أميركا تستهدف أحرار العالم!!
د. محمد سيد أحمد
تعدّ الولايات المتحدة الأميركية الوريث الشرعي للقوى الاستعمارية القديمة التي كانت تتزعّمها انجلترا وفرنسا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية, ومنذ ذلك التاريخ تقدمت الولايات المتحدة الأميركية لتفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم, وظلت الولايات المتحدة الأميركية مكبّلة وغير قادرة على السيطرة الكاملة على العالم لمدة تزيد عن أربعة عقود كاملة، إذ كان هناك قطب آخر في العالم يمنعها من فرض هيمنتها وسيطرتها وهو الاتحاد السوفياتي الذي دارت بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية حرب باردة انتهت مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين بانهيار وتفكيك الاتحاد السوفياتي, وانفراد الولايات المتحدة الأميركية بالساحة الدولية كقطب أوحد يفرض سيطرته وهيمنته على العالم, ويقوم بالبلطجة والعربدة على كل من يحاول السير على نهج وطني مستقل بعيداً عن السياسات التي ترسمها الولايات المتحدة الأميركية لدول الكوكب سواء اقتصادياً أو سياسياً أو حتى ثقافياً.
وخلال الثلاثة عقود الماضية والتي أصبحت فيها الولايات المتحدة الأميركية قطباً أوحد على الساحة الدولية حدثت العديد من الكوارث للعديد من الدول سواء في منطقتنا العربية أو العالم, حيث استهدفت الولايات المتحدة الأميركية بعض الدول وبعض الرموز السياسية التي رفضت الخضوع لهذه السيطرة والهيمنة الاستعمارية الجديدة, ولن نذهب بعيداً فمع مطلع التسعينيات انطلقت حرب الخليج بعد إيعاز الولايات المتحدة الأميركية لصدام حسين بغزو الكويت وتحرّكت أميركا لتتزعم القوات الدولية لتحريرها تحت مسمّى عاصفة الصحراء, وبعدها احتلت هي منطقة الخليج بكاملها وليس الكويت فقط عن طريق إقامة قواعد عسكرية أميركية في هذه البلدان بهدف حمايتها، وبذلك استطاعت أن تسيطر على المنطقة الأكثر غنى في العالم وتهيمن على مصادر الطاقة وتستنزف ثروات هذه المنطقة وخيراتها.
ومع مطلع الألفية الثالثة بدأت الولايات المتحدة الأميركية مرحلة جديدة من السيطرة والهيمنة حيث دبرت ونفذت أحداث 11 سبتمبر 2001 كذريعة لغزو افغانستان ثم العراق بحجة مكافحة الإرهاب, وخلال هذين الحربين تكبّدت الولايات المتحدة الأميركية خسائر كبيرة مما جعلها تتخلى عن هذا النوع من الحروب التقليدية وتتجه لنوع جديد من أجل فرض سيطرتها وهيمنتها وتحقيق مصالحها وأطماعها الاستعمارية فظهر مصطلح الجيل الرابع للحروب، حيث تقوم الولايات المتحدة الأميركية برعاية بعض التنظيمات المحترفة وتقوم بنشرها حول العالم وتمدّها بالإمكانيات والخلايا الخفية وتنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية كالمرافق الاقتصادية وخطوط المواصلات لمحاولة إضعاف هذه الدول أمام الرأي العام الداخلي بحجة إرغامها على الانسحاب من التدخل في مناطق نفوذها، وأبرز هذه التنظيمات هو تنظيم القاعدة . وأهم الآليات المستخدمة في الجيل الرابع للحروب هي وسائل الإعلام التقليدي والجديد ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الاستخبارية والنفوذ الأميركي في أي بلد لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأميركية وسياسات البنتاغون.
وبعد اختراع الجيل الرابع للحروب ظهرت الثورات الملونة التي تطبق من خلالها الولايات المتحدة الأميركية حربها الجديدة من أجل السيطرة والهيمنة على الدول المناوئة للسياسات الغربية الاستعمارية كالدول الشيوعية السابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا ولبنان وإيران وتعتمد الثورات الملونة على مجموعة من الحركات المطلبية والعصيان المدني وأعمال الشغب, واستخدم المشاركون في هذه الثورات المقاومة السلمية والعنيفة أحياناً والاحتجاجات والمظاهرات مع استخدام وشاح ذي لون محدد أو زهرة كرمز, ومنها الثورة الوردية في جورجيا, والثورة البرتقالية في أوكرانيا, وثورة التوليب في قيرغيزيا, وثورة الأرز في لبنان, والثورة الخضراء في إيران, وثورة الزعفران في بورما, والثورة القرمزية في التبت, وهناك أدلة دامغة على أن هذه الثورات جميعها تدار بواسطة بعض المؤسسات الأميركية مثل مؤسسة سوروس وذلك لخدمة المصالح الاستعمارية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وفي إطار الجيل الرابع للحروب وكشكل أكثر تطوراً من أشكال الثورات الملوّنة جاء الربيع العربي المزعوم والذي طبقت من خلاله أساليب جديدة ومتطورة كاستخدام الفبركات الإعلامية بشكل مكثف عبر الإعلام التقليدي والجديد المتمثل في السوشيال ميديا التي سيطرت وهيمنت على العقل الجمعي ليس داخل مجتمعاتنا فقط، ولكن حول العالم, والى جانب هذا الجنرال الجديد تم استخدام الطائفية والمذهبية والعرقية لإشعال الفتن بين مكوّنات المجتمع الواحد, وتطوير أداء التنظيمات الإرهابية لتخوض الحرب بالوكالة وبشكل مباشر في مواجهة الجيوش النظامية داخل مجتمعاتنا المستهدفة, هذا بالطبع إلى جانب الحركات المطلبية والاحتجاجية السلمية والممارسة للشغب, وبالقطع أثبتت الأيام أن هذه الثورات العربية المزعومة تقف خلفها الولايات المتحدة الأميركية بهدف تحقيق مشروعها التقسيمي والتفتيتي للمنطقة العربية.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية تستهدف إلى جانب هذه الدول بعض الرموز السياسية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد الذي وقف صامداً في وجه مشروع الشرق الأوسط الجديد ولم يخضع للضغوط الأميركية رغم الحرب الكونية الشرسة على بلاده والتي استمرت لتسع سنوات, وحاولت وما زالت الولايات المتحدة الأميركية تستهدف نيكولاس مادورو الرئيس الفنزويلي الذي يقف في نفس الخندق المعادي للسياسات الاستعمارية الأميركية امتداداً للراحل هوغو شافيز وكما خططت الولايات المتحدة للانقلاب على شافيز في 2002 خططت للانقلاب على مادورو في 2019, ولم يشأ عام 2019 أن يغادرنا قبل أن نشهد استهدافاً أميركياً جديداً لأحد الأحرار في هذا العالم وهو الرئيس البوليفي إيفو مورالس الذي وقف في وجه السياسات الأميركية الاستعمارية وكان داعماً للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, فنظمت ضده انقلاباً عبر مجموعة من الاحتجاجات أجبرته على إعلان استقالته من منصبه واللجوء السياسي للمكسيك.
هذه بعض النماذج للاستهداف الأميركي لأحرار العالم فهل نقف أمامها مكتوفي الأيدي؟
يا أحرار العالم اتحدوا, اللهم بلغت اللهم فاشهد.