الحريري استقال… وعودته واردة… أما تشكيل الحكومة فدونه ماراتون لا حكومة تكنوقراط… لا حكومة عنوانها تحجيم العهد… لا حكومة من دون حزب الله

كتب المحرّر السياسيّ

على إيقاع حسابات داخلية وخارجية قرّر رئيس الحكومة سعد الحريري تقديم استقالته واستقالة حكومته بالتالي، أملاً بترميم صورته التي تأذّت كثيراً في الشارع، وسعياً للحصول على تكليف بتشكيل الحكومة الجديدة، بقبول ورضا من المراجع الدولية التي طالبته بعدم تفويض الجيش فتح الطرقات، باعتبار أن الاستقالة تفتح الباب لفرضية مرشح يحوز رضا رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ومعهما حزب الله، وهو ما يسبّب قلق العواصم الغربية، التي لم تخفِ دعمها للحراك ورهانها على توظيفه لمحاصرة حزب الله، وصولاً لإخراجه من الحكومة، فكيف به يرضى بنهاية الأمور بحكومة يسمّيها حكومة حزب الله؟

الضغوط على الحراك لقبول تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة، ترجمتها مواقف بعض المجموعات الناشطة في الحراك والتي تشكل صدى لعلاقاتها الخارجية بالحديث عن استثناء رئيس الحكومة من التكنوقراط والإشادة باستقالته بما يؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة شرط مراعاة كونها من التكنوقراط.

المشهد كما بدا مع استقالة الحريري سياسياً، لا يزال غير واضح، حيث الجميع يعيد حساباته، والتقييم على أكثر من جبهة يدور حول موضوع تسمية رئيس الحكومة الجديدة مع إدراك أن الأمور بين خيارين، حكومة سريعة الولادة يستحيل أن تكون إلا حكومة لون واحد يشكل تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل واللقاء التشاوري وبعض النواب المستقلين غطاءها النيابي، وعندها ستترافق مع بدء فوري بتشكيل محكمة المال العام وإحالة عشرات المشتبه بهم بالهدر والفساد إلى التحقيق وتجميد حساباتهم المالية، وبالتوازي ضمان حرية التنقل على الطرقات مع حماية حق التظاهر في الساحات، وتطبيق سياسة مالية ونقدية متشدّدة تمنع نزيف العملات الصعبة وتقيد تحويلها واعتمادها في تسعير الخدمات والبضائع، وشراء النفط والقمح مباشرة لحساب الدولة، بالإضافة لتسييل مبالغ كافية لقروض الإسكان، ووضع ضراب عالية على البضائع المستوردة التي ينتج لبنان أو يمكن أن ينتج ما يوازيها زراعياً وصناعياً.

الخيار الثاني هو السير بتسمية الرئيس الحريري مجدداً مكلفاً بتشكيل الحكومة الجديدة. وهذا يعني مرور ماراتون طويل قبل ولادة الحكومة الجديدة، ووضع ضوابط للتفاوض مع الحريري حول شروط تشكيل الحكومة الجديدة أبرزها لا لحكومة تكنوقراط في ظل نظام دستوري تشكل فيه الحكومة مركز صناعة القرار السياسي، ولا لحكومة تهدف لإضعاف رئيس الجمهورية، أو توحي بذلك، ولا لحكومة توحي بتركيبتها أنها حكومة من دون حزب الله، بما يحقق ما تعتبره واشنطن نصراً لها.

بانتظار تبلور المواقف حول الملف الحكومي بدا الوضع في الشارع ملتهباً، حيث المواجهات التي شهدتها مناطق الرينغ وساحتي رياض الصلح والشهداء، ومثلث خلدة وطريق الناعمة، بين الممسكين بالساحات والطرقات والغاضبين من إغلاق الطرقات ووفقاً لمصادر أمنية فإنه من المتوقع أن تزداد السخونة اليوم، ما لم تنجح الاتصالات التي تجريها قيادة الجيش والقوى الأمنية مع المرجعيات المؤثرة في قطع الطرق، خصوصاً القوات اللبنانية وبعض الجماعات المدنية التي تؤثر السفارات الغربية بقرارها، بالتوصل لتفاهم على إعلان فتح الطرقات باعتبار استقالة الحكومة كانت المطلب الرئيسي للحراك، وقالت مصادر أمنية إن حجم الغضب الشعبي من إقفال الطرقات ينذر بانفجار قد يخرج عن السيطرة ويتحوّل إلى انتفاضة معاكسة بوجه الحراك تهدّد بمواجهات أشد قسوة من التي شهدتها بيروت أمس، وهو ما يدور حوله البحث على أعلى المستويات لتولي القوى الأمنية والجيش مهمة إنهاء الفوضى على الطرقات، التي تغذّت من وصول معلومات إلى القيّمين عليها بأن لا قرار لدى الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات.

أما وقد استجاب رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري إلى مطالب الحراك، حيث قدم كتاب استقالته الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإن هذه الاستقالة باتت نافذة، وأصبح لبنان أمام حكومة تصريف أعمال.

ودعا الحريري جميع اللبنانيين أن يقدّموا مصلحة لبنان وسلامته وحماية السلم الأهلي ومنع التدهور الاقتصادي على أي أمر آخر، ولجميع الشركاء في الحياة السياسية قال: مسؤوليتنا اليوم هي كيف نحمي لبنان ونمنع وصول أي حريق إليه. مسؤوليتنا هي كيف ننهض بالاقتصاد، هناك فرصة جدية يجب ألا تضيع. وأضاف: المناصب تذهب وتأتي، المهم كرامة وسلامة البلد. وأنا أيضاً أقول: ما في حدا أكبر من بلدو ، حمى الله لبنان، حمى الله لبنان.

وبحسب معلومات البناء سيبدأ الرئيس عون هذا الأسبوع استشارات ملزمة مع الكتل النيابية لتسمية الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة التي لم تتحدّد معالمها بعد، مع اشارة المعلومات حتى الساعة الى إعادة تكليف الرئيس الحريري من جديد. وفي هذا السياق، لفتت مصادر مطلعة الى أن أي تأليف سوف يأخذ بعين الاعتبار مطالب الحراك بالدرجة الأولى لجهة ان الأسماء التي ستوزّر يجب أن تكون من أصحاب الكفاءة والاختصاص، معتبرة أن الكثير من الاسماء محل استفزاز الشارع يجب أن تكون خارج الحكومة المقبلة، اذا كانت القوى السياسية تريد استعجال الحل. ورأت المصادر ان اتصالات الساعات المقبلة بين القوى الأساسية سوف تركز على شكل الحكومة لجهة إما ستكون تكنوقراط ام سياسية مطعمة بأناس يمثلون الحراك، خاصة أن المعلومات المنقولة عن مجموعات الحراك تشير الى ان تشكيل وفد للقاء رئيس الجمهورية بات اليوم منطقياً بعد استقالة الحكومة.

وفي هذا السياق، اشارت مصادر مطلعة لـ البناء ان استقالة الرئيس الحريري جاءت بعد ان وصل الى طريق مسدود مع رئيس الجمهورية حيال رفض الأخير أن يكون الوزير جبران باسيل من ضمن الاسماء التي كان يفترض ان تقدم استقالتها من اجل إجراء التعديل الوزاري. ولفتت المصادر الى ان رئيس الحكومة على عكس ما كان يُشاع رفض الدعوة لمجلس الوزراء لكي لا يستفزّ الشارع، معتبرة ان هناك محاولات جرت لثنية عن الاستقالة التي تقرّرت مساء اول امس من قبل الرئيس نبيه بري، لكن الرئيس الحريري بقي مصراً على قراره وشرح للرئيس بري وجهة نظره.

في موازاة ذلك، أكدت مصادر تكتل لبنان القوي لـ البناء ان لا صحة على الإطلاق لما يجري التداول به في اوساط تيار المستقبل والرئيس الحريري حيال التعديل الوزاري، فأحد لم يطرح مع رئيس الجمهورية هذا الأمر، مشيرة الى ان توزير باسيل يبقى رهن التيار الوطني الحر وحده دون سواه، لافتة الى ان استقالة الحريري لم تكن منسقة على الاطلاق مع رئيس الجمهورية. وهذا ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام ولا معلومات لدينا حتى الساعة عن الاسباب الحقيقية التي دفعته الى الاستقالة خاصة انه لم يكن في هذا الجو في الساعات الماضية. ومع ذلك ترى المصادر ان الامور سوف يُعاد انتظامها من جديد، وسوف يدعو الرئيس عون الى استشارات لتكليف شخصية سنية لتأليف الحكومة من اجل الخروج من الأزمة الراهنة ومنع الانهيار الاقتصادي والمالي.

واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن ما يجري يتطلب تهدئة فورية وحواراً بين المكونات اللبنانية وما يحصل ليس موضوعاً طائفياً وهو غير مذهبي بالمطلق .

وعلّق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على استقالة الحريري، قائلاً منذ اللحظة الأولى دعوت إلى الحوار وعندما رفضت الاستقالة ساد موقف من التململ والانزعاج في صفوف الحزب الاشتراكي وتحمّلت الكثير، لكن في هذه اللحظة المصيرية وبعد إعلان الشيخ سعد استقالة الحكومة بعد أن حاول جاهداً الوصول الى تسوية وحاولنا معه فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء .

وفيما أملت وزارة الخارجية الإيرانية أن يجتاز لبنان، حكومة وشعباً، هذه المرحلة الخطيرة والحساسة بنجاح ، أكد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط تفهمه لطلب الحريري الاستقالة ، وأمل أن تضع القيادات السياسية اللبنانية المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات أخرى ، داعياً إياها إلى الشروع في اتخاذ إجراءات تتيح الخروج من الوضع المتأزم الحالي في البلاد، ومنع انزلاقها نحو مصير مجهول .

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش ، جميع القوى السياسية في لبنان إلى الهدوء، مطالباً قوات الأمن بـ حماية المتظاهرين السلميين والمحافظة على أمن البلاد ، وأمل أن تتوافق جميع القوى السياسية، وتجتمع معاً بحيث تتم المحافظة على السلام والأمن في هذا البلد .

ورأى وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان ان استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري تعقّد الأزمة في لبنان ويجب ضمان استقرار المؤسسات ووحدة الوطن والاستماع لصوت المواطنين .

ومع استقالة الحكومة، دعا ناشطون في الحراك الشعبي إلى فتح كلّي للطرقات مع الإبقاء على الاعتصامات في الساحات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح بيروت وساحة ايليا صيدا وساحة النور طرابلس ، لحين تشكيل الحكومة الجديدة.

أكد حراك الزوق أنه تمّ الاتفاق على فتح الطرقات في الصفرا و البوار والإبقاء على إقفال الطريق في الزوق.

وأعلن أن هناك توجّهاً لإعلان الخطوات اللاحقة غداً في وقفة حاشدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى