أسبوع حاسم في التصعيد للمتسلّلين من الداخل والخارج
د. وفيق إبراهيم
اختيار القوى اللبنانية الأساسية لمحمد الصفدي رئيساً للحكومة المقبلة، بعد مفاوضات شاقة لا يعني ابداً قبوله بتأليفها أو نجاحه في تشكيلها فقد تكون المعوقات أكبر من العناصر المسهّلة. وهذا يضع لبنان رهن صراعات بين فئات لبنانية اختارته بعد نقاشات عنيفة، وبين معرقلين داخليين وخارجيين يستعملون الحراك الداخلي وسيلة لتلبية مشاريعهم السياسية وبين تدخّل خارجي يلهم المتسللين الداخليين وهؤلاء صرّحوا علناً بدعمهم الحراك يزعمون أنه رافضاً حزب الله والدور الإيراني.
يكفي أن النائب الملهم نديم الجميل اعتبر امس، ان سلاح الحزب أدى الى هذا الفساد اللبناني الكبير لأن هذا الحزب يهرب البضائع داخل لبنان وخارجه!
هناك اذاً اتفاق اولي بين حزب المستقبل الحريري والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل وتحالفاتهم مع المردة والأحزاب الوطنية والأرمن والسنة المستقلين والامير طلال ارسلان على اختيار الوزير السابق والنائب محمد الصفدي في المشاورات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة المقبلة.
فهل يمرّ هذا الاختيار بسهولة؟
اولاً تبدو موافقة سعد الحريري على الصفدي حقيقية للعلاقة التحالفية العميقة بين الطرفين المنسحبة من الانسجام السياسي الداخلي والإقليمي السعودي الاميركي وصولاً الى التعاملات الاقتصادية المشتركة في اكثر من مشروع.
كما أن صعوبة الاوضاع الاقتصادية واحتمال حدوث انهيار كبير تجعل الحريري باعتكافه عن التشكيل في مأمن سياسي، وتريحه بتكليف شخصية سياسية تابعة له لا تستطيع الخروج عن هيمنته إلا بقرار سعودي، وإذا فشل الصفدي فلا يتحمل الحريري من سقوطه إلا نسبة قليلة.
إلا أن هذا لا يعني وجود تيارات سعودية ريفي والمشنوق والاسلاميين من المستقبل قد تدعم جهات رافضة لتكليف الصفدي في محاولة لحرقه بوحي خارجي او لمصالح داخلية.
من جهة ثانية، تتوجب مراقبة حركة بضعة احزاب سياسية من هذا الاختيار وهي قوى نجحت في التسلل الى الحراك وتستثمر فيه بشكل مكشوف، يكفي ان وليد جنبلاط يستثمر في الأحياء والأموات على السواء ولا يخجل من الادعاء أنه دخل في الحراك لإيمانه بحقوقه ومطالبه بإلغاء الطائفية السياسية والفساد والمحاصصة واستعادة الأموال المنهوبة. وهذه موبقات يشكل جنبلاط جزءاً بنيوياً منها منذ 1992 وباعترافه على شاشات التلفزة.
جنبلاط إذاً ينتظر قراءة تفاصيل الاتفاق على الصفدي ليحدد مصلحته، فإذا وجدها في بنودها فلن يعجز عن إيجاد أسباب لبيع الحراك، وكذلك قائد القوات جعجع الذي لن يشارك في أي حكومة بنى تسويتها التيار الوطني الحر الذي يعتبره المنافس الأساسي القاتل لطموحاته في ما يسمّيه المجتمع المسيحي .
لذلك لن تتأخر قوات جعجع في التأثير ببعض فروع الحراك لقطع الطرقات وعرقلة الحياة الاجتماعية وإثارة محمد الصفدي برعب سياسي قوي في حال تماديه بتشكيل الحكومة.
لكن معلومات تقول إن الحريري أخبر جعجع أنه أبعد له منافسه جبران باسيل عن اي موقع وزاري ناجحاً في اقناع التيار الوطني الحر حزب الله وامل باختيار سياسيين من الصف الثاني وتكنوقراط في الحكومة الجديدة. وهذا أمر قد يجده جعجع تخريجة له اما حزب الكتئاب فهو الأكثر تضرراً لأن لا مكان له في اي تسويات حكومية، ومعه عشرات الشخصيات السياسية المحسوبة على الخط السعودي الأميركي فارس سعيد السنيورة – اشرف ريفي – والمشنوق وجمعيات الحراك ورجال أعمالهم ونواديها، كل هؤلاء قد يصبحون ايتاماً مع حكومة صفدية.
أما الحراك نفسه فقد يجد نفسه معزولاً اذا تخلت عنه هذه القوى ولديه مخرج كبير وحكيم وهو العودة الى المفاوضات مع رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي لإرسال أكبر كمية ممكنة من المشاريع لتصبح قوانين نافذة تلغي الطائفية السياسية والفساد السياسي وتستعيد الأموال المنهوبة والإصلاح الإداري والقضاء والتعليم.
إن مثل هذه الإنجازات تتيح للحراك التحول تياراً جماهيرياً فعلياً له هيئته الوطنية والتنظيمية التي تسعى تدريجياً الى الدولة المدنية عبر قانون انتخاب غير طائفي على نظام الدائرة الوطنية الواحدة.
والحراك يعرف أن انتخابات تجري الآن لا يمتلك فيها أدنى فرص النجاح في حين انه لو تمكن من إنجاز كميات وافرة من المطالب الحقيقية، راعياً عملية التحول نحو المدنية والانتخابات الوطنية على أن يسبقها تشكيل مؤسسة حزبية دائمة تمثل الحراك وتطلعاته، فهذه شروط لنجاحه الانتخابي الأكيد.
ماذا الآن عن القوى التي اختارت الصفدي؟
هذه فرصة حزب الله وحركة امل والتيار الوطني والشرفاء من كل الطوائف لحماية اختيار الصفدي رئيساً للحكومة الجديدة ليس على قاعدة كفاءته إنما بمنطق الضرورة الوطنية التي تفترض وجود رئيس حكومة في إطار من التسوية.
لبنان اذاً الى أين؟ يبدأ من إعلان الاستشارات الملزمة ينطلق صراع حاد تتكبّده القوى الداعمة للصفدي على قاعدة حماية المجتمع من التسلل الداخلي والخارجي.
والمهمة وحيدة وليست كسباً لموقع أو وزارة، بل حماية للبنان من مخاطر الانفجار والتفتيت وتدمير كيانه لتلبية الحاجات الإسرائيلية لتوطين الفلسطينيين واستقبال السوريين الى امد طويل يتزامن مع استمرار الألاعيب الاميركية في المنطقة.