«نجمة الصبح»… فيلمٍ من الحياة المتجدّدة

منال محمد يوسف

لأنها السينما ذاكرة المجتمعات وصفحتها التصويرية الناصعة البياض، لأنها حكاية تصويرية تؤرّخ لشيءٍ ما، وتحفظ ودّ الذاكرة من الاندثار تحفظ ماء جمالها بلغةٍ سينمائية تروي ولو جزءاً بسيطاً ما حصل، وتُشكل تقويماً آخر يُمكن اللجوء إليه ويُمكن أن نقتبس من هذه الحركة السينمائية أو تلك حالة ما تعكس مأساة أو صرخة في زمن الحروب.

في زمن نحتاج فيه إلى فيلمٍ من الحياة المتجدّدة، تلك الحياة التي لا تعرف الاستكانة، رغم كلّ ما عصف في بلدنا الحبيب، ومن هنا نرى الألق السينمائيّ ورغم الحروب، نرى التميّز الذي جُسّد في الفيلم السّوريّ «نجمة الصبح». هذا الفيلم الذي يختصر الكثير من المآسي ومن صرخات الوجع، يختصر زمناً آخر من وجع الخطف، خطف حياتهنَّ إن صح التعبير، فهو يُمثل صورة المخطوفات السوريات، صورة الحياة التي حاول البعض القنص عليها وتشويهها، فمن يرى ذاك الألم الموجود في الفيلم، يشتهي ذاك الصبح ونجمته، يتشوّق إليه «نجمة الصبح».

هو الفيلم السوري الجريح، هو الوقت المستكين لوجع الأزمة والذي يبحث عن نجمة ما، والذي نال الجائزة الذهبية في مهرجان قرطاج ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وهو يتحدّث عن وجع المخطوفات خلال الأزمة، عن وجعهنَّ، وحياتهنَّ التي قُتلت هكذا وبلا مبرّر «قتلت مثلها كمثل حياة السوريين»، قُتلت وقتلن بعد سنين من التعذيب المستمر، بعد جلدهنَّ ظلماً وبهتاناً. ربّما قد نجح الفيلم في تصوير صرخاتهنَّ من وراء القضبان، صرخاتهنَّ شوقاً إلى الحياة، وهذا هو الأهم. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل تستطيع السينما أن توصل رسالتنا بالشكل الصحيح أو أن تُساهم في إيصال صرختنا كسوريين، وما تمثله من شيءٍ حقيقي لا يمكن إلاّ الوقوف عنده والبحث عن ذواتنا الناطقة رغم وجع وويلات الأزمة. وهنا أقصد الذوات المبدعة بطريقة ما التي تعرف كيف تمتهن سياسة الكيّ بوجع النار، تعرف كيف تنتظر الصبح ونجمته بعد ليل الأزمة، ذاك الليل الذي حاول أن يقتل فينا الكثير والكثير. لكن ما تزال الرُّوح السّورية قادرة على العطاء، وما تزال تلك المرأة الصادقة التي تحاول أن تصوّر حقيقة وتمنحها بعداً آخر تمنحها نفساً عميقاً يمكنّنا من البحث المتواصل عن بطولة ما في رواية الوجع الحقيقي. كل هذا وذاك نشاهده في «نجمة الصبح»، ذاك الصبح الذي غاب عنّا طويلاً وكاد أن يهرب بقزحيّة ألوانه التي نعشق بقزحية أفلامه التي تبدو وكأنّها صور من كابوس الأزمة.

نجح المخرج جود سعيد في تصوير «نجمة الصبح»، وجعل نورها السينمائي الموجوع يلتمع في أيام قرطاج السينمائية بدورته الثلاثين وضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في تونس. وهذا بالطبع يجعل من السينما السورية وكأنها تلك النجمة «نجمة الصبح» التي ننتظرها دائماً، وننتظر أن تلتمع هذه النجمة بمعناها الأسمى ليس فقط على صعيد السينما وإنما على كافة الأصعدة. ولا بد من أن نذكر بأن هذا الفيلم من بطولة أهم الفنانين، منهم الممثل محمد الأحمد الذي صرّح وقال: أهدي نجاح عرض الفيلم في يومه الأول لروح الراحل عقبة عز الدين مدير الإضاءة والتصوير للفيلم الذي توفي في نهاية التصوير. وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وإخراج جود سعيد وتعاون إخراجي من أحمد إبراهيم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى