تحرير الأسيرين… فرحة وليس إنجازاً
طارق سامي خوري
انشغل الرأي العام الأردني خلال الشهرين الماضيين باعتقال سلطات الاحتلال الصهيوني للمواطنين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي وحبسهما إدارياً من دون توجيه تهمة إلى أيّ منهما، وقد تحوّل استقبالهما بعد إطلاق سراحهما منذ أيام إلى عرس وطني وشعبي.
ورغم محاولة وزارة الخارجية الأردنية تصوير ما جرى على أنه «إنجاز» حقّقته الوزارة في هذا الملف، إلا أنّ ذلك لا يُعدُّ إنجازاً خصوصاً أنّ وزارة الخارجية كانت مُغيّبة تماماً وقد مرّ شهران تقريباً على حادثة الاعتقال حتى تحركت في اتجاه إطلاق سراح اللبدي ومرعي، ذلك أنّ التحرُّكات الشعبية المُندّدة بما جرى والمطالبة بتحرير الأسيرين، إضافة إلى صمود اللبدي التي أعلنت إضراباً عن الطعام مدة 42 يوماً ومرعي رغم أنه يعاني من مرض السرطان في سجنيهما هي التي دفعت الوزارة إلى التحرُّك ما أسفر أخيراً عن إطلاقهما.
للأسف، ورغم مرور ربع قرن على توقيع اتفاقية الاستسلام «وادي عربة»، كانت علاقة الأردن مع الكيان الصهيوني تتّسم على الدوام بأنها علاقة ضعيفٍ بقوي، ولن أخوض بعيداً في الأحداث التي تدلّ على ذلك وهي كثيرة، سأكتفي فقط باسترجاع حادثة مقتل مواطنين أردنيين عام 2017 على يد أحد حراس سفارة العدو في الأردن بدم بارد، وكيف غادر قاتلهما إلى فلسطين المحتلة في اليوم نفسه حيث استقبله رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو استقبال «الأبطال» بطريقة مُستفزّة لمشاعر الأردنيين ومُهينة للمملكة.
أعادت قضية اللبدي ومرعي طرح قضية الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية، وهم 21 أسيراً إضافة إلى 30 مفقوداً، ورغم وجود أوراق ضغط كثيرة في يد الأردن أبرزها اتفاقية «وادي عربة» و»اتفاقية الغاز» و»ناقل البحرين» ووجود سفارة للكيان الصهيوني على الأراضي الأردنية إلا أنّ ذلك لم يُصرف فعلياً في ملف إنساني ووطني حسّاس كملف الأسرى الذين قضى بعضهم حتى الآن أكثر من عشرين سنة في زنازين الاحتلال، وكلّ ما فعلته الحكومات الأردنية المتعاقبة في هذا الملف هو تضييع فرص كثيرة للضغط على الكيان الصهيوني للإفراج عن الأسرى وإغلاق الملف، وتفعيل معاهدتي جنيف الثالثة والرابعة اللتين تُلزمان الدول «المُتحاربة» بإطلاق سراح الأسرى بعد انتهاء الأعمال العسكرية، وجميعنا نذكر رفض الحكومة الأردنية عام 2004 شمول الأسرى الأردنيين في صفقة تبادل بين «حزب الله» اللبناني وسلطات الاحتلال، معتبرة «ملف الأسرى شأناً أردنياً خالصاً»، إضافة إلى إضاعة فرصة إجبار الكيان الصهيوني على تبادل عميلي الموساد اللذين ألقي القبض عليهما بعد فشل محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في عمّان 1996 بأسرى أردنيّين خصوصاً من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدة، وغير ذلك الكثير من الفرص.
إنّ عدوَّنا الذي يقاتلنا «في حقنا وأرضنا وديننا» والذي أنشأ كيانه المزعوم فوق دماء شهدائنا وأراضي أبناء شعبنا في فلسطين ومنازلهم لا يفهم لغة الدبلوماسية والمفاوضات، لذلك يجب أن يكون اتصالنا معه «اتصال الحديد بالحديد والنار بالنار» وإنّ اتفاقية الاستسلام لم تخدم الأردن بل خدمت الكيان الصهيوني. هم يسمّونها «اتفاقية سلام» لأنها في الحقيقة جلبت السلام للعدو، وإذا نظرنا إلى حال الدول التي وقّعت سلاماً مع الاحتلال نجد أنّ الإنجاز الكبير قد تحقق للكيان الصهيوني وهو إخراج مصر والأردن والسلطة الفلسطينية من معادلة الصراع معه ليستفرِد بدول عربية أخرى، في حين تراجعت أوضاع الدول المُستسلمة على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية عقوداً إلى الوراء، لكنّ الرهان هو على الشعوب الحيّة التي لم تُطبِّع مع العدو، فالتطبيع لم يكن يوماً شعبياً ولن يكون لأنّ العداء لـ»إسرائيل» يزداد في كلّ لحظة ولا يزال الكيان الصهيوني هو العدو الأوحد. كذلك نراهن على دول رفضت أن توقّع مع العدو إيماناً منها بأنّ السلام لا يأتي على متن دبابة المحتلّ وأنّ العلاقة مع هذا الكيان الهجين يجب أن تكون علاقة صراع فقط، أعني بذلك الدولة السورية والمقاومة اللبنانية التي سطّرت بطولات أسطورية في مواجهة المحتلّ ومقارعته حتى دحره مُغيّرة بذلك وجه المنطقة برمّتها.
أخيراً، وبعد فشل الأطر الدبلوماسية بمفاوضة المحتلّ تارة واستجداء الأميركيين طوراً والتي لم تُسفر إلا وعوداً لم تُغنِ ولم تسمن، فإنّ المطلوب اليوم هو متابعة جدية لملف الأسرى، ولأننا لا نتوقع كثيراً من الحكومة، من تلقاء ذاتها، فإننا ندعو إلى استثمار الحالة الشعبية التي تكوّنت بعد اعتقال اللبدي ومرعي وضغطت باتجاه تحريرهما علّها تدفع الحكومة الأردنية إلى إعادة النظر في طريقة التعاطي مع هذا الملف خلال العقود الماضية، من دون أن ننسى طبعاً دور اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في معتقلات الكيان الصهيوني ومسؤوليتنا نحن كنواب ممثلين لأبناء شعبنا في البرلمان الأردني في الضغط باتجاه تحرير جميع أسرانا من سجون الاحتلال.
عضو مجلس النواب الأردني