فساد لبنان.. ثقافة عامة
اعتدال صادق شومان
من هذه النقطة أنطلق، من نداء أنطون سعاده في بيان أطلقه الى الشعب اللبناني في العام 1947: «هذه هي حالكم: تنشؤون الخير ليتمتع به الإقطاعي من دونكم أنتم، وأنتم معظم الشعب، وتبنون وتصنعون ليتاجر ببنيانكم وصناعتكم الرأسمالي النهم، وتشيدون العظمة لتجازوا بالحقارة. إنها حال يجب أن يوضع لها حدّ وأن تتغيّر».
…. كم صحّ يقينك سعاده.. وقد وصلت إلينا الأخطار الداهمة والويلات التي أنتجتها تركيبة النظام السياسي الذي حذّرت منه مبكراً، وقد أنذرت، إلا انهم شاؤوا أن لا يتبلّغوا!
… للفساد في بلادنا تاريخ عريق متأصّل «متوارث» عمره من «نشأة» هذا «الوطن» القائم منذ لحظاته الأولى على إرث القبيلة والطوائف والتبعية الخارجية، من زمن استقلاله ولحظة تأسيس أول إدارة رسمية فيه الى هذا اليوم، ونحن على «فسادنا» بكلّ أشكاله المادية والأخلاقية، وإفرازاته من السلالات والعائلات الإقطاعية التي بقيت على إقطاعها قبل الاستقلال كما بعده وقد خرجت مافيات ومسترزقين ومقتنصي الفرص من الفاسدين والمرتشين والمتربّحين العابثين بمقدرات البلد الذين امتهنوا النصب والمكر وعرفوا جيداً من أين تؤكل الكتف، عرابهم الدائم تركيبة النظام «الغلط» والتسويات الداخلية على مبدأ «يلي النا النا.. ويلي الكن الكن».. وللفساد في الدولة اللبنانية، ملفات تتراكم وترتفع منذ إعلانه لبنان كبيراً ، وما زال يتدحرج وينمو كالفطر، منظم ومحمي ومتحكم بفعل تركيبة هذا النظام الغريب العجيب بين كلّ أنظمة العالم، الذي لم تنته صلاحيته بعد، بكلّ طواقمه السابقة كما اللاحقة على حاله منذ وثقته يوماً لجنة إيرفد عام 1960 وكشفته بالأرقام أنّ أربعة في المئة فقط من اللبنانيين يشكلون طبقة أغنى الأغنياء ، وهؤلاء كانوا يملكون مفاتيح ثروات البلد واقتصاده مقابل نسبة 11 في المئة يشكلون طبقة الأغنياء ، وعشرين في المئة يشكلون طبقة ذات مداخيل عالية، وشبه دائمة ، وهي من ذلك الحين ما زالت على تراكم لنصل اليوم في لا مساواة فاقعة بين الأغنياء والفقراء، فـ 7 مليارديرات في لبنان يمتلكون ثروات شخصيّة بقيمة أرقام مليئة بقائمة بالأصفار المضافة على الأرقام المزدوجة، أيّ أكثر بعشرة أضعاف مما يمتلكه نصف السكان الأدنى دخلاً ولا من رقيب ولا محاسب على اعتبار أنّ الفساد في لبنان ثقافة، وسياسة «عمومية»، تمتدّ من السلطة الى الناس «الغلابى» على حدّ القول «الطاعة رأس الفضائل» من حيث إنّ السلطة كرّست ظاهرة الفساد تحت مسمّى المحاصصة الطائفية وعلى أنه حق مكتسب للناس الذين باتوا لا يجدون ضيراً بأن يصلوا الى حقوقهم بمسايرة طبقة النظام ، بالرشوة وامتلاء قاموس الناس بمفردات من نسق البرطيل و البخشيش ، شَوْفَةُ الخاطر والإكرامية والمعلوم والمرقوم، وفوقهن حبة المسك، وسَمْحَةُ النفس، وبَلّة الريق. تعبك محفوظ، شو بيطلع من خاطرك، دفيلي جيبتي، مدّ إيدك عَ عبّك وخلينا نحبّك، يا بخت اللي نفّع واستنفع، إرشِ بتمشي، إنت كريم ونحنا منستاهل، النبي قبل الهدية …
وبهذا المفهوم «الحامل والمحمول» تمدّدت واستشرت وفاضت ثقافة الفساد وباتت عسيرة ومستعصية على العلاج تنبت لها أنياب ومخالب تضرب وتعطب بقوة على أرض هذا اللبنان «الحرّ المستقلّ».