استمرار القمع السعوديّ عبر حملات الاعتقال الدورية

تبادر السلطات السعودية بشكل دوري إلى تنفيذ حملات اعتقال تطال ناشطين وحقوقيين وأكاديميين ودعاة، وحتى رجال أعمال، ويتم توجيه اتهامات لهم بالتآمر على المملكة والتواصل مع جهات خارجية لهذا الغرض.

وتشهد السعودية منذ أكثر من عامين، اعتقالات مستمرّة استهدفت مئات من الدعاة والنشطاء والحقوقيين، وذلك بتهمة التعبير عن رأيهم ومعارضة ما تشهده السعودية من تغييرات تحت ما يسمى إصلاحات، وسط مطالبات حقوقية بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.

وفي أحدث مسلسل اعتقالات، شنّت سلطات النظام السعودي حملة اعتقالات جديدة طالت أكاديميين ومغرّدين، بينهم نساء، رغم الضغوط الدولية ضدها والفضائح التي لم يتخلص منها ولي العهد محمد بن سلمان ورغم محاولاته البائسة لرسم صورة إيجابية للمملكة أمام الرأي العام العالمي.

وكانت أبرز الحملات، تلك التي حدثت في مطلع أيلول 2017، والتي شملت مئات من رموز ما يسمّى «تيار الصحوة» المحافظ من أكاديميين واقتصاديين وكتاب وصحافيين وشعراء وروائيين ومفكرين.

وفي 2018، اعتقلت السلطات ناشطات تصدرن حملات حقوقية للمطالبة بتحسين أوضاع النساء في المملكة، وفي مقدمتها منح المرأة حق قيادة السيارة، وتخفيف ولاية الرجل عليها في شؤون أخرى، أبرزها السفر والتنقل.

وفي نيسان 2019، شنّت السلطات حملة اعتقالات جديدة، استهدفت مؤيدين لحقوق المرأة وكتاباً ومثقفين، وذوي ارتباط بالناشطات المعتقلات بالمملكة.

فيما يرقد في سجون المملكة العشرات من المعارضين السعوديين السلميين الذين يقضون أحكاماً قاسية بسبب عملهم الحقوقي فقط، والتعبير عن رأيهم.

وعن الاعتقالات الجديدة، أفاد حساب «معتقلي الرأي» عبر «تويتر» أن «الاعتقالات حدثت خلال الـ 48 ساعة الماضية».

وأضاف الحساب، «في ساعة متأخرة من ليل الأحد، أنه سينشر خلال ساعات قليلة أسماء من تأكد خبر اعتقالهم».

ودشن ناشطون سعوديون وسم اعتقالات نوفمبر.

وذكر الحساب أن من بين المعتقلين الذين تم التعرف عليهم الصحافية المتدربة في «صحيفة الوطن» السعودية، مها الرفيدي وذلك على خلفية دعمها لمعتقلي الرأي.

وأشار إلى أن «المعتقلة سبق أن راسلت صفحته في وقت سابق، وأكدت تعرّضها لتهديدات بالاعتقال».

كما ذكر الحساب أنه «من المقرّر أن يشهد الأسبوع الحالي جلسة النطق بالحُكم ضد الداعية السعودي سلمان العودة، بعدما حددت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض اليوم 27 تشرين الثاني موعداً لهذا الحكم».

ورغم التغييرات غير المسبوقة التي تشهدها السعودية على المستوى الاجتماعي والثقافي والديني منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان لسدة الحكم، والذي سجن كل من عارضه وترك فقط مَن يطبّل منهم لسياسته بل ويفصل الدين والفتاوى بما يناسب أوامره. تحاول السلطات السعودية مع هذه التغييرات رسم صورة وردية من المجتمع السعودي أمام الرأي العام العالمي، من خلال الترويج للعالم بأن السعوديين مشغولون بالترفيه ويستمتعون بحضور الحفلات الفنية ومتابعة الفعاليات المتنوّعة ورؤية المشاهير القادمين من مختلف أنحاء العالم.

فيما يرى مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «رايتس ووتش»: «إسكات المعارضة السلمية بأحكام مشينة يُظهر عدم التزام الحكومة السعودية بإصلاحات سياسية ومدنية جادة».

وفي الواقع، سلك محمد بن سلمان هذا الاتجاه بعد فضيحة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول والتي هزت العالم بوحشيتها وبشاعتها، في محاولة منه لتغيير صورة المملكة المشوّهة لدى الرأي العام العالمي، بإنشاء ما يُسمّى هيئة الترفيه وجلب الفنانين والمطربين الأجانب الى المملكة ومنح بعض الحريات التي كانت ممنوعة مسبقاً، الى النساء والشباب، وكل ذلك في إطار إصلاحاته المزعومة.

ومن المفارقات أن كل ذلك القمع والترهيب يحدث في الوقت الذي يحاول فيه بن سلمان الترويج لنفسه كرائد للانفتاح ويسعى لتجاوز تبعات جريمة اغتيال خاشقجي، بينما يتجاهل حقيقة أن أوضاع الحقوق والحريات في المملكة قد بلغت من السوء في عهده مبلغاً لم يعرفه السعوديون في كل العهود السابقة.

وبحسب المحللين، فإن «سياسة ترويج الترفيه لن تنجح» في مملكة يحكمها نظام يرفع شعار القمع والترهيب والاعتقال والسجن في الداخل ويتجسّس على المواطنين ويرسل فرق الموت والخطف لإخراس معارضيه في الخارج ويبدّد مقدّرات الشعب في شراء الذمم والتعاقد مع شركات العلاقات العامة واللوبيات في محاولات بائسة لتحسين صورته أمام العالم ومن أجل تقديم صورة مزيّفة لا تعكس حقيقة الأوضاع على أرض الواقع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى