الفنانون من الساحات الاحتجاجيّة: مع مطالب الناس المحقّة وحقوقهم فوق أي اعتبارات… وعلى الإصلاحات أن تشمل جميع المجالات
رنا محمد صادق
الفنّ لا ينحصر ببؤرة جمالية ضيّقة، بل يشمل كافّة الحقول الاجتماعية والثقافية والإنسانية، في سبيل تحقيق رسالة الفنّ بين الوحي والواقع، في التجسيد الإبداعي للحقيقي لوجع الناس وآلامهم، من حكم الناس وصوت الشعب، في تمثيل الفقير والمظلوم، المريض والموجوع، وكلّ في فلك يسبحون.
بين إطارات مشتعلة وقلوب ملتهبة وأصوات تطالب بأبسط حقوق العيش الكريم، بأدنى مقومات الحياة. بعد 4 أيام من توافد الناس إلى الساحات احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والضرائب، حيث برز الوجود الفنّي والكادر الثقافي بشدّة من ممثلين وفنانين ومشاهير ومخرجين انضموا في اليومين الماضيين إلى الاحتجاجات المطلبية.
«البناء» كان لها حديث مع فنانين شاركوا في التظاهرات.
شكرون: للفنان دور فاعل في شحذ المجتمع للقيام بثورة تغييرية
الممثل حسين شكرون قال: الفن والإبداع هما الواجهة الحضارية للمجتمعات وطريق التطور الفكري للشعوب. وما يراه الفنان قلّ ما يراه العامة من الناس. والسبب أن الفنان المثقف لديه ميدانه وملعبه على المستوى الاجتماعي والوطني والإنساني، ويشعر دائماً أنه مسؤول لدى مجتمعه وبيئته حيث يقوم بقراءة مجريات الأحداث التي يمر بها المجتمع ويعمل على بلورتها إن بالأغنية، أو القصيدة أو بتمثيلية مرئية، أو بالمسرح، على شكل رسائل تثقيفية توعوية بأسلوب محبّب للمتلقي، وما نعيشها هذه الأيام من تصارع بالأحداث بشكل عام ومن تغيّرات جعلت المجتمع بنفق من التخبّط المعيشي الاقتصادي قد يتحول إلى خلل أمني جراء المعاناة التي يمر بها أو يعيشها. لم يكن لدى المجتمع الا التظاهر والذي هو حقّ مشروع له كسبيل وحيد للتعبير عن رأيه بالظلم الذي بات قوته اليومي بدلاً من الخبز والطبابة والتعليم. مع نزولنا إلى الشارع مع أهلنا للقول للسلطة الحاكمة إن الأوطان لا تبنى بهذه الطريقة. فبناء الوطن هو تعاون بين السلطة الحاكمة والمواطن، والمواطن كما عليه واجبات له حقوق، وهذا لا يدل على أننا ضد أشخاص معينين بل ضد أداء السلطة الحاكمة التي تقود مركباً إن غرق سيودي بحياة المجتمع كلّه. ونحن كجيلٍ إلى زوال لكن الوطن باقٍ، فعلينا أن نحافظ عليه لنسلّمه للأجيال القادمة سالماً ومعافى بعد أن كلّفنا الكثير من الدم والشهداء ليصبح وطناً مستقبلاً.
وأضاف: ما نعرفه عن الثورات التي تدعو للتحرر كان للفنان دوره الفاعل في شحذ الهمم والحماس ودليله القول: «الذي لم يغب عن الباب قرع طبول الحرب، وهي فرقة مخصصة بالعزف الحماسي في قرع الطبول ترافق الجنود في حروبهم»، منها نقول إن الفنان له دوره وتأثيره على أي حركة ثورية والدليل ما هو حاضر الآن وهنا. وهناك أيضاً العديد من المسرحيّين الذين لعبوا دوراً في توصيل أفكارٍ توعوية تقوم بتوجيه المجتمع وشحذه على أن يقوم بثورة تحرّرٍ أو بثورة تغييرية تساعد المجتمع أو تساعد الدولة على بناء المجتمع.
فيصل أسطواني:
حقوقنا ليست أحلاماً!
الممثل فيصل أسطواني في حديثه مع «البناء» قال: هذه الانتفاضة هي على كلّ ما يحصل، ضدّ الذلّ، ضدّ الحكومات المتعاقبة على لبنان التي سرقت قوت الشعب وسط سكوته. هذه الانتفاضة وحّدت اللبنانيين وأنهت الحرب الأهلية فعلياً بعد المشهد الخالي من الطائفية والمناطقية والجنسية والانتماء، الجميع كانوا قلباً واحداً، المطلب نفسه، لا تمييز بينهم. والأجمل من ذلك الصورة العامة في جميع المناطق تؤكد لا مركزيّة التظاهرات وعمق المطالب بتوحيدها، فمطلب الذي يتظاهر في الجنوب كمطلب المتظاهر في عكار وبيروت وطرابلس.
وأضاف: الفنانون هم أناس ككلّ الشعب، يجوعون، يشعرون بالذلّ والعار، والوقاحة الموجودة عند السياسيين على الشاشات، لذلك دور الفنان اليوم هو المشاركة وتفعيل الحسّ الوطني الدائم، وتشجيع فئات الشعب على رفض الظلم والذلّ بالكلمة، والوقفة، والأغنية. بعيداً عن الخطابات، فقط الوقوف بصرخة «آخ» لإظهار الآلام.
ويتابع: منذ زمن، سأل أوروبي عربي «ما هي أحلامك؟»، فأجاب الأخير «أن أعيش بكرامة في وطني، طبابة، مدرسة… فردّ عليه الأوروبي «لحظة! إني أسألك عن أحلامك لا حقوقك». حقوقنا صارت أحلاماً!
وختم أسطواني: نحن شعب لا يُذلّ، فالمشهد الذي رأيناه لا لون ولا طائفة ولا صبغة من كل منطقة تظاهرات عفوية بامتياز!
دلال عبدالله: مجال الفنّ يحتاج إلى مطالب نهضوية في جميع المجالات
المخرجة اللبنانية دلال عبدالله قالت لـ»البناء»: الفنان هو مواطن بالدرجة الأولى، مثله كجميع الناس على الأرض، يعاني من كلّ نقص يطالب فيه الشعب، فهو يدفع فاتورة الهاتف والماء والكهرباء مرتين، وبل أكثر من ذلك. فالفنان يعمل في الفنّ فقط، فإن توقف العمل الفنّي يبقى بلا عمل، بلا مدخول للحصول على مستلزماته الأساسية مثله كجميع المواطنين، ويريد إيصال صوته مثل الشعب.
وتتابع: الفنان عليه أن يخرج من صمته، ويتشارك مع الناس أوجاعهم. من واجب الفنان مشاركة قضايا الناس لأنه معروف وله تأثير إيجابي عند الناس، وتثق به الحشود وتتأثر بما يقوله، وتصدقه، ليس كالسياسي. الفنان مهما غاب يبقى في قلوب الناس، يشعر بهم يحس بهم، والوجود الفنّي في التظاهرة هو دعوة إلى الصرخة وتوحيد هذه الصرخة الشعبية.
وتضيف: للفنانين هموم ومطالب حياتية بخصوص مجال الفنّ، تحسين الاستثمارات، دعم هذا المجال من خلال شركات تدعم المسلسلات والإخراج، ولا توجد استثمارات للوجوه الفنية الشابة، ما زالت التجارب في هذا المجال فردية والإنتاج فيه إنتاج خاص، لذلك صرختنا كصرخة المجالات الأخرى العملية من أجل دعم صناعة السينما بشكل خاص، والمجال الفنّي بشكل عام. نتمنى التغيير والإصلاحات في جميع المجالات.