عندما تُقتلُ قصيدة السّلام

منال محمد يوسف

ومعناها ما أجمل كلمة «السّلام»، وما أجمل النطق بها إنّها إتمام العبور إلى الشيء العظيم إلى نهره الجميل؟

ما أبهى السّلام ونبعه إذ كان رقراق المحبة والأناشيد العذبة، رقراق الماء، عذب الأقوال والأفعال، وإذ لم تكن سنبلاته وسنواته عجافاً تحمل وجع الحروب القاتلة، إذ لم يكن السّم في بواطن أمره وفي دياره أخوة النبي يوسف.

ما أجمل كلمة السّلام

إنّها اللّفظ الأجمل الذي يجب أن يُنطق بصدقٍ

إنّها اللّفظ الأروع إذ جاء ممن يحملون لواء الصدق عنواناً وممن لا يتخذون من هذه الكلمة أقنعةً تختفي وراءها خبث حروبهم اللّعينة…

ما أجمل السّلام، إذ لم تريدي ثوب الذئب ولم يكن فيه ذلك الرجل الذي يُسمّى «الشرّ المُطلق»، ذلك الشر الذي يحاول أن يسرق زرقة الألوان، يحاول أن يسرق فرات الضحكات وأناشيد الحياة بجمالها المكنون ويحاول أن يستوطن كالغراب يملأ الأرض زوراً وقتلاً، يحاول أن يصنع محرقةً ما، هذه المحرقة تُذكّرنا بوجع ما، بوجعٍ ينثرُ جمره على الدروب ويجعلنا نمشي حُفاة الأقدار على جمر البراكين ونتحدّى تلك النيران التي تُضرم بحقول قمحنا، بحقول وقتنا ونفطنا.. ذلك الذي يريد أن يُشهر سيوفه في وجوهنا، ويضع خنجره في خاصرتنا نحن، خاصرة أيامنا ويسرق منا معزوفة الألحان التي ولدت مع أول نوطة موسيقيّة، ولدت رسالتها الضّوئيّة الممتدة وما أبهى هذا الامتداد!

ما أبهى أن نقاوم مَن يريد أن يسرق نور شمسنا

أن يسرق لغاتها ومدائن أقمارها!

آهٍ ما أجمل أن نكتب على ضوء فانوس الجراح

جراحنا نحن أو جراح الأرض السمراء!

ما أجمل أن يجري نبع السّلام من أرضٍ غير مُقفرة ومن مكان لا يوجد فيه الكثير من الألغام وإذ لم يكن ذلك الطوفان الأحمق الذي يريدُ أن يُغرق بلادي..

يريد أن يغرق كلّ ما فيها ويريد أن يفتك ويثقب قوارب النجاة، تلك القوارب التي توجد فيها ملامح من فراتنا نحن ومن زرقة بحرنا نحن ومن حياتنا الممتدة من أقدم السنين حيث زيتونة التاريخ وطور أصالته، الممتد إليه وحيث النبض والوقت المقاوم الذي لا ترتضي عنه بديلاً…

السّلام على نبع السّلام… إذ لم يكن الرجل الذي يبدو أشعثَ الخُلق لا كرامة لديه، لا كرامة تردعه من بيع وطنه ومعظم المقوّمات الجماليّة التي يمكن أن يمتلكها المرء مقومات التمرّد فوق الظلم ولياليه الظالمة. وإذ لم يكن محتلّاً يستقوي بالأذلاء. السّلامُ على ذاك السؤال إذ يقول:

أين الاسم وعظمة المُسمّى؟

أين تلك القصيدة التي تُغتالُ أحرفها على أيديهم الآثمة

ويُغتالُ غصن الزيتون بمعناه الأجمل

وتُشرّد القوافي بمشهدية الأغراب الأشد قبحاً

«تُشرّد» بأيدي الذين يحاولون قتل الياسمين ويحاولون الفتك بعطر بياضه

الذين يحاولون لعب دور «قابيل» في كلّ ما يفعلون ويحاولون الإتيان إلى مدائن الأبجدية، وأنهارها الجارية فعلاً ومنذُ أقدم الأقدمين، فهل تُقتل تلك المدائن، وهل تُغتال صلاتها إذ أرادَ ذلك المُقامر؟

ما أجمل صوت تلك الطفلة التي تبكي وتقول: لقد أسماني والدي الشهيد «سلام» تيمنّاً بالسّلام الموعود والمنتظر.. ولكن أينَ مما يرتكبون الآن؟

آهٍ ما أجمل أن يستوطن الفرح لغات الصاد والضاد عندنا!

وما أجمل أن يجري نبع السّلام من أرضنا نحن ويكون حقيقة، لا كذباً وحباً ومحبةً لا حرباً وحياةً جميلة لا هلاكاً وموتاً، لا عدواناً ظالماً يُريدُ أن يغتال السّلام وعظمة المُسمّى ويقتل قصيدة السّلام بعنوانها العظيم!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى