الحراك يحاول تشكيل سلسلة بشرية أمس… ويستعدّ لقطع الطرق اليوم بالسيارات لا تعديل ولا تغيير في الحكومة… وصفي الدين يحذّر من التلكؤ في الورقة الإصلاحية

كتب المحرّر السياسيّ

انتهت مرحلة إقليمية كان عنوانها تنظيم داعش بزعامة أبي بكر البغدادي، الذي قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية قبل ثلاثة أعوام أنه من صناعة الإدارة الأميركية متهماً سلفه باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بصناعته. ووفقاً لقراءة مصادر تابعت تنظيم القاعدة والتغيرات التي رافقت بنيته ودوره، جاء اغتيال أسامة بن لادن مترافقاً مع خطة استيلاد داعش وجبهة النصرة من رحمه، برعاية مباشرة أشرف عليها مدير وكالة المخابرات الأميركية سي آي أي الجنرال ديفيد بتريوس، الذي قام خلال وجوده في العراق برعاية مرحلة سابقة من حياة جبهة النصرة مع الأردني أبي مصعب الزرقاوي الذي قتل في ظروف مشابهة لمقتل البغدادي، بعدما انتهت مهمته، رغم أن اعتقاله كان ممكناً، كما كان الحال مع أسامة بن لادن. ومع الحرب على سورية تشكّل الهجوم الأميركي بجناحين هما النصرة وداعش، جناح يتحدّث بلغة تسلّم السلطة أو المشاركة فيها ووقف الحرب العالميّة التي يخوضها تنظيم القاعدة، وجناح يقيم دولة الخلافة بضمّ أراضٍ سورية وعراقية لسيطرته. والرهان الأميركي الذي قام على التحكم بمصير الجناحين عبر الإمدادات اللوجستية من تركيا، وبالسيطرة على خطة الحرب المعلنة على الإرهاب، اصطدم بعجزه عن التحكم بمسار هذه الحرب وفرض تدحرجها لسنوات من منطقة إلى منطقة، بسبب وجود إرادة حازمة لقوى محور المقاومة بإنهاء تنظيم داعش في سورية والعراق، كما اصطدم بالعجز عن توفير الحماية لتركيا عندما وجدت نفسها أمام خطر تصادم مع روسيا وإيران واضطرت للتراجع أمامهما وصولاً للانضواء في مسار أستانة، وصولاً لترتيبات التعاون مع الانتشار العسكري السوري في شمال شرق سورية حتى الحدود التركية، وهي المناطق التي كانت ملعب داعش في ما مضى. ووفقاً للمصادر المتابعة فإن نهاية داعش ليست أكيدة بمقدار ما هو أكيد لجهة نهاية مرحلة هامة من حياة التنظيم، ومن الرهان الأميركي في سورية، هو ما رمز إليه كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوجّه بالشكر للدولة السورية لسماحها للطائرات الأميركية التي نفّذت مهمة قتل البغدادي بالتحليق في الأجواء السورية.

في هذا المناخ الذي يختصره وصول صراعات المنطقة إلى ترسيم الحدود والأدوار والمسارح والأدوات، تضع مصادر لبنانية أمنيّة النظر لما يشهده لبنان، وتشكّل أوجاع اللبنانيين من الوضع الاقتصادي، وغضبهم من أداء الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين عاماً، مسرحه الرئيسي، ويقدّم الحراك الشعبي الذي عرفته بيروت منذ أكثر من عشرة أيام ساحته الأساسية. ففي لبنان من شارك في الحرب على سورية تحت المظلة الأميركية ويخشى أن ينتهي دوره كما انتهى دور البغدادي ولو بقي على قيد الحياة، وهو يسارع لتقديم أوراق اعتماده لدور آخر عنوانه القدرة على تحويل الحراك الشعبي منصة لاستهداف حزب الله ومحاصرته، أو لنقل لبنان إلى ساحة للفوضى تربك المقاومة وتستنزفها. وقد وضعت المصادر الأمنية كلام الأمين العام لحزب الله التحذيري كرسالة لهؤلاء وليس للحراك ولا لمكوّناته الشعبية، لجهة مضمون رسالة السيد حسن نصرالله لهؤلاء بأن المقاومة كشفت مخطّطهم وهي بجهوزية كاملة لمواجهته، وتحذير الحراك من خطورة الذين سيحاولون العبث بوجهته، ولفت انتباه المخلصين والشرفاء لضرورة التنبه لما يدبّر لحراكهم من ألاعيب، وجاء كلام رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين التحذيري لمكوّنات السلطة من التلكؤ في تطبيق القرارات المتفق عليها في الورقة الإصلاحية، منعاً لمحاولة استثمار المسافة التي اتخذها حزب الله من ساحات الحراك لاعتماد التسويف والمماطلة في مقاربة مطالب الناس.

على صعيد ساحات الحراك، حققت الدعوة التي أطلقتها قيادة الحراك غير المعلنة لتشكيل سلسلة بشرية بين مدينتي صور وطرابلس مروراً بالعاصمة بيروت، ثلث نجاح، حيث ربطت جونية بجل الديب، وفشلت بربط صور وصيدا وصيدا ببيروت وجونية بطرابلس. وكان العدد الذي صرّح به القيمون على الدعوة لنجاحها هو مئة وسبعين ألف متظاهر، بينما بدأ أن ثلث النجاح يعادل توافر ثلث العدد، وهو ما فتح باب العودة للتدقيق بالأعداد التي جرى التداول بها حول حشود الساحات، من دون التقليل من قيمة الحشود التي تمثل عشرات الآلاف من اللبنانيين وليس ضرورياً بلوغها الملايين كي يشكل صوتها وصراخها سبباً للإنصات لرسالتها.

اليوم تشكل الطرقات مسرح التجاذب بين قرار لقيادة الحراك السريّة بإغلاق الطرق بالسيارات وإيقافها في منتصف الطرقات، وقرار القوى الأمنية بتأمين طرقات العاصمة ومداخلها. ليتبين مدى إمكانية عودة الحياة الطبيعية للمدارس والمؤسسات العامة والخاصة، بينما بقي الشأن الحكومي يراوح مكانه مع غياب التوافق على مقاربة واحدة للملف. فحكومة التكنوقراط التي يتحدث عنها البعض تطرح السؤال عن اسم رئيس الحكومة غير السياسي والذي يشكّل بتسميته صدمة إيجابية تدعو الحراك إلى اعتبارها حلاً، وبقاء الرئيس سعد الحريري على رأسها كسياسي يطرح بقاء سياسيي القوى الأخرى على الأقل بمناصب رئيسية وفي الحقائب السياسية، فيما يرى البعض أن حكومة التكنوقراط هي معادلة مواربة للدعوة التي سبق وأطلقها الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة لحكومة تكنوقراط بصفتها الشكل الأمثل لحكومة بدون حزب الله.

ولم تصل المشاورات الرئاسية التي تجري بعيداً عن الاضواء الى حل واضح للأزمة الحكومية حتى الآن، إلا أن الثابت لدى معظم القوى السياسية هو تجنب أي خيارات تؤدي الى الفراغ الدستوري كاستقالة الحكومة، دونما الاتفاق على حل واضح ومضمون تنفيذه. إلا أن المخاوف الأمنية تتصاعد من انجرار الشارع الى فوضى وفتنة يحضر لها خارجياً، مع استمرار عدد من المتظاهرين بقطع الطرقات ونشر العناصر الحزبية بثياب مدنية وإقامة الحواجز والطلب من المواطنين الهويات وفرض الخوات لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها رئيس القوات سمير جعجع ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط. وهذا ما أشار اليه نائب التيار الوطني الحر زياد أسود بقوله: «حواجز وتشليح وخوّات نتيجة واضحة لمن يحضّر ثورات ولمن يركب موجات. والأمر الثاني طارت الحكومة فتطير معها التسويات ونعود إلى المربع الأول بتجربة 1976، أخبرونا إلى أين وماذا تفعلون وكيف ستقودون الشعب وتنقذون الدولة». لكن الإشتراكي نفى في بيان، فرضه خوّات مالية على المواطنين للعبور.

لكن التحذير الأوضح جاء على لسان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من مخطط لنشر الفوضى والفتنة في لبنان عبر استغلال التحركات الشعبية، وقال خلال لقاء مع بعض كوادر المردة ومناصرين: «اننا مع الناس ومع وجعهم وهمومهم، لكن كل ثورة تنبثق من وجع الناس هي ثورة محقة، إنما الخوف من حرف الحراك عن مساره لزرع الفوضى». ولفت الى ان الحراك في أيامه الأولى شكل صرخة حقيقية وكان عفويّاً، ولكن ما ظهر بعد ذلك دفعنا الى الحذر، وهناك خوف من حرف الحراك عن مساره لزرع الفوضى». وشدّد على أننا ثابتون في تحالفاتنا خصوصاً مع المقاومة ونحن جزء أساسي من هذا المحور وسنقف بالمرصاد لكل ما ومن يهدّد وجودنا او مشروعنا وهويتنا ووطننا».

وإذ لم يطرأ أي جديد على الصعيد السياسي والحكومي، قالت أوساط السرايا الحكومية لـ»البناء» إن «مشاورات بعيدة عن الإعلام تجري على الخطوط الرئاسية لإيجاد حل للازمة»، ونفت الأوساط ما أشيع عن استقالة الرئيس سعد الحريري اذا ما أُريقت دماء في الشارع»، مؤكدة أن «ما يقوله الحريري يصدر رسمياً عنه وغير ذلك مجرد إشاعات»، وشدّدت الاوساط على أن «الحريري مستمرّ بالقيام بمسؤولياته الدستورية ولن يستقيل إلا اذا تم الاتفاق على حكومة بديلة لأنه حريص على المصلحة الوطنية والاستقرار وعدم الوقوع في الفراغ ولن يُقدم على قفزة في المجهول». مشيرة الى أنه «حتى الآن لم يتم التوصل الى صيغة حل محددة والمشاورات مستمرة». ولفتت الى ان «الحريري مستمر بعقد الاجتماعات واللجان التنفيذية للورقة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة وسيجري البحث اليوم بقانون العفو العام الوارد ضمن الورقة». واوضحت الاوساط انه «لم تحدد بعد جلسة لمجلس الوزراء»، ولفتت الى ان «الحريري لم يلمس اي نية خارجية لتغيير الحكومة بل كل المسؤولين الدوليين الذين التقاهم شددوا على ثلاثة أمور: دعم لبنان واستمرار الحكومة وتشديد على الحفاظ على السيادة والاستقرار ومنع استعمال العنف مع المتظاهرين ورفض الفوضى»، موضحة أن «الجيش يتعامل بحرفية وحذر مع المتظاهرين ولا يزج نفسه بالصدام معهم تاركاً المجال للمعالجات السياسية والحكومية».

أشارت المعطيات المتوافرة الى أن «المعنيين يربطون البتّ بأمر استقالة الحكومة أو التعديل الوزاري بفتح الطرقات أولاً، وثانياً بعودة الرئيس الحريري على رأس أي حكومة، وثالثاً الاتفاق على الصيغة الوزارية ضمن معايير موحّدة تشمل الجميع، يعني أنه في حال كانت حكومة اختصاصيين فيجب أن تكون كلها كذلك، وإن كانت حكومة سياسية يتم فيها فصل الوزارة عن النيابة فيجب أن تكون كل التشكيلة كذلك».

ومن الخيارات التي تبحث بجدية، بحسب مصادر «البناء» هي تعديل حكومي اي تعيين مكان وزراء القوات المستقيلين 4 وزراء آخرين مقبولين لدى الشعب، واقالة عدد من الوزراء من ضمنهم وزراء حزب الله ولم يبدِ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممانعة بتغيير وزير المال إذا اتفق على مبدأ التغيير يطال وزير الخارجية جبران باسيل، لكن هنا العقدة بحسب المصادر في حين ان مصادر التيار الوطني الحر تتخوّف من ان يكون استبعاد باسيل ضربة للعهد ولرئيس الجمهورية ولباسيل نفسه. وتساءلت ما علاقة استهداف عون وباسيل تحديداً بالقرار الذي اتخذه الرجلان بالذهاب الى سورية لإعادة النازحين والانفتاح الاقتصادي؟

ودعا رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين «السلطة السياسية أن تتحمّل المسؤولية للمسارعة في تنفيذ وعودها في الحكومة وفي المجلس النيابي، ونحن سنتابع ونراقب»، وحذر المسؤولين أنهم «إذا لم يسارعوا إلى تنفيذ هذه الوعود التي التزموها، فسيكون لنا موقف واضح وحاسم».

ويبدو أن المؤسسات العامة والخاصة والمصارف والمدارس والجامعات ستبقى مغلقة اليوم في ظل دعوات الحراك الى قطع الطرقات بدءاً من صباح اليوم في مناطق عدة لا سيما في بيروت، وذلك عبر البقاء على الطرقات حتى ساعات الفجر الأولى كي لا تستغل القوى الأمنية غيابهم وتعمد الى فتح الطرقات. وفي إطار الاستغلال الخارجي للأزمة ولحراك الشارع لخلق بلبلة مالية ونقدية كشف مصرف لبنان في بيان، ان «ثلاثة صيارفة في حوزتهم عملات عربية مختلفة دخلوا الاراضي اللبنانية بعد الاعلان عنها. وقد تم تبديلها بالدولارات الاميركية في أسواق بيروت ليتم شحنها الى تركيا».

على صعيد آخر أفادت «الوكالة الوطنية» أن «طائرات حربية اسرائيلية حلقت أمس، في سماء القطاعين الأوسط والغربي وفوق قرى قضاء بنت جبيل على مستوى متوسط».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى