استمرار الحراك الشعبي تظاهراً واعتصاماً بعد إعلان الورقة الإصلاحية لمجلس الوزراء وتباين في المواقف بين انعدام الثقة بالحكومة وبين الدعوة لمنحها فرصة

لليوم الخامس على التوالي، تواصل الحراك الشعبي احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردّية ورفضاً للضرائب الجديدة. وقد استمرّ الحراك بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء وإذاعة الورقة الإصلاحية الاقتصادية للحكومة.

وقد عبّر معظم المتظاهرين في ساحات تجمّعِهم في مختلف المناطق اللبنانية، عن عدم ثقتهم بالحكومة لتنقيذ المقرّرات، التي رأى فيها بعض المحتجّين أموراً إيجابية.

وقد تحلّق المتظاهرون، في بيروت والمناطق، حول مكبّرات الصوت وشاشات التلفزة العملاقة للاستماع إلى كلمة رئيس الحكومة سعد الحريري مباشرةً.

ولم يكمل متظاهرون في وسط بيروت الاستماع لكلمة الحريري، وسارعوا إلى ترديد الهتافات التي تدعوه إلى الرحيل.

وعقد ناشطون مؤتمراً صحافياً في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، أكدوا فيه استمرار الاحتجاجات إلى حين تشكيل حكومة إنقاذ مستقلة ومتخصّصة ومصغّرة من خارج المنظومة الحاكمة ذات صلاحيات استثنائية.

ودعا بعض المحتجين إلى عصيان مدني من أمام جامع محمد الأمين. وأكدوا الاستمرار في الثورة، معلنين أنهم سيغلقون الطرقات اليوم، إذا لم يرحل كلّ الطاقم الحاكم.

ومساءً نفّذ ناشطون اعتصاماً أمام مصرف لبنان واعتبروا أنّ السياسات المالية، التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان ساهمت في الدين العام ، مطالبين بـ استعادة الأموال التي تقدّر بـ100 مليار دولار فوائد دُفعت إلى المصارف .

وفي جلّ الديب وما ان أنهى الحريري كلمته حتى توافد المتظاهرون إلى الاوتوستراد للتعبيرعن رفضهم للورقة التي أُقرّت بنودها في مجلس الوزراء. وقد عمد بعض المتظاهرين إلى قطع الطريق البحرية بأجسادهم.

وارتفعت أعداد المتظاهرين في شكل كبير على أوتوستراد جونية وعبّر المحتجون عن امتعاضهم من ورقة الإصلاحات ووجهوا دعوات للنزول إلى الشارع لرفضها.

واستمع المحتجون عند ساحة إيليا في صيدا إلى خطاب الحريري، وفور انتهائه اعتبر عدد منهم أنّ ما أقرّ هو جزء من حقوق للشعب اللبناني وأنّ المطلب يبقى تغيير هذه الطبقة السياسية التي تمّ فقدان الثقة بها ، وقال البعض الآخر إنّ المسؤولين لطالما أعطونا وعوداً ولم ينفذوها فكيف سنصدقهم اليوم .

وتلت إحدى المعتصمات كلمة باسم المحتجين قالت فيها: وعودكم لا تكفينا، ما لم تقوموا به من ثلاثين سنة لن تستطيعوا تنفيذه بـ 72 ساعة، موقفنا هو رحيل الجميع من أعلى رأس الهرم إلى أصغره واستعادة المال المنهوب ومحاسبة الفاسدين، وعندما ترحلوان لكلّ حادث حديث ونحن باقون في الشارع .

بدورهم أكد المحتجون في ساحة النور – طرابلس، أنهم لن يخرجوا من الاعتصام رغم إقرار الورقة الإصلاحية، مطالبين باستقالة المسؤولين كافة، ودعوا المواطنين إلى النزول بكثافة إلى ساحة الاعتصام والاستمرار بالتظاهر حتى تحقيق مطالبهم.

كما نزل المحتجون في البقاع بكثافة إلى الطرقات وقطعوها بشكل كامل من بلدة اللبوة حتى البقاع، رافضين الورقة الإصلاحية، مردّدين شعارات الدعوة إلى إسقاط النظام واستقالة الحكومة. وألقيت كلمات رفضت الورقة المطروحة، مشيرةً إلى فقدان الثقة بالحكومة الحالية، فكيف ستعود الأموال المسروقة وهم الذين سرقوها، كما أنّ الحكام ما زالوا يلجأون إلى المماطلة وعدم احترام رأي الشعب الذي نزل إلى الشارع منذ خمسة أيام وما زال يردد شعار إسقاط النظام السياسي برمته .

وأقدم المشاركون في الحراك الشعبي عند دوار بلدة دورس على حرق علمي إسرائيل وأميركا، واعتبروا أنّ هذه الخطوة للدلالة إلى أنّ الحراك الرافض لتردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، غير مسيّس، وأنّ أهالي بعلبك المنتفضين، يتمسكون بخيارهم المعادي لإسرائيل، ويطالبون بمحاسبة الفاسدين .

وفي الهرمل عاود المحتجون على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، قطع الطريق أمام السراي الحكومي رافعين الأعلام الوطنية والشعارات المطالبة برحيل الحكومة والرافضة للورقة التي طرحها الحريري.

وقام فريق من المحتجين بتوزيع الورود على عناصر القوى الأمنية التى تتولى حفظ الأمن في المكان ولم يسجل ما يخل بالأمن .

وتواصل قطع الطريق الدولية في اللبوة والنبي عثمان بالحواجز الخشبية والأتربة، ونظم أهالي الفاكهة والجديدة تجمعاً حاشداً في محلة الزيتون تخلله شعارات وطنية مطالبة بإسقاط الحكومة.

وفي صور توافدت أعداد كبيرة إلى ساحة العلم، للمشاركة في التظاهر، ورفعوا الأعلام اللبنانية ومنهم من رفع رغيف خبز كتب عليه ثورة الجوع ، معبّرين عن رفضهم لقرارات الحكومة وللرئيس الحريري، مؤكدين استمرارهم بالتظاهر حتى استقالة الحكومة.

… ومواقف من الورقة

وتعليقاً على الورقة الحكومية الاقتصادية، صدرت مواقف أكدت انّ المشكلة هي في انعدام الثقة بالحكومة.

وفي هذا الإطار، أكد رئيس حزب الحوار الوطني النائب فؤاد مخزومي أنّ الورقة الإصلاحية التي خرج بها مجلس الوزراء «لا شك قدّمت جديداً على صعيد الاقتراب من إصلاحات ضرورية لموازنة 2020 لكن المسألة تتعلق بانعدام الثقة بالطبقة السياسية المسؤولة، والتي تتمثل بالحكومة القائمة».

وطالب باستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وطنية انتقالية من خارج الاصطفافات القائمة، واستعادة المال العام المنهوب هو ما يمكن أن يفي الناس حقهم، ويعيد الأمل بإمكان تصحيح مسار الإصلاح وينعكس إيجاباً على الاقتصاد حقيقة».

ولفت إلى أنّ ضغط الشارع أفرز جديداً ، متسائلاً عن السبب الذي منع الحكومة من تضمين موزانة 2020 التنازلات التي قدّمتها هذه الحكومة الفاشلة قبل نزول الناس إلى الشارع؟ . ورأى أنّ الورقة لم تأت على ذكر أرقام الموازنة بل ذكرت أنّ العجز سيكون صفراً فحسب ، متسائلاً عن كيفية تغطية العجز ومن أين؟». وقال لم تتمّ إقالة أيّ وزير أو مدير أو فاسد بما يعني أنّ الاشخاص الذين تسبّبوا بالفساد سيشرفون على الإصلاح .

واستبعد أن تعيد هذه الورقة ثقة الناس بالمسؤولين الذين فشلوا في إدارة البلد ولم يتمكّنوا من طمأنة المواطن وأوصلوه إلى هذا الدرك من التردّي الاقتصادي والمعيشي».

وشدّد مخزومي على أنّ الحكومة سقطت في الشارع ومن الضروري اليوم إعلان حالة طوارئ، داعياً الى التعاون لتشكيل حكومة إنتقالية تتألف من اختصاصيين واقتصاديين وأصحاب كفاءات، ووضع قانون انتخابي عادل يعتمد النسبية، ويلتزم بروحية الطائف .

بدوره، قال رئيس تيّار الكرامة النائب فيصل كرامي، إنّ قرارات الحكومة متأخرة كثيراً، وكأنها طلب استرحام من الشعب اللبنانيين لإجهاض الحراك الشعبي، واستمرارهم بقائهم على الكراسي».

أضاف أنا كنائب ومواطن ليس لديّ ثقة بهذه الحكومة وبهذه الطبقة السياسية الحاكمة لعدم قدرتها على تطبيق اي بند إصلاحي حقيقي وجدي وأخيراً تبقى الكلمة للشارع .

وغرّد الوزير السابق وئام وهاب فقال لا تستمرّوا في العناد حاسبوا الفاسدين وإلا سيحاسبكم الشعب، اللهم أشهد أني قد بلغت».

وأشارت لجنة المتابعة في لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية في بيان بعد اجتماعها الدوري في مقرّ حزب البعث العربي الاشتراكي، إلى «أهمية الحراك الشعبي وما حققه من إنجاز وطني مهم، متمثل في المشهد الرائع للوحدة الوطنية، الأمر الذي أدّى إلى إقرار الحكومة لسلسلة إجراءات وقرارات استجابة لضغط الشارع، المنتفض ضدّ سياسات التجويع والإفقار التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه».

وأكد اللقاء التمسك بتنفيذ فوري للإصلاحات التي وردت في الورقة الاصلاحية التي أقرّتها الحكومة «والتي تستجيب لقسم من مطالب الشعب اللبناني الذي انتفض عفوياً وفي كلّ المناطق عابراً للمناطق والطوائف، وتوحد ضدّ سياسات السلطة الاجتماعية والاجتماعية والمالية والاقتصادية الفاسدة، التي أدّت إلى إثراء قلة وأفقرت عامة اللبنانيين، وتسبّبت في اختناق الاقتصاد وتراكم الديون والعجز، وتدمير القطاعات الانتاجية وزيادة البطالة وارتفاع الأسعار».

ورأى اللقاء، أنّ «إقرار الورقة الاقتصادية ما كان ليحصل، لولا الانتفاضة الشعبية العفوية التي ألزمت الحكومة بإلغاء أيّ زيادات ضرائبية تمسّ الطبقات الشعبية، ودفعتها إلى إشراك المصارف، التي حققت الأرباح الطائلة من الفوائد، بتحمّل أعباء حلّ الأزمة المالية والخدماتية».

وشدّد على أنّ المطلوب من الحكومة روزنامة عملية واضحة لضمان تنفيذ الإصلاحات التي أعلنت عنها، محذراً من خطورة أيّ مماطلة أو تسويف، لا سيما لناحية استعادة أموال الدولة المنهوبة، وحقوق الدولة في الأملاك البحرية والنهرية والعقارية.

وفي هذا السياق أشاد اللقاء بموقف نادي قضاة لبنان، الذي أرسل رسالة إلى الجهات المعنية للتأكيد على القانون المتعلق باستعادة الأموال المنهوبة.

وأكد اللقاء أنّ هذه الورقة الاصلاحية وإنْ كانت جيدة، إلا أنها يجب أن تُستكمل بمزيد من الإجراءات من خلال رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية شاملة، تعيد النظر جذرياً في السياسات التي تسبّبت بالأزمة، وتضع برنامجاً للنهوض بالقطاعات الإنتاجية وتوفير الدعم والحماية لها واستعادة موارد الدولة، لا سيما لناحية عودة الدولة إلى استيراد النفط والغاز من الدول الصديقة، والتواصل رسمياً مع الحكومة السورية لتسهيل تصدير الانتاج الصناعي والزراعي إلى العراق عبر معبر البوكمال – القائم، مروراً بوضع نظام ضرائبي جديد متكامل يقوم على الضريبة التصاعدية، ووصولاً إلى وضع إصلاحات الطائف موضع التنفيذ للخروج من النظام الطائفي المولّد للأزمات .

وحذّر اللقاء من خطورة حرف التظاهرات الشعبية العفوية المحقة عن مسارها المطلبي الاجتماعي، أو محاولة توظيفها من جهات خارجية وداخلية في خدمة أجندات تستهدف النيل من المقاومة والعهد، وهي أجندات تندرج في سياق الخطة الأميركية لحصار المقاومة وبيئتها الشعبية ومؤيديها ومناصريها .

وأكد أنّ قطع الطريق على هذه الأجندات الداخلية والخارجية، إنما يكون بالحرص على تنفيذ مطالب الناس المحقة، وتحصين الوضع الداخلي في مواجهة هذه الضغوط الأميركية بما يعزز الإنجازات الوطنية التي حققتها انتصارات المقاومة، التي تبقى الضمانة لحماية سيادة لبنان من الاعتداءات والأطماع الصهيونية في أرضه ومياهه وثرواته النفطية والغازية .

من جهته، اعتبر حزب الاتحاد في بيان أنّ القرارات الإصلاحية التي أقرّها مجلس الوزرا «تشكل خطوة إصلاحية هامة، يقتضي أن تستكمل بإجراءات تنفيذية ومراسيم تطبيقية لتكون استجابة للمطالب الشعبية، والمدخل الأساس نحو إصلاحات سياسية وإقتصادية كبيرة، وصولاً إلى دولة المواطنة التي تشكل حلم اللبنانيين في الخلاص من الأزمات المتراكمة التي يمرّ بها الوطن منذ سنوات طويلة، مما يقتضي إعطاء فرصة للحكومة لتحقيق مضامين هذه الورقة وما احتوته من إصلاحات كانت واحدة من أهداف هذا الحراك التاريخي للحفاظ على لقمة عيش المواطن ومحاسبة الفساد، والسرقات وإعادة المال المنهوب، والمحافظة على مالية الدولة من الهدر والضياع، وفرض ضرائب على المصارف، بالإضافة للبنود الأخرى».

أضاف «وإذا كان الحراك الشعبي قد ساعد على اتخاذ هذه القرارات الإصلاحية، فإنّ من الأجدى أن نعطي لدورة الحياة العامة في البلاد مداها لتستأنف مسارها، مع الإبقاء على الوعي الشعبي رقيباً على العمل الحكومي في تنفيذ هذه القرارات الإصلاحية».

ودعا الحزب «المحازبين والانصار وكلّ القوى الحليفة للتجاوب مع الخطة الإصلاحية في هذا الظرف الدقيق والحساس، تجنيباً للبلاد من مخاطر الانزلاق في متاهات خطيرة».

واعتبرت «حركة الشعب»، أنّ «لجوء الحكومة في هذه الظروف الدقيقة إلى التذاكي، في محاولة منها لخداع الناس، هو أمر أقلّ ما يُقال فيه أنه معيب». أضافت «في محاولة منها لإجهاض مطلب استرداد المال المنهوب إلى خزينة الدولة، تعد الحكومة بالعمل على استصدار قانون لاسترداد المال المسروق. كيف هذا؟ وهل يحتاج الأمر إلى قانون لتجريم السرقة؟ أم كان يجب على الحكومة الطلب إلى النيابة العامة إلقاء الحجز على ثروات المسؤولين المتهمين بالفساد ومنعهم من مغادرة البلاد كخطوة أولى لاستعادة المال المسروق؟».

وأشارت إلى أنّ الحكومة لاحظت أنّ الشعب اللبناني في انتفاضته تجاوز الطائفية والمذهبية، كما لاحظت أنّ اللبنانيين يريدون انتخابات نيابية مبكرة. هذا صحيح، ولكن الاستجابة لهذه الحقيقة التي جسّدها اللبنانيون تكون بتعهّد الحكومة وضع قانون للانتخابات النيابية على أساس وطني لاطائفي، وهذا ما أغفلته عن عمد. أما الإشادة الإنشائية بوعي اللبنانيين فإنها لا تقدّم ولا تؤخّر، وهي مجرّد وسيلة للتهرّب من الالتزام بقانون انتخابات يحقق للبنانيين إرادتهم وتوْقهم إلى بناء دولة سليمة ووطن منيع ومجتمع سليم».

ورأى المؤتمر الشعبي اللبناني ، أنّ غالبية الشعب اللبناني فقدت الثقة بنهج الطبقة الحاكمة، ولم يعد تنفع معها المسكنات بما يسمّى ورقات إصلاحية قديمة أو جديدة ، مجدّداً المطالبة بـ رحيل الحكومة كمقدمة لرحيل كلّ فاسد في الطبقة الحاكمة وتشكيل حكومة اختصاص مصغرة برئاسة قاض نزيه من كفاءات وطنية مشهود لها بالنزاهة ونظافة الكف والضمير .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى