زيارة بوتين للمملكة العربية السعودية… «نفوذُ» حان قطافه

روزانا رمّال

تعيد زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الى الرياض الذاكرة نحو زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ايار عام 2017 وهي الزيارة التاريخية التي استطاع فيها الرئيس ترامب الحصول على «صفقة العمر» بـ 450 ملياراً صارت بعدها مقدمة لطرح صفقة العصر بوضوح، لكن الفارق بين الزيارتين كبير. وهذه المرة لجهة رسم السياسات الكبرى في المنطقة ووضع خطوط عريضة لشكل المرحلة المقبلة.

لحظة زار الرئيس ترامب الرياض كرّسها المرجعية الأولى لأميركا في الشارع السني الإسلامي الشرق أوسطي، ذلك بعد ان سحبت واشنطن هذه المرجعية عن تركيا بالكامل بعد إخفاقات الربيع العربي «الاخواني» تحديداً، وتقارب تركي ايراني روسي ملتبس وحينها فقط حددت العناوين التي بقيت حتى هذه اللحظة محفوظة فلا تزال الرياض منذ الزيارة تلك الحليف الاول لواشنطن من دون شك، ولا زالت تركيا موضع ريبة وشك للجهة الأميركية. فتركيا ليست حليفاً ملتزماً بالقدر الذي تلتزم فيه السعودية مع الأميركي وليست حليفاً مستعداً للتضحية بمليارات مقابل تعهدات أمنية لا تحتاجها من واشنطن، لكن هذا لا يعني ان السعودية لديها طريق آخر غير تأمين الرعاية الأميركية بالحد الأدنى.

السؤال الأساسي اليوم بعد زيارة بوتين للرياض هو عن الرعاية الأميركية تحديداً للسعودية، وشكل الحماية التي توفرها واشنطن التي لم تُبدِها لحظة تعرّض السعودية لهجوم عنيف على منشأة ارامكو تتحدّث مصادر متابعة لزيارة بوتين الرياض لـ»البناء» عن «زيارة روسية رسمت طبيعة العلاقة مع الرياض في المرحلة المقبلة وعنوانها المفاوضات على الملفات الكبرى في المنطقة، خصوصاً اليمن وسورية والعراق. وبوتين الذي يدرك ان السعودية هي رأس حربة هذه الصراعات وهي تدرك بدورها أنه حليف محور يخاصمها بشدة وهو المحور الإيراني الذي تنسب اليه كل التطورات في هذه الملفات ضمن المواجهة مع المملكة. فإن الحاجة لدور روسي فعال هو حاجة لا غنى عنها اليوم وبقدر ما تكون متانة العلاقات بين موسكو والرياض ملموسة بقدر ما يكون مستوى مراعاة المصالح بين الطرفين واقعاً محتوماً».

يزور الرئيس الروسي الخليج متنقلاً بين الرياض وأبو ظبي وبلاده في تقدم مستمر سياسياً ومحورياً كلاعب هو الأكبر اليوم أما علاقات روسيا اليوم فتلفت الأنظار لضخامة النفوذ الذي يضع التأثير الأميركي في بعض الملفات موضع تساؤل. فموسكو تعيش اليوم تغلغلاً في عمق مصير ومسار الأحداث مع أكثر من جهة إقليمية ودولية. فعلاقتها الجيدة مع تركيا والأكراد إضافة الى تحالف استراتيجي مع سورية وعلاقات ممتازة مع السعودية وجيدة جداً مع مصر ومفصلية ومحورية مع إيران وتحالف مع جمهورية الصين الشعبية والأهم علاقات ممتازة مع «إسرائيل» يجعل منها وبشكل جدي صانع اللعبة الشرق الأوسطية اليوم. فبدونها لا يمكن إقفال أي ملف من تلك الملفات المذكورة. وهنا يمكن مراقبة أيضاً كيف تتصرف روسيا في جزئيات الملفات وتفاصيلها. وهي كدولة مثلاً أخذت على عاتقها تشريع عمل فصيل مسلح كحزب الله، وهو ليس دولة، بل تنظيم يقاتل من أجل هدف ما ضمن محور ينتمي اليه. وهو الأمر الذي أثار استغراب المجتمع الدولي. الأمر نفسه مع المعارضة السورية التي فتحت علاقات مع روسيا من بداية الأحداث السورية وبينها الأكراد الذين لا يغفلون عن مستوى التأثير الكبير، خصوصاً في الشمال اليوم. وهنا يمكن التوقف عند خطورة الدور الروسي وتعاظمه. الأمر الذي يضع علامات استفهام حول الحضور الأميركي في المنطقة.

الجديد اليوم ان واشنطن بدأت تتصرف تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب بمنطق أمر واقع محتوم قوامه وجود روسي متفوّق في المنطقة، وهي بدورها تنسحب عسكرياً من بعض الملفات لترسل رسائل حول نهاية أي آمال بعمليات عسكرية أميركية دفاعية عن أي حليف او دولة في المنطقة على اعتبار ان هذه الحروب لم تُجدِ واشنطن نفعاً، حسب ادارة ترامب الذي يواجه اعتراضاً كبيراً من الكونغرس الأميركي، وهو الذي بدأ يبحث جدياً عن طريق واضح للمسار تفاوضي مع ايران لكن وبالعودة لروسيا فإن ترامب نفسه يروّج اليوم لدور روسي بتقبل أميركي لأمر واقع تفرضه كل الملفات الشرق اوسطية التي تعتبر فيها روسيا لاعباً فاصلاً تُضاف اليها الأزمة الأوكرانية. وقد أكّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما يتعلق بعملية «نبع السلام» التركية مثلاً أن «النزاع القائم هو بين تركيا و سورية، وبالتالي لا بأس إذا حصلت سورية على دعم روسي ففرض العقوبات على تركيا أفضل من الدخول في قتال في سورية والمنطقة..».

كلام ترامب فيه تسليم لروسيا بعد أن كانت متهمة بدعم الارهاب في سورية نفسها.. وأياً كانت الظروف فإن الانسحاب الذي اعلن عنه من هذه الملفات يصنع فراغاً كبيراً لن يكون خالياً. وما الزيارة الى المملكة العربية السعودية الا شكل من اشكال اعلان المرحلة الروسية الجديدة في المنطقة بعد ان كرست واطمأنت لمتانة علاقات استطاعت بناءها طيلة ايام حروب الربيع العربي التي حان وقت قطافها اليوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى