قرارات الكونغرس ضدّ تركيا تزيد من حدّة التوتر الأميركي التركي وتنعكس على عضويتها في الناتو
إعداد: سماهر الخطيب
زادت حدة التوتر بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، على وقع القرارات الأخيرة التي اتخذها الكونغرس الأميركي، خصوصاً بعد إعلان أنقرة احتجاجها الرسمي.
وكان مجلس النواب الأميركي قد أقرّ عقوبات اقتصادية على أنقرة بسبب عمليتها العسكرية «نبع السلام» في سورية، إلا أنّ اعتراف النواب رسمياً بما يسمّى «الإبادة الجماعية للأرمن»، جاء كالصاعقة في رأس أنقرة، وهو ما دفعها إلى استدعاء السفير الأميركي بأنقرة.
وأدان بيان صادر عن الخارجية التركية مشروع القانون الأميركي الذي يستهدف مسؤولين أتراكاً رفيعي المستوى والقوات المسلحة التركية: «ندين بشدة قبول مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يستهدف بالعقوبات دولتنا بذريعة عملية نبع السلام».
ووصف وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو قرار مجلس النواب الأميركي بشأن قضية الأرمن بأنه «قرار مخز» من قبل أشخاص يستغلون التاريخ في السياسة.
وأيّد مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة قراراً يعترف بأن: «عمليات القتل الجماعي التي تعرض لها الأرمن قبل 100 عام إبادة جماعية» في تصويت رمزي وإن كان تاريخياً من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم التوتر مع تركيا.
ووافق المجلس الذي يهيمن عليه الديمقراطيون بأغلبية 405 أصوات مقابل 11 صوتاً على القرار الذي يؤكد أن سياسة الولايات المتحدة التي تعتبر مقتل 1.5 مليون أرمني على يد الإمبراطورية العثمانية خلال الفترة من 1915 إلى 1923 إبادة جماعية.
كما وافق مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة على قانون يقضي بفرض عقوبات على تركيا والمسؤولين الأتراك بسبب عملية نبع السلام في شمال شرق سورية.
ومع زيادة التوتر بين أميركا وتركيا، وزيادة حجم الملفات المختلف عليها بينهما. أصبح التساؤل ملحّاً حول مستقبل حلف الناتو، والذي تمثل فيه أنقرة وواشنطن القوتين الأكبر..
أسباب التوتر
وتعود أسباب التوتر إلى خلافات حادة بين تركيا وأميركا، في العديد من القضايا السياسية الداخلية والخارجية، فالعلاقات بين أنقرة وواشنطن توترت بعد أن اتهمت بعض الأطراف في تركيا أوروبا وأميركا بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الأخيرة، بالإضافة إلى شراء أنقرة صواريخ إس 400 من روسيا، والحديث عن شراء طائرات أيضاً.
وبالتالي وسعت هذه القضايا مجتمعة، الهوة بين الإدارة الأميركية عامة، وخاصة الكونغرس، وبعض المؤسسات الأميركية الأخرى، في حين يعتمد الأتراك على الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إذ أنّ هناك اعتقاداً لدى تركيا أن «الرئيس الأميركي قد يستخدم الفيتو ضدّ القرارات الأخيرة التي تبناها الكونغرس، أي فيما يخص «العقوبات الاقتصادية، والاعتراف بمذبحة الأرمن».
تأثير الصدام التركي الأميركي على الناتو
من جهة أخرى، من المبكر القول، إن تأثير الصدام التركي الأميركي قد يؤثر على حلف الناتو، بالرغم من وجود مخاوف أميركية كبيرة من التقارب الروسي التركي من ناحية، والتوجهات التي تتبناها بعض الأوساط التركية نحو أوراسيا، لكن لا يزال ، لكن التوتر قائم وسيؤثر على العلاقات بين الدولتين خصوصاً الاقتصادية.
بالإضافة إلى أنّ التوترات بين أنقرة والناتو، زادت في الشهور الأخيرة باستمرار، لاسيما الخلاف حول نظام الصواريخ الروسي أس 400، وهذا لم يرق للغرب لوجود تحفظات أمنية، إذ يخشى الغربيون أن تسمح تقنية نظام الصواريخ الروسية بالوصول إلى معلومات سرية من الناتو.
ومن جهة أخرى، فإن موقف الكونغرس تجاه تركيا يترجم رغبته بـ»الانتقام» من العملية العسكرية التركية في سورية نبع السلام ، خاصة وأن اللوبي الأرميني في أميركا قوي جداً بشكل أكبر من اللوبي التركي.
وبالتالي فإن ما صدر عن الكونغرس الأميركي من قرارات ضدّ أنقرة، يصب في خانة «رد الفعل»، فأزمة عدم الثقة بين أميركا وتركيا لا تزال قائمة، والعلاقة بين البلدين في اسوأ حالتها، لكن الإدارة الأميركية تعرف أن وجود أنقرة في الحلف مهم جداً بسبب موقعها الاستراتيجي في المنطقة، وها ما يفسر استمرار العلاقات والتشاورات بين الطرفين.
وتأتي العملية التركية في الشمال السوري، تضارباً في المصالح مع غالبية بلدان الناتو: فالتدخل العسكري لم يعزز فقط من تنظيم «داعش» وسهل هرب مقاتلين تابعين له، كما تقول الدول الأوروبية، بل عملت أيضاً هذه العملية العسكرية على تقوية المنافس الأكبر للناتو وهو روسيا.
كما أنّ الدول الأوروبية غير راضية عن أداء تركيا بخصوص الأكراد. وقد تترجم عدم رضاها ببعض العقوبات داخل الناتو، وخاصة وأنّ بعض الدول الأوروبية ترفض بيع السلاح، وبالتالي مثل هذه العقوبات موجودة، ويمكنها أن تكون مؤثرة، في المدى المتوسط والبعيد.
إقصاء تركيا عن الناتو
إلا أن إقصاء تركيا عن الناتو قد يكون أمراً غير واقعي، بالرغم من أنّ العديد من السياسيين يدعمون هذه الفكرة.
ووفق استطلاع حديث للرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية فأن «غالبية الألمان تؤيد إقصاء تركيا من حلف الناتو»، وأظهر الاستطلاع أنّ 58 في المائة يدعم استبعاد تركيا من الحلف بسبب التدخل العسكري التركي في شمال سورية، و 18 في المائة فقط عارضوا ذلك، وحتى أطراف واسعة من المجتمع الألماني تؤيد هذه المبادرة.. وعلت الدعوات المنادية لإقصاء تركيا من الحلف، في الداخل الألماني فإلى جانب سياسيين من حزب اليسار، كما شكك رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، رولف موتسنيش في عضوية تركيا في الناتو.
كما أنّ هناك بعض الأوساط داخل الكونغرس الأميركي، ترى أن أنقرة لعبت دوراً كبيراً في الماضي، ويمكنها لعب أدوار أخرى في المستقبل وبالتالي تبقى تركيا قوة مهمة في قوات الناتو، بالرغم من أصوات أخرى تطالب بإخراج تركيا من الحلف.
ناهيك عن أنه من الصعب أن يتخذ أحد قرار بإخراج دولة عضو من الناتو، ما لم يكن هناك تعديل للميثاق الخاص بحلف شمال الأطلسي، لكن في النهاية الأزمة قائمة، وسنشهد تصعيداً كبيراً وتوتراً في المستقبل. فاتفاقية «الناتو» لا تشمل إقصاء بلاد من الحلف الأطلسي. لكن البلد العضو يمكن له بموجب الفصل 13 من الاتفاقية تقديم طلب للانسحاب.
وحتى لو كان شركاء الحلف قادرين من الناحية القانونية على القيام بذلك، فإنهم لن يفعلوا ذلك. فوزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل وصف إقصاء تركيا بأنه «أمر غريب»، إذ سيؤدي إلى نشأة «خطر أمني كبير جديد في الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي».
وحتى خلال لقاءات الناتو الأخيرة لم تكن المؤشرات توحي بـ»العزلة»، بل تمّ تأكيد الأهمية الاستراتيجية لتركيا عدة مرات، ولا يمكن لحلف الناتو أن يتخلى عن تركيا ووضعها الجغرافي بين الشرق والغرب. وبدون تركيا ستتقلص قدرة تحرك الناتو من الناحية الجيوسياسية مثلاً بالنظر إلى مكافحة الإرهاب أو تجاوز موجات اللاجئين. كما أن أنقرة تملك ثاني أكبر جيش في الناتو، وعملية إقصاء تركيا ستقوض بقوة الإمكانيات العسكرية لحلف الناتو.
أيضاً فإن انسحاب أنقرة من حلف الناتو هو أمر مستبعد، فهناك اعتماد دفاعي متبادل بين الطرفين، كما أن تركيا معزولة للغاية بسبب سياستها الخارجي، وفي ظل العملية العسكرية التركية الأخيرة فلا يوجد أفضل من تحالف عسكري قوي، خاصة لبلد منعزل مثل تركيا، فهو عامل أمان لن تستغني عنه أنقرة.