الأميركيّون يحوّلون العراق قاعدة كبرى لحركتهم الإقليمية!
د. وفيق إبراهيم
بدا الأميركيون واثقين من قدرتهم من تجميع قواتهم المنسحبة من سورية في العراق من دون اعتراضات حاسمة من قواه السياسية.
وبالفعل كان كلامهم دقيقاً، فها هو وزير الدفاع العراقي الشمري يعترف بدخولهم مؤكداً بشكل لم يصدقه احد، بأن الاميركيين الذين دخلوا الى منطقة الانبار العراقية لن يبقوا إلا بضعة اسابيع قبل مغادرتهم العراق نحو بلاد اخرى.
من جهتها محافظة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي قالت إن قوات اميركية دخلت نواحي ادارتها وإن الدولة المركزية في بغداد هي التي سمحت لهم بالدخول.
إن هذا الالتباس في وضعية القوى السياسية التي تدير الحكومة ورئاستي الدولة ومجلس النواب يكشف عن ضعف سياسي كبير تجاه الاميركيين في العراق.
فإذا كان هناك معاهدة امنية فهي اتفاقية ثنائية يجب ان تخضع لها كل الحركات العسكرية بشكل مسبق، فكيف تدخل وحدات من الجيش الاميركي اراضي عراقية قبل موافقة اصحاب السيادة النظرية عليها وهي دولة العراق.
وهل من باب المصادفة دخول هذه القوة الى العراق بعد تصريح للرئيس الأميركي ترامب كشف فيه ان بلاده بصدد استعمال العراق مركز مراقبة لكامل الإقليم. وهذا الرئيس سبق له وزار القاعدة الاميركية في العراق من دون ان يلتقي بأي من مسؤوليه داعياً في اثنائها رئيس مجلس الوزراء العراقي الى لقائه في القاعدة، والطريف ان رئيس الحكومة تذرع بانشغالاته للتهرّب من لقاء رئيس اميركي في قاعدة اميركية في بلده العراق.
ماذا يجري في العراق؟
الأميركيون المتقهقرون من سورية يواصلون حشد قواتهم في الخليج للزوم حصارهم لإيران واثارة رعب دول الخليج منها.
وفي محاولة لمنع التنسيق السوري العراقي والربط الايراني معهما، يريدون إقفال الحدود السورية العراقية وتجميدها عند حركة انتقال المواطنين بما يستند وظائفها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وهذا يتطلب نصب قواعد اميركية عند النقاط الاستراتيجية من الأنبار وحتى حدود نينوى مع كردستان، فهذا يقطع نهائياً امكانية افتتاح الخط الجيوبوليتيكي الضخم بين روسيا ذات الخلفية الصينية بإيران والعراق وسورية.
العراق اذاً في قلب الحركة الاميركية التي تجعل منه معوقاً يحول دون انفتاح الاقليم على بعضه بعضاً، كما تستنزف دوره الاقليمي وخصوصاً لجهة حدوده مع السعودية في مرحلة يجد آل سعود انفسهم مهزومين ومتروكين لقدرهم، فيلعب الاميركيون ورقة إضعاف العراق لتزويد السعودية بوافر من الثقة.
هناك عناصر اخرى تزود الأميركيين بمكامن قوة تلجم اي محاولة لانعاش الدور العراقي. والدليل ان السياسة الاميركية لا تزال تمسك بورقة التباينات الداخلية العراقية المذهبية والعرقية، حتى انها دعمت صراعات داخل الشيعة وبين القوى السنية فيما تحافظ على تفرد آل البرزاني بحكم كردستان فتستعمل هذه الصراعات الداخلية لمنع صدور موقف عراقي موحد يطالبها بالانسحاب من البلاد.
إلا ان العنصر الأساسي الذي يحرص الاميركيون على الامساك بأرض الرافدين هو مجاورته لإيران التي يجمعها بغالبية العراقيين قواسم مشتركة في التاريخ والجغرافيا ووحدة الموقف من النفوذ الاميركي.
يبدو بالمحصلة ان الاميركيين يريدون بناء تموضع كبير في العراق أسسوا له وجوداً عسكرياً يمتلك أحدث معدات الرقابة والتطور العسكرية مع وضعية سياسية ضعيفة لداخل عراقي متنوّع لا يتفق على قرار واحد.
وبدلاً من اطلاق مشروع وطني عراقي يتساوى فيه اهل الرافدين في السياسة والاقتصاد والاجتماع ذهب الاميركيون نحو اختراق حراك شعبي عراقي طالب بوقف الفساد وتأمين الخدمات الاقتصادية لمواطنين أصبحوا جياعاً، وبدلاً من تأمين مطالبهم اطلق الجيش العراقي النار على المتظاهرين مردياً نحو مئة وخمسين بالاضافة الى آلاف الجرحى.
وهذا ما عمق من حدة التباينات الداخلية كما اراد الاميركيون تماماً.
فهل يستطيع العراق في هذه الأوضاع مقاومة الاحتلال الاميركي؟
لا بد من العودة الى المشروع الوطني الذي يوحد بين العراقيين قافزاً فوق التباينات المذهبية والدينية والعرقية نحو المواطنية العراقية.
وعندها يصبح بإمكان العراق الطلب من الغزاة الاميركيين الرحيل عن أراضيه وبناء دولة تلبي حاجات الداخل وتنسق مع الإقليم، خصوصاً سورية التي تترقب بدورها هذا الوضع بكثير من الاهتمام، لأنها تعرف أن التنسيق السوري العراقي هو الحركة الاستراتيجية الوحيدة التي تقف في وجه كل الطامعين الأميركيين والإسرائيليين وبعض المتخلفين من العرب الذين يعملون منذ سبعين عاماً في خدمة الأجنبي وهيمنته على المنطقة العربية.