فرنسا وأميركا تكامل وتوزيع في الأدوار

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

أقرّ مجلس الجامعة العربية السبت الفائت في القاهرة خطة التحرك العربي من أجل عرض المشروع الفلسطيني على مجلس الأمن الدولي، ذلك المشروع الذي يطالب المجتمع الدولي بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تنتهي مع نهاية عام 2016.

اميركا ستقف ضدّ هذا التحرك الفلسطيني، من خلال استخدام «الفيتو»، معتبرة ذلك خطوة أحادية من الجانب الفلسطيني، وبأنّ ذلك يعقد المفاوضات، تلك المفاوضات العبثية المستمرة منذ عشرين عاماً، والتي لم ينتج عنها سوى المزيد من الاستيطان وقضم الأرض الفلسطينية، واميركا المنحازة تماماً الى «اسرائيل»، والتي تشكل الدرع الواقي لها ضدّ أيّ قرارات او عقوبات قد تتخذ ضدها أو تفرض عليها بشأن جرائمها وإجراءاتها وممارساتها القمعية بحق الشعب الفلسطيني، وهي جرائم حرب موصوفة ومخالفة لكلّ الاتفاقيات الدولية، جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي لعام 1907، جرائم الاستيطان والعقوبات الجماعية، هدم المنازل والطرد الجماعي للسكان وغيرها، هي لا تريد أن تمكن الطلب الفلسطيني من الوصول الى مرحلة التصويت، بل هي تمارس ضغوطا كبيرة وعمليات ابتزاز على الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لحملها على رفض الطلب الفلسطيني، ولعلّ المناورة التي تمارسها مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي تاتي في هذا الإطار والسياق، إطار تقاسم وتكامل وتوزيع الأدوار، حيث من المتوقع ان تطرح فرنسا باسم دول الاتحاد الأوروبي مبادرة جديدة تقوم على التسويف والمماطلة، والتي خبرناها جيداً من أميركا والغرب الاستعماري منذ نكبة شعبنا 1948 وحتى اللحظة الراهنة، مشاريع ومبادرات تسويف ومماطلة، جلّ أهدافها حماية امن «اسرائيل» وبقائها متفوّقة ومسيطرة على المنطقة، ومستمرة في احتلالها للأراضي العربية الفلسطينية، فأميركا والغرب يسعيان دائماً من أجل الاستمرار في إدارة الأزمة وليس حلها، وحيث نشهد حالة من التململ والتمرّد الشعبي على اوروبا الرسمية التابعة والدائرة في الفلك الأميركي، من خلال إقدام العديد من البرلمانات الأوروبية الغربية بالاعتراف الرمزي بدولة فلسطين، وهذا يعني أنّ المواقف الشعبية والبرلمانية الأوروبية ضاقت ذرعاً بمواقف حكوماتها وانتقائيتها وازدواجيتها، في ما يتعلق بقرارات الشرعية الدولية، وهذا بات يشكل عاملا ضاغطا على الحكومات الأوروبية لكي تأخذ مواقف أكثر توازناً من الصراع العربي- «الإسرائيلي» والقضية الفلسطينية، من خلال الابتعاد وعدم التبعية للموقف الأميركي، وهذه المواقف لكي لا تتطور وتتصاعد نحو إلزام الحكومات الأوروبية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، نسّقت دول الاتحاد الأوروبي مواقفها مع اميركا، لكي تجهض الطلب الفلسطيني والمواقف الشعبية والبرلمانية الأوروبية، من خلال طرح مبادرة أوروبية تقدمها فرنسا إلى مجلس الأمن الدولي، تلك المبادرة أو المشروع الفرنسي، والذي عرضته فرنسا على الخارجية الروسية، والتي بدورها أبدت رفضها له، يرتكز على جملة من النقاط، مع الإشارة الى انّ هذا المشروع، أشار إليه وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في مجلس النواب خلال بحث مسألة الاعتراف بفلسطين، يرتكز على بعض الأسس، منها:

1 – الدعوة إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية «الاسرائيلية» على ان تستمرّ بين عام ونصف وعامين.

2 – تكون المفاوضات تحت الرعاية الأميركية الكاملة.

3 – تصبح القدس عاصمة للدولتين.

4 – في نهاية المفاوضات تقوم دولة فلسطينية ويتمّ الاعتراف بها، فوق حدود اراضي 1967، بعد اجراء «تبادل اراض متفق عليه»، وبما يضمن «المصالح الأمنية لإسرائيل».

هذا جوهر المشروع الفرنسي، الواضح انه سيقدم إلى مجلس الأمن الدولي كمشروع أوروبي بديل للمشروع الفلسطيني، وهذا المشروع التسويفي، أتى بعد فشل كيري في جولاته المكوكية، والمفاوضات التي ادارها لمدة تسعة شهور من أجل ان يحقق اختراق حتى ولو شكلي في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولكنه اصطدم برفض «إسرائيلي» مطلق لتقديم اي «تنازلات» ليس فقط لا تلامس الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967، او وقف وتجميد الاستيطان، بل ما اتفق عليه من إطلاق سراح أسرى ما قبل اوسلو 104 ، لم تلتزم به «اسرائيل» ولم تنفذه، وما حصل لاحقاً من توقف لتلك المفاوضات، قاد الى وصول الطرف الفلسطيني، بأنه لا جدوى من الاستمرار في نفس الحلقة المفرغة.

المشروع الفرنسي يريد منا أن نستمرّ في تجريب المجرّب، بأن تكون المفاوضات تحت الرعاية الأميركية الكاملة، وتغيب الرعاية العربية والدولية، وكأنّ هذه الرعاية الأميركية، أثمرت شيئاً، فهي كانت فقط ترى الأمور بالمنظار «الإسرائيلي»، وأحياناً كانت اكثر تشدّداً وتطرّفاً من الموقف «الإسرائيلي» نفسه، في ما يتعلق بحقوقنا الوطنية.

وفي نظرة فاحصة للمشروع الفرنسي، فإنه لا يتطرق الى توحش وتغوّل الاستيطان، وسياسة العقوبات الجماعية، هدم منازل المقدسيين، تهويد القدس، محاولات التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، طرد وترحيل وتهجير جماعي… الخ، وفي الحديث عن الفترة الزمنية، فالمشروع الفرنسي، يتحدث عن فترة جديدة للمفاوضات، وليس عن فترة تلزم «اسرائيل» بإنهاء الاحتلال، وبما انه لا يجري الحديث عن عقوبات وخطوات إلزاميه في حالة فشل المفاوضات، فهذا يعني أننا سنعاود الدوران من جديد في نفس الحلقة المفرغة، ولكن بخسارة وضرر اكبر على قضيتنا وحقوقنا ومشروعنا الوطني.

فرنسا والغرب الاستعماري وأميركا لا يقدمون مبادرات للحلّ، بل هي استمرار لعمليات الخداع والتسويف والمماطلة، التي تمارَس علينا كعرب وفلسطينيين، منذ نكبة شعبنا وحتى وقتنا الراهن، مشروع هنا ومبادرة هناك، وخطة وخطة بديلة، ونحن نجري خلف السراب، ونتصارع ونختلف في ما بيننا، بأن نعطي فرصة لهذا المشروع او ذاك، والقول لنا إنّ علينا ان نكون عقلانيين وحكماء، وان نبتعد عن المقاومة، فيما البلاد ضاعت والأرض هُوّدت، والحديث الآن عن «يهودية الدولة»، وبما يعني نكبة جديدة لشعبنا الفلسطيني، وفرنسا بمشروعها تريد محاصرة وإجهاض الحالة الشعبية الأوروبية المتعاطفة مع شعبنا الفلسطيني، وان تخرج الاحتلال من عزلته الدولية المتنامية على خلفية جرائمه وممارساته العنصرية والقمعية بحق شعبنا، ولذلك يجب عدم الالتفات الى تلك المبادرة او التعاطي معها، وعلينا السير نحو استكمال عضويتنا في المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها التصديق على ميثاق روما والانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، وعدم الرهان على مجلس الأمن الدولي، فالطريق ستكون صعبة ومغلقة فأميركا وأوروبا الغربية ضدّ الطلب الفلسطيني، علينا ان نختصر الوقت ونستغلّه، فالزمن لمصلحتنا والقيادة عليها ان تغادر خانة الحسابات الضيقة والخوف على مصالحها، وتلك الحسابات التي تدفعها للعيش في كابوس الخوف من اميركا والغرب الاستعماري، عليها أن تقود المشهد العربي للمشروع الوطني الفلسطيني، لا أن تتكئ على المواقف العربية، وان لا تستمرّ في الدوران في الحلقة المفرغة والرهانات الخاطئة والخاسرة، فلماذا الإصرار على إضاعة الوقت الوطني الفلسطيني في البحث عن مجهول سياسي، والأمور بذلك الوضوح لمن يقرأ ويتفحص جيداً…!

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى