من القمّة سقط إلى القاع… دورتموند ما بين البقاء والرحيل
حسين غازي
عندما تدخل غمار وخبايا البونديسليغا، قد تنبهر وتصدم، عند رؤيتك بروسيا دورتموند في قاع الترتيب، هذا النادي العريق الذي لطالما صال وجال في سماء ألمانيا وأوروبا. ففي عام 2013 وصل الفريق إلى نهائي دوري الأبطال، وخسر أمام عملاق ألمانيا بايرن ميونخ.
هذا الموسم في الدوري الألماني ينفرد ويغرد النادي البافاري بعيداً ووحيداً في الترتيب، وقد يحسم البطولة مبكراً، ليطوي صفحة عامٍ جديد كبطل لألمانيا، أحد البلدان الأكثر عشقاً للكرة جماهيرياً، إذ إن الدوري الألماني ينال أكبر نسبة مشاهدة حول العالم.
بالعودة للجريح دورتموند، تبقى هذه الأزمة متصدرةً عناوين الصحف والقنوات الرياضية، فكيف لصاحب باعٍ كبير، أن يتحوّل في ليلةٍ وضحاها، إلى فريقٍ يخسر من الضيف والمضيف.
الأسباب تتعدد وراء حال الفريق هذا العام، والجميع يردد حالياً: «كل الطرق تؤدي إلى دوري الدرجة الثانية»، إلا إذا انتفض لاعبوه واستفاق المخضرم كلوب من سباته الشتوي.
الإصابات وضعت الفريق في حالٍ يرثى له، ما دفع كلوب للتغيير في استراتيجية اللعب، لكن ذلك لم يكن في صالحه، إذ تعرض في الجولة الماضية لخسارة قاسية، بهدفين من دون رد من فرانكفوت. وبالإضافة إلى ذلك انعدمت الثقة لدى اللاعبين، والذي قد تشعر أنهم رفعوا راية الاستسلام، وكأننا أصبحنا في آخر الطريق.
أما تلك الجماهير التي كانت تتغنى بفريقها، والتي تعتبر من أجمل لوحات التشجيع حول العالم، فقد بدأت تتخلى تدريجياً عن دعمها، مطالبةً برحيل أسماءٍ واستقدام آخرى، للعودة بالفريق إلى صفوة الكرة الألمانية والأوروبية.
في البونديسليغا خيوط خفية، قد تغير معالم الترتيب سريعاً، فقوة بايرن غيّرت المعادلة، وفتحت الباب أمام دوري بطلهُ صاحبُ المركزِ الثاني، ما جعل المنافسة بين باقي الفرق محتدمةً، ونهايتها مجهولة. الكرة الألمانية لا تعرف معنى كلمة الدفاع ولم يرد في قاموسها الرياضي، سوى الإبداع الهجومي والتنظيم الدفاعي وليس التركيز عليه.
ولذلك قد تتغير معالم الترتيب سريعاً في ألمانيا، فكلمة «أمانٍ» غير واردة في كتب الألمان، وهذا معروف للعالم أجمع، إذ يلعبون دائماً تحت عنوان «الخسارة لا تحسم إلا بعد صافرة الحكم النهائية».
في الوقت عينه، بروسيا دورتموند فريق محيّر، يتذيّل ترتيب الدوري الألماني، ويتصدر مجموعته في دوري الأبطال، وحسم تأهله إلى الدور الثاني منذ الجولة ما قبل الماضية. ففريق يتألق في بطولة ويفشل في أخرى هذا أمرٌ غريب وخلفه يكمن سرٌ كبير.
ووصولاً إلى خلاصة التحليل، فرق البونديسليغا حفظت عن ظهر قلب طريقة لعب دورتموند، بل إن مدربي الفرق عرفوا حذافير استراتيجيات كلوب، ما سهل المهمة عليهم، الكرات السريعة للوصول إلى منطقة الخصم بأقل عددٍ من اللمسات لم تعد مجدية، تلك الهجمات السريعة التي هزت مداميك الملكي وأذهلت البافاري، أصبحت لعبة قديمة، عفى عنها الدهر ومضت كـ«التيكي تاكا».
البعض يقول رحيل غوتزه وليفاندوفسكي جعلا الفريق يفقد الإبداع، لكن منذ متى كان الدورتموند يعتمد على لاعبين فقط، فهناك عشرة جنودٍ ما زالوا موجودين من كتيبة كلوب الذهبية، فالموسم الماضي كانت الغيابات بالجملة في جميع الخطوط، وبخاصة في رباعي الدفاع لفترات طويلة، لكن الفريق صمد وحقق المركز الثاني.
أما في دوري الأبطال، لن يغرّنا كثيراً تربع الفريق على رأس المجموعة، فتحصيل 6 نقاط من غلطة ساراي الذي يعيش أسوأ أيامه ليس مقياساً، وفريق آرسنال صاحب الأداء المتذبذب، مع المدرب الفرنسي آرسين فينغر المنتهي الصلاحية، والذي بدوره لم يعد قادراً على تقديم المزيد للنادي الإنكليزي، والذي يخسر في المواجهات الكبرى، ليس هو المؤشر الذي يبرهن قوة النادي أو ضعفه، وعلى رغم كل ذلك دورتموند خسر وفاز عليه، أما أندرلخت الفريق الطامح للاستفادة المالية من دوري الأبطال، فهو من دون شكّ ليس معياراً أبداً.
بعد كل ذلك على الأسد أن يستفيق من سباته ويقوم، فدورٍ ليس فيه سوى البايرن سيصبح مملاً من دون منافسة تذكر من أحد، والأهم من ذلك أن يعود رجال المدرب المخضرم كلوب، وأن يخرج الفريق من عنق الزجاجة، وألا يسقط إلى الدرجة الثانية.