الحريري يقدّم للحكومة في بعبدا ورقته الاقتصادية… جعجع يفتتح الاستقالات وجنبلاط لعم نصرالله يدعو الحكومة لتسمع صوت الغضب ويحذّر الهاربين من المسؤولية من المحاكمة

كتب المحرّر السياسيّ

بدأ الحراك الذي انطلق من الاحتجاج الغاضب على ضريبة الواتساب، يكشف الحسابات البعيدة التي لا تنظر نحو لبنان بعيون تقيم حساباً لأوجاع الناس بل لكيفية توظيف هذه الأوجاع في خدمة مشاريعها، فتحدّث الأميركيون عبر قناة الحرة وصحيفة الواشنطن بوست عن متابعتهم عن كثب لما يشهده لبنان، والمشترك دائماً هو التأكيد أن الأولوية الأميركية لم ولن تتغيّر وهي محاصرة حزب الله. وخريطة الطريق هي تجريد رئيس الجمهورية المساند لحزب الله من أي شراكة سياسية لحلفاء واشنطن والمطالبين بدعمها لهم وللاقتصاد اللبناني، لفتح الطريق نحو مسار سياسي جديد يلقى الدعم المالي للخروج بالاقتصاد من المأزق من واشنطن والمؤسسات المالية والخليج. وقد قرأ الكثيرون استقالة وزراء حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من الحكومة في هذا السياق، وقرأوا مثله تردّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في البقاء في الحكومة أو الانسحاب منها، بسبب حساباته القلقة من تراجع أميركي جديد يضعه في مواجهة لا يريدها مع حزب الله.

رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو مصمّماً على السير في منتصف الطريق، بتقديم ورقة اقتصادية تتضمّن ما تنصح به الدوائر الغربية المعنية اقتصادياً من الإسراع بخصخصة قطاع الاتصالات، وتتبنّى بالمقابل ما يطالب به حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر من مساهمة حقيقية للقطاع المصرفي، وتبتعد عن الضرائب والرسوم الجديدة على الطبقات الشعبية، يبدو سياسياً أيضاً في منتصف الطريق فهو يأمل بإقناع الحزب التقدمي الاشتراكي بالبقاء في الحكومة، مع إدراكه بأن ما يقرر بقاء الاشتراكي أو انسحابه ليست المطالب الإصلاحية، التي عرضها علناً الوزير وائل بوفاعور باسم الحزب كشرط للبقاء في الحكومة، كما يأمل الحريري ببقاء جنبلاط أن يستردّ جعجع، الذي لا يبدو أن الحريري سيقبل استقالة وزرائه سريعاً.

الأمين العام لحزب الله الذي تحدّث بإيجابية عن الحراك الشعبي الغاضب، رفض شعارات استقالة الحكومة، وحكومة تكنوقراط، وانتخابات مبكرة، معتبراً أنها ستهدر وقتاً ومالاً لتعود بالتكوينات السياسية ذاتها، داعياً لعدم إضاعة الوقت والجهد والتركيز على إنتاج خطة إنقاذ تصغي لغضب الشعب في الحساب بالابتعاد عن الضرائب التي ترهق كاهل الطبقات الفقيرة، وتعالج مكامن الهدر والفساد، محذراً الذين شاركوا في الحكومات التي تسببت بالأزمات وتتحمّل مسؤولية بلوغ لحظة الانهيار من الهروب، لأن مَن يهرب سيُحاكم.

في الحراك وساحاته، حيث كبرت الأسئلة عن دعوات صدرت آخر الليل لقطع الطرق اليوم في كل المناطق اللبنانية، ومعها أسئلة عن حفلات الترفيه ومَن ينظّمها وسواها من التجهيزات الخاصة بتقوية الإنترنت وبالصوتيات، في كل الساحات الممتدة على مساحة لبنان بالعشرات، ومَن يموّلها، بقي قرار قطع الطرق أكبر من أن يتخذه أفراد لا يعرف بعضهم بعضاً، فمن اتخذ القرار؟ ومَن سيقوم باستئجار الشاحنات التي قيل إنها ستحمل الرمال والحجارة إلى الطرق الرئيسية؟

الجيش لم يعلن في بيان موقفاً مما سيكون عليه الحال إذا تمّ قطع الطرق الرئيسية بين المناطق اللبنانية، وهل سيسمح بذلك وهو المكلّف بحفظ الأمن، وهل سيعتبر إقفال الطرق نوعاً من التعبير السلمي، وحقوق الإنسان؟ وماذا عن اجتماع مجلس الوزراء اليوم، وكيفية وصول الوزراء إلى الاجتماع في بعبدا؟

يتواصل الحراك المطلبي لليوم الخامس على التوالي في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية من الشمال الى الجنوب مروراً بالبقاع وجبل لبنان تحت عنوان مطالبة الحكومة بالاستقالة ورحيل الطبقة السياسية. وكان لافتاً أمس توحّد ساحات الاحتجاج، عند السادسة مساء في رياض الصلح وساحة الشهداء وصور والنبطية وزحلة وجل الديب وطرابلس وعكار بالوقوف احتراماً وإنشاداً للنشيد الوطني تحت راية العلم اللبناني، في حين كان بارزاً وواضحاً جداً أن استقالة وزراء حزب القوات من الحكومة لم تلقَ أي اهتمام او أصداء لدى المتظاهرين. واذا كان هذا التحرك المطلبي المشروع والمحق منتظَراً منذ زمن في ظل السياسات الاقتصادية التفقيرية التراكمية منذ سنوات طوال وتشارك فيه غالبية شرائح المجتمع أياً كانت انتماءاتها السياسية والحزبية لمحاربة الفساد وتحصيل لقمة العيش، بيد أن تساؤلات طرحها البعض حيال توقيت هذا التحرّك الذي بدأ عفوياً لكنه أصبح أمس منظماً جداً تحت راية العلم اللبناني في مختلف المناطق اللبنانية، مع إقفال طرقات محددة ودعوات حادة لإسقاط العهد شارك فيها الحزب الاشتراكي وحزب القوات.

وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات في ظل تهديد بعض المتظاهرين بالعصيان المدني، ينعقد مجلس الوزراء في قصر بعبدا اليوم، برئاسة الرئيس العماد ميشال عون في جلسة لا يمكن وصفها الا بالجلسة المصيرية للحكومة ورئيسها لا سيما أنها تعقد على وقع الاحتجاجات المطلبية التي يزداد أعداد المشاركين فيها يوماً بعد يوم. وفيما تحوّل بيت الوسط الى خلية نحل يومَيْ السبت والأحد، حيث أجرى سلسلة لقاءات مستمرّة ومكثفة بعيدة من الإعلام ودرس كلّ خياراته المفتوحة على جميع الاتجاهات وعقد اجتماعاً وزارياً مصغراً شارك فيه وزراء من أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر والمردة ومستشارون للحريري، فيما غاب الحزب التقدمي الاشتراكي عنه.

وبحسب معلومات البناء سيطرح الرئيس الحريري الورقة الإنقاذية على التصويت لإقرارها وبدء العمل على تنفيذ بنودها بأسرع وقت ممكن. وأشارت مصادر وزارية لـ البناء الى غياب الاتفاق التام حول الورقة الحريرية التي أخذت بعين الاعتبار ملاحظات المكوّنات الحكومية الأساسية، مشيرة الى أن في هذا السياق الى التباين الحاصل حيال دعم الكهرباء فبينما يطالب الوزير جبران باسيل بمبلغ 1800 مليار ليرة، تجمع القوى السياسية الأخرى على أن مبلغ 1500 مليار ليرة كافٍ. هذا فضلاً عن بعض التحفظات التي عبر عنها وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي في مؤتمرهم الصحافي من المصيطبة. ولفتت المصادر الى اتفاق كامل على دفاتر الشروط المتصلة بمعامل إنتاج الكهرباء وتأكيد على ضرورة تعيين الهيئات الناظمة وعلى إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة وضمان الشيخوخة وقانون محاربة الفساد ورفع السرية المصرفية عن حسابات النواب والوزراء والمسؤولين في الدولة وعدم فرض أي ضرائب قد تمسّ الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود في موازنة العام 2020، بالتوازي مع العمل على إقرار خفض رواتب جميع النواب والوزراء الحاليين والسابقين 50، وإلغاء جميع الصناديق، وفرض ضرائب على المصارف وشركات التأمين بنسبة 25، وتقديم مصرف لبنان والمصارف الخاصة 3 مليارات دولار لخزينة الدولة، زيادة الضريبة على أرباح المصارف، إعادة العمل بالقروض السكنية.

وتشير مصادر تيار المستقبل لـ البناء الى أن الحريري لم يذهب الى الاستقالة حماية للبلد، لأن استقالته سوف تدفع البلد نحو الانهيار. وهذا ما يدركه الجميع. وأشارت المصادر الى ان الرئيس الحريري تلقى اتصالات أوروبية تمنت عليه عدم الاستقالة، لأن البلد لا يحتمل. واذ اعتبرت المصادر ان الورقة الإصلاحية جديرة بالإقرار لفتت الى ان محاولات البعض في الساعات الماضية لدفع الحريري الى الاستقالة تدخل في سياق النفاق السياسي والمواقف الشعبوية التي ذهب اليها البعض في الساعات الماضية. ورأت المصادر أن استقالة القوات في هذا التوقيت لم تكن في محلها على الإطلاق، قائلة كان يمكن للمزايدين اليوم أن يوقفوا المناكفات داخل مجلس الوزراء بدلاً من التنصّل من المسؤولية راهناً.

ورجّحت مصادر متابعة لـ البناء أن الحريري لن يقبل استقالة القوات، مشيرة الى أن قرار جعجع باستقالة وزراء الجمهورية القوية يأتي في سياق اللعب على الوتر المسيحي ومحاولة لاستقطاب الشارع المسيحي المنتفض في الوقت الراهن. هذا فضلاً عن أن جعجع يظنّ أن الحريري لم يعُد يحظى بالدعم الخارجي، علماً أن المصادر نفسها ترى أن القوات ستخسر مجدداً سياسياً وشعبياً.

وليس بعيداً كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قد اطلّ يوم السبت من بعلبك في ذكرى أربعين الحسين واضعاً النقاط على الحروف، مبدياً تفهمه للتحركات الاحتجاجية التي شملت مختلف المناطق اللبنانية، لكنه دعا الجميع الى التعاون وتحمل المسؤوليات قاطعاً الطريق على كل مَن يريد تسييس الحراك وركب قطار المعارضة، وقائلاً ممنوعة استقالة الحكومة وعلى الجميع تحمّل مسؤولياته إزاء الوضع الخطير الذي يواجهه البلد، ومَن يخوض معركة إسقاط العهد أقل له إنك لا تستطيع ذلك، مشيراً إلى أن بعض القيادات والقوى السياسية في لبنان تتصرّف وتقف على التلّ وتتنصل من اية مسؤولية عن الماضي والحاضر وتُلقي التبعات على الآخرين .

وتابع بعض من في السلطة تصوّر أن لا مشكلة بفرض الضرائب و بتمرق ، إلا ان هناك من هو مصرّ على أن الإصلاحات تعني فرض ضرائب، لكن هذه إجراءات تؤدي الى انفجار ومأزق حقيقي .

وتوجه السيد نصر الله إلى المتظاهرين قائلاً رسالتكم وصلت للمسؤولين جميعاً.. وأهمية حركتكم الشعبية أنها كانت عفوية وصادقة وان حركتكم الشعبية عابرة للطوائف والمذاهب ، ولفت إلى أن عندما تحتاج مواجهة الضرائب النزول الى الشارع فسننزل، وإذا نزل حزب الله الى الشارع فلن يستطيع العودة إلا بتحقيق المطالب .

وزار امس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل وعرض معه ملاحظاته واقتراحاته حول الورقة الاقتصادية.

وفي السياق، اشارت مصادر مطلعة لـ البناء الى ان الاشتراكي لم يدفع وزراءه الى الاستقالة لأنه لن يسلك اي طريق بمنأى عن الرئيس الحريري، وعندما أدرك ان الأخير لن يستقيل قرر التعاطي مع التطورات بأسلوب آخر، عبر الدعوة لأخذ بعض بنود ورقته الاقتصادية بعين الاعتبار. واعتبرت المصادر أن جنبلاط يدرك أن أي دعسة ناقصة من شأنها أن تنقلب عليه. وهذا ما دفعه الى التراجع عن الاستقالة والقفز فوق الاتهامات التي ساقها ضد العهد، مشيرة إلى أن جنبلاط قرأ جيداً كلام السيد نصر الله.

وقال جنبلاط أمس عبر تويتر: نعلم أننا سنواجَه بالرفض والتخوين، لكن علينا ان نتحمل كل انتقاد من المتظاهرين ونتحمل بعضنا البعض كرفاق في هذا الظرف الاستثنائي، حيث فقط الحوار هو الأساس مهما كان الثمن.

وليس بعيداً، لا تخفي مصادر تكتل لبنان القوي لـ البناء محاولات الحزب الاشتراكي وحزب القوات تسييس الاحتجاجات وأخذها الى مكان آخر عبر الهجوم على العهد والوزير جبران باسيل من بعض مناصري هذين الحزبين. ولفتت في الوقت عينه الى ان حراك الشارع سوف يساعد رئيس الجمهورية على تحقيق خطته الإصلاحية التي وعد بها منذ وصوله الى قصر بعبدا، لافتة الى ان التيار الوطني الحر متمسك بالإصلاحات الضرورية لإقرار موازنة شفافة تعيد ثقة المواطن بالدولة، ورئيس الجمهورية انكبّ في الساعات الماضية على ضرورة اتخاذ التدابير الجذرية لحل الأزمة وتطمين المواطنين، معتبرة ان التيار الوطني الحر اتخذ قراراً برفع الحصانات والسرية المصرفية عن حسابات نوابه ووزرائه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى