لبنان يشيع شهداء المنار والسلسلة وهِلْ يبشر بكتلة رئاسية تكسر الثنائية النيابية
كتب المحرر السياسي
ما هو اليوم الأسود الذي يخشاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد نتائج التصويت على تأجيل البت بسلسلة الرتب والرواتب؟
وما هو اليوم الأسود الذي يخشاه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بعد تبلغه الموقف الروسي باستخدام الفيتو إذا عرض تحويل ملف سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية؟
في سورية لم يهتم أحد لما يجري في مجلس الأمن إلا من زاوية التذكر الدائم، أنه في كل مرة تفشل الهجمات العسكرية في تحقيق أهدافها، وفي كل مرة يبدو الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من تحقيق إنجاز كبير، تتحرك الآلة الإعلامية والديبلوماسية الغربية لمحاولة التشويش، وخلق مسرح بديل يخطف الأضواء عن الانتصارات للتقليل من زخمها وتداعياتها.
الجيش السوري الذي يتقدم في ريف اللاذقية والقلمون، يدق أبواب أحياء حمص القديمة بقوة تجعل من ساعاتها المقبلة أكثر من حاسمة، بعدما أعلنت قناة العربية قرب سيطرة الجيش على هذه الأحياء.
التقدم الهادئ والثابت للجيش السوري يجعل الطريق بين دمشق والساحل طريقاً آمنة، ويقرب ساعة تأمين الطريق بين درعا وحلب وفتحها للمواطنين.
هذا هو اليوم الأسود الذي يخشاه الرئيس الفرنسي، يوم يصبح الاستحقاق الرئاسي السوري آمناً في أغلب المدن والمناطق السورية، التي تضم أكثر من ثلاثة أرباع السوريين، وتصبح نتائج الانتخابات سواء شاركت المعارضة أم لم تشارك، محسومة للرئيس بشار الأسد وفقاً لتقديرات الاستخبارات الغربية.
أما اليوم الأسود الذي يخشاه الرئيس نبيه بري فهو ليس فقط اليوم الذي ضاعت فيه سلسلة الرتب والرواتب في أدراج اللجان، بتفاهم نيابي ولد ليل أمس من دون تنسيق وتشاور مع رئاسة المجلس، التي دعاها للارتياب شراكة كل من التيار الوطني الحر ورئيسه العماد ميشال عون من جهة وكتلة جبهة النضال ورئيسها النائب وليد جنبلاط من جهة أخرى، من دون تنسيق معه بتشكيل ائتلاف نيابي يغتال السلسلة من باب التأجيل، سواء بداعي الدراسة أو ربطها بالعهد الجديد، وفي كل ذلك يبدو الاستحقاق الرئاسي حاضراً بشراكة منهما مع تيار المستقبل.
التصويت بغالبية خمسة وستين صوتاً من دون شراكة حركة أمل وحزب الله والحلفاء من تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والبعث والطاشناق، كان أمراً يتعدى مجرد بحث بالسلسلة، فهو سابقة للتيار الوطني الحر أربكت نوابه وحلفاءه، ورسمت حول رمزية غالبية من دون الرئيس نبيه بري معاني كثيرة، وحول أكثرية تجمع من يمثلون ثلثي البرلمان، وهو النصاب الرئاسي المطلوب، من دون شراكة حزب الله معاني أكبر.
هذه الرمزيات دفعت السفير الأميركي ديفيد هِل لعدم إخفاء فرحته، بما وصفه التمرين الرئاسي في التصويت النيابي، بما يؤكد إمكانية كسر الثنائية النيابية المقفلة بين فريقين لا يملك أي منهما تأمين النصاب الرئاسي اللازم.
وقال هِل في مجالسه إن هذا التمرين قد لا يكون هو نفسه في الاستحقاق الرئاسي، لكنه تأكيد على وجود الفرصة، متمنياً لو كان النائب جنبلاط نجح بإقناع حزب الله ليكون جزءاً من هذا التصويت، الذي يمكن أن يجعل التفاهم على رئيس مقبل ممكناً.
مصادر التيار الوطني الحر استغربت تحميل الأمر أكثر مما يحتمل، معتبرة أن أرقام السلسلة غير واضحة وأن التأجيل ليس إلغاء ولا تراجعاً بل تدقيق في أرقام افتراضية، وأن التفسير السياسي لما جرى والتحليل الرئاسي يتجاهل كون كتلة القوات لا يمكن أن تعطي أصواتها لتسهيل وصول العماد عون لرئاسة الجمهورية وليس بهذه البساطة يحسب موقف كتلة النائب جنبلاط، فلماذا الإصرار على التفسيرات التي تتعدى حدود المعقول؟
خلط الأوراق النيابي الرئاسي بحد ذاته افتتح مرحلة من الحذر في العلاقات بين الكتل النيابية، كلما اقترب الاستحقاق الرئاسي، وبدا أن الكل يتحرر من الكل، وأن مشهداً يخيم عليه الذهول والضبابية يخيم على شكل التحالفات النيابية الجديدة.
الذهول خيم على لبنان مع تشييع شهداء قناة المنار بالتزامن مع التشييع النيابي لسلسلة الرتب والرواتب.
تشييع شهداء الكلمة الحرّة
في هذا الوقت، وعلى رغم الانشغالات الداخلية بسلّة كبيرة من الملفات الساخنة، عمّ الحزن والأسى أمس كل لبنان بعد الجريمة التي ارتكبتها العصابات المسلّحة في معلولا أول من أمس خلال اغتيالها ثلاثة زملاء في قناة «المنار» وهم حمزة الحاج حسن ومحمد منتش وسليم علّوه، وذنبهم الوحيد أنهم كانوا ينقلون حقيقة الإرهاب والقتل الذي مارسته هذه العصابات.
وبينما تقبّلت قناة «المنار» التعازي أمس باستشهاد الزملاء الثلاثة، شيّعت بلدة شعث البقاعية بعد ظهر أمس وفي موكب مهيب الزميل الشهيد حمزة الحاج حسن، كما شيّعت بلدة كفرصير في النبطية الشهيد محمد منتش، على أن تشيّع مدينة الهرمل اليوم الشهيد سليم علوه.
أكثرية نيابية تتحالف مع حيتان المال
أما عن سلسلة الرتب والرواتب، فالبارز كان أمس عجز مجلس النواب عن البتّ بها بعد تكتّل أكثرية نيابية ضد إقرارها، سعياً لإفراغها من مضمونها، وكان رأس الحربة إلى جانب حيتان المال والشركات الكبرى رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ومعه نواب «القوات» «اللبنانية» وآخرون، بينما لوحظ أن نواب تكتّل التغيير والإصلاح صوّتوا لصالح تأجيل إقرار السلسلة.
وإذا كانت حجّة السنيورة وبعض كتل «14 آذار» هي إعادة البحث في ملف السلسلة من خلال كتلة نيابية مع الاستعانة بالاختصاصيين، فإن الهدف الحقيقي من وراء هذا التأجيل يُراد منه أحد أمرين، إما تطيير السلسلة على المدى المنظور في الحد الأدنى لانشغال مجلس النواب بالانتخابات الرئاسية، أو نسف الحقوق ومحاولة تحميل ذوي الدخل المحدود أعباء ما تيسّر من بعض الحقوق، في مقابل الوقوف إلى جانب حيتان المال وأصحاب الشركات والرساميل الكبرى، عبر رفض المسّ بالأرباح الخيالية التي يُجنيها هؤلاء.
وفيما أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه ضد تشكيل اللجنة النيابية لبحث السلسلة، أعلنت كتلتا التحرير والتنمية، وعلى رأسها بري والوفاء للمقاومة رفضهما المشاركة في اللجنة النيابية.
لكن ما يمكن التوقّف عنده، ما حصل في مجلس النواب أمس، هو سطوة أصحاب الثروات والمصارف والشركات الكبرى على قرار أكثرية واضحة في مجلس النواب، وهو ما يعني دفع البلاد نحو أزمة قد تتعدّى مداها الاجتماعي إلى أزمة سياسية ـ وطنية نتيجة إصرار هذه الأكثرية على السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أفقرت اللبنانيين، وحمّلتهم ديناً عاماً يتجاوز الـ 65 مليار دولار، وكل ذلك خدمة للاحتكارات والريوع المصرفية والعقارية.
وقد ردّت هيئة التنسيق النقابية سريعاً على سعي الأكثرية النيابية إلى تطيير السلسلة بالإعلان عن الإضراب العام والشامل اليوم في القطاع التربوي الرسمي والخاص وفي الإدارات العامة. مؤكدة أنها ستذهب نحو كل أشكال التصعيد بما في ذلك الإضراب المفتوح ومقاطعة الامتحانات الرسمية.
تحالف عجيب غريب!
من ذلك كله، ماذا حصل في مجلس النواب وما هي استنتاجات المطّلعين على خفايا ما حصل؟
إذاً، طارت سلسلة الرتب والرواتب مع ريح الاستحقاق الرئاسي، بعد أن انكشف الاتفاق بين «المستقبل» وتكتل التغيير والكتائب و«القوات» وجنبلاط على دفنها في لجنة نيابية ـ بدعة ومستحدثة، أولاً دفاعاً عن حيتان المال، وثانياً لأسباب تتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، لا بل إن هذا الاستحقاق كان حاضراً بقوة في بعض المداخلات النيابية، بحيث شكّل هاجس البعض بعيداً عن مطالب العمال والموظفين والمعلمين والعسكريين، هكذا سقطت سلسلة الرتب والرواتب بتحالف غريب عجيب مستحدث، متجاوزاً الانقسام السياسي التقليدي، فهل يبقى هذا التحالف وإلى متى يدوم؟
منذ صباح أمس، انكشفت خيوط اتفاق جرى في وقت متأخر من ليل أول من أمس بين الثلاثي «المستقبل» ـ تكتل التغيير والإصلاح وجنبلاط، ما لبث أن انضم إليه الكتائب و«القوات» للاستحقاق لا أكثر.
وبقي الرئيس بري وكتلتـه وحزب الله وكتلته والقومــي والمردة والبعث في صف معارضـة الصفقة التي قضت على السلسلـة، فصوّتوا ضد اللجنة التي كان شكلهـا التحالف الجديد باقتراح وترتيب من الرئيس السنيورة وتنقيح من نائب «القوات» جورج عدوان مساءً تحت عنوان «إعادة السلسلة خلال أسبوعين» وتضم اللجنة نواباً من هذه القوى وستضم أيضاً خبراء على حد ما جاء في الاقتراح.
والبارز العبارة التي قالها الرئيس بري خلال رفع الجلسة «إن شاء الله ما يكون هاليوم يوم ظالم في سجل المجلس النيابي» بعد أن صوّت ضد تأجيل إقرار السلسلة إلى جانب 26 نائباً مقابل 65 صوّتوا مع التأجيل.
وقد قالها الرئيس بري بصراحة خلال الجلسة صباحاً ومساءً أنه مع إقرار السلسلة ومناقشتها مادة مادة، وهو الموقف الذي ردّده نواب حزب الله والقومي والبعث والمردة.
ومما يُذكر، أن اللجنة تضم النواب ياسين جابر وعلي فياض لن يشاركا وغازي يوسف وجمال الجرّاح عن «المستقبل» وآلان عون وإبراهيم كنعان عن تكتّل التغيير والإصلاح وهنري حلو عن جنبلاط وسامر سعاده عن الكتائب، كما لوحظ أن النائب ابراهيم كنعان بوصفه رئيس لجنة المال والموازنة لم يحضر الجلسة المسائية، كذلك خرج خلال التصويت النائب عباس هاشم، ولم يصوّت النائب نبيل نقولا على تشكيل اللجنة.
بدء العد العكسي لجلسة الانتخاب
في إطار الاستحقاق الرئاسي، ومع تأجيل البتّ بسلسلة الرتب والرواتب، بدأ العد العكسي لمسار الجلسة الانتخابية المتوقع أن يدعو إليها الرئيس بري قبل نهاية الشهر الجاري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
إلا أن مصادر نيابية مطلعة ترى أن هذه الجلسة ستكون مجرّد «بروفه» لجلسات لاحقة، لأن هناك استحالة بحصول أي من المرشحين على أكثرية ثلثي أصوات مجلس النواب قبل الوصول إلى توافق بين الكتل النيابية على شخص الرئيس العتيد. وترجّح المصادر ألاّ يدعو الرئيس بري لجلسات متتالية بعد الجلسة الأولى، بل قد يتريّث قبل الدعوة إلى جلسة ثانية انتظاراً لما يمكن أن تصل إليه الاتصالات والمشاورات بين الكتل النيابية، وتالياً فرئيس المجلس ليس بوارد تكرار ما حصل في الاستحقاق السابق.
هل سنصل إلى الفراغ؟
وفي السياق ذاته، نقلت مصادر متابعة عن مرجع سياسي استبعاده انتخاب رئيس جديد في الموعد الدستوري ـ أي قبل 25 أيار المقبل ـ لأن المعطيات الداخلية والإقليمية لم تشِ بإمكان التوصل إلى رئيس توافقي خلال ما تبقّى من المهلة الدستورية، كما أن هناك صعوبة ـ بل استحالة بانتخاب رئيس يحظى بدعم فريق واحد، من فريقي 14 و8 آذار ولاحظت أن الحديث عن إمكان دعم تيار «المستقبل» لرئيس تكتّل التغيير والإصلاح ما زال ضبابياً، ولم يبلغ «المستقبل» أي موقف أو تلميح في هذا الاتجاه، رغم استمرار الحوار بين الطرفين. أضافت أن حسم الملف الرئاسي لن يتضح قبل حصول تطور إيجابي جدّي في العلاقة بين إيران والسعودية، وهذا الأمر يحتاج لبعض الوقت لكي تتبلور اتجاهاته.