء حيثُ استطعتَ، حتى قيلَ عنك أنك بالحق قاطع كالسّيف.

سُجنتَ وتعرّضتَ لشتى أنواع الضغوط والاضهاد، لكنك كُنتَ عنيداً في الحق مُدافعاً عن الحزب وعما تؤمن به، لأنَّ نفسك أكتنزت بمُثلِ الحق والخير والجمال.

أنشأتَ عائلة سورية قومية اجتماعية فأوفيتَ بقسمك، وجعلت من بيتك وفي كل الظروف بيتاً للأُمة وملجئاً للرفقاء، حتى أصبحَ هذا المنزل مركزاً للحزب في عفصديق.

بوركَ عطاؤكَ يا رفيق الياس، بوركت يداك التي زرعت فأحسنتَ الزرعَ والحصاد، فليسَ كثيراً عليكَ أن تُقدّم قيادة الحزب وتمنحكَ وسام الواجب عن جدارة واستحقاق».

بعض من سيرة غنيّة

انتمى الرفيق الياس ملكي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1951، بعدها تولّى عدة مسؤوليات حزبية، منها مدرب مديرية ومدير مديرية. خلال أحداث سنة 1958 كان مقاتلاً منظماً في صفوف الوحدات الحزبية المقاتلة وخاض عدة معارك للدفاع عن مواقع الحزب. كذلك قبيل الثورة الإنقلابية فقد كان يشغل مسؤولية مدرب مديرية، وِأوكلت إليه مهمة عسكرية على رأس مجموعة حزبية.

على إثر الثورة الإنقلابية، دخل السجن لفترات متقطعة مجموعها حوالي السنتين. يُشهد له خلال فترات السجن صلابته وإيمانه الراسخ بصحة العقيدة، فرغم التعذيب والضغوطات النفسية والجسدية، رفض الإفصاح عن أي من أسرار الحزب أو الرفقاء أو العمل الحزبي ورفض التوقيع على قرار إنسحابه من الحزب عدة مرات وهو في السجن رغم الإغراءات والتهديدات، وذات مرّة أعلن الإضراب عن الطعام لفترة إسبوع بسبب هذه الممارسات بحقه وحق رفقائه، من قبل السلطات اللبنانية آنذاك.

حصل على وسام الواجب سنة 2006.

منذ إنتمائه إلى الحزب كان مثالاً في الإنضباط والأخلاق ومتفانياً في العمل الحزبي، إذ جعلَ منزله على طول سنوات عمره الحزبي مقراً للحزب والقوميين، وأسس عائلة قومية إجتماعية مُتفانية مؤمنة بالحزب وعقيدته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى