أربعة أسئلة لدعاة حكومة تكنوقراط حيادية

ناصر قنديل

– يتحدّث المتحمّسون للحراك الذي يُصرّون على تسميته بالثورة عن حكومة إنقاذ يصفونها بالحكومة الحيادية من الاختصاصيين، ويقصدون بالحيادية عدم تضمنها محسوبين على الأحزاب والكتل النيابية. ويستنكر بعض هؤلاء ان يكون القصد فقط هو إبعاد حزب الله عن الحكومة، تلبية لطلب أميركي، ويتحمّس هؤلاء لدعوتهم لدرجة يصدقها، ويصدق هذا البعض أنها دعوة واقعية، وأنها قادرة على الانتقال بلبنان واقتصاده من خطر الانهيار إلى بدء الخروج من الأزمة. ولأن النقاش يجب أن يدور على الأفكار والوقائع، وليس التخيّلات وما ينتج عنها من غموض وإبهام بالقول، حكومة تكنوقراط حيادية وكفى، يجب التذكير بأن ما قيل عن استقالة الحكومة كان شرطاً لبلوغ حكومة التكنوقراط الحيادية، ولذلك يرفض أصحاب الدعوة اتهام مطلبهم باستقالة الحكومة لكونه مطلباً تم إسقاطه على الشعب الغاضب من خارجه، لفتح الباب لتوظيف هذا الغضب في محطات يشكل الفراغ وتشكل الفوضى، ومخاطر الفتن، معالمها الرئيسية، لكن يجب أن نتفق أنه متى ثبت أن طرح الحكومة الحيادية من التكنوقراط فاقد المعنى، صارت الدعوة لاستقالة الحكومة مشبوهة، لأنها باب لأحد خيارين، إعادة إنتاج حكومة تشبه سابقتها، لكن بعد وقت مستهلك من حق اللبنانيين بمعالجة مشكلاتهم، وبعد مخاطر كبيرة كان يمكن تفاديها، أو حكومة تتلطى بتسمية تكنوقراط حيادية. ويصمت المطالبون بها عندما تنتج أسوأ السياسات، لأنهم عاجزون عن التنكّر لما جلبته أيديهم، وكي يكون النقاش موضوعياً سنكتفي بطرح أربعة أسئلة على هذا البعض، وننتظر سماع أجوبة.

– السؤال الأول هو ماذا يمكن لحكومة تكنوقراط من الحياديين، أن تقرر من زاوية تكنوقراطية حيادية، خطتها في التعامل مع ملف عودة النازحين السوريين الذي يشكل أولوية اقتصادية، في ملف البطالة واستهلاك البنى التحتية، واستنزاف الكثير من الموارد في قطاع الخدمات صحياً وتربوياً، وأمام التكنوقراط الحياديين الاختيار بين خطتين، خطة تدعو للالتزام بقرار غربي خليجي يمنع قيام الحكومة اللبنانية ورئيسها بعقد تفاهم مع الحكومة السورية لبرمجة هذه العودة، وخطة أخرى تقول بأن مصلحة لبنان فوق كل اعتبار ورأي خارجيين؟ فأي من الخطتين تناسب الحكومة الحيادية من التكنوقراط، فهل ستغلب القرار السيادي اللبناني أم تقيم بصورة حيادية تكنوقراطية الحساب لسيدر والخليج وما سيرتب منهما من أموال، يستدعي الحصول على رضى أصحابها عدم إغضابهم بالسعي لإعادة النازحين؟

– السؤال الثاني هو ماذا ستفعل حكومة حيادية من التكنوقراط تجاه التفاوض على ترسيم الحدود البحرية التي تتضمّن ثروات النفط والغاز، وقد توقفت عند نقطة الاشتراط الأميركي لاستئنافها بقبول لبنان التوقيع على التنازل عن مساحات كبرى من حقوقه لصالح كيان الاحتلال، فهل ستتمسك بحقوق لبنان، أم ستغلب إرضاء الأميركيين تحت شعار أن الوضع الاقتصادي والمالي حرج لدرجة لا يتحمّل إغضاب الإدارة الأميركية التي تمسك بخناق النظام المالي والمصرفي، والطلبات الأميركية مطلوب مراعاتها بصورة تكنوقراطية حيادية ، ولو على حساب مصلحة لبنان السيادية وثرواته السيادية؟

– السؤال الثالث هو ماذا ستفعل حكومة حيادية من التكنوقراط في ملف حاجة لبنان من المشتقات النفطية التي تشكل أكبر كتلة ضغط في الطلب على العملات الصعبة، هل ستتجه نحو العراق وتطلب تشغيل خط كركوك طرابلس وتقوم بتركيب مصافٍ مستأجَرة ريثما تجهز مصفاة تملكها الدولة، لتلقي وتكرير 400 ألف برميل يومياً تشكل حاجة لبنان مرّتين، وتوقع عقداً مع الحكومة العراقية تحظى فيه بتسهيلات بالدفع قد تصل حد تحويل الكميات المستجرة ديناً عينياً على لبنان يسدده بعد بدء ضخ النفط من آباره، أم ستلتزم الفيتو السعودي الأميركي على التفاهم مع سورية على العبور في الأراضي السورية لكل تفاهم مع العراق، ومثله على تفاهم مشابه لفتح السوق العراقية أمام المنتجات اللبنانية الزراعية الكاسدة والصناعية الراكدة، وإعادة تفعيل سوق الترانزيت إلى العراق، وما تمثله للبنان تاريخياً، وعذر حكومة التكنوقراط الحيادية، تكنوقراطي جداً وحيادي جداً . فالوضع المالي يحتاج التمويل الخليجي والرضى الأميركي ولا يمكن لحكومة تكنوقراط حيادية إغضاب الخليج فكيف بإغضاب أميركا؟

– السؤال الرابع ماذا ستفعل حكومة تكنوقراط حيادية في السياسة المالية، هل ستجد سبباً تكنوقراطياً حيادياً للاعتراض على سياسات مصرف لبنان التي يديرها حاكم المصرف الموصوف تماماً بمطابقة معايير نموذجية لشكل الحكومة، فهو قبلهم جيء به على أساس الصفة التي ستجيء بها هذه الحكومة، تكنوقراط حيادي، أم ستوافق على سياساته لأنه تكنوقراط حيادي، ومثلما لا تُخاض حرب بين ديمقراطيتين، لا يناقض تكنوقراط حيادي تكنوقراطاً حيادياً؟

– إن سارت حكومة التكنوقراط الحيادية بمقتضيات السيادة اللبنانية وتصدت للضغوط الأميركية الأوروبية الخليجية، صارت حكومة سياسيّة ثورية وطنية تلتزم خيار المقاومة، وإن سارت بخيارات الاستجابة للطلبات الخارجية صارت الحكومة التي يطالب الرئيس سعد الحريري بتشكيلها اليوم، وإن قال دعاة حكومة التكنوقراط الحيادية إن مقصدهم هو الخيار الأول، فهل يعتقدون أن مثل هذا الخيار يُجاء به تهريباً تحت اسم تكنوقراط حيادي، أم يعتقدون كذلك أنهم كما يتبنّون الشعار سيمسكون بناصية قرار تشكيل مثل هذه الحكومة، وأن الباب لن يكون متاحاً للمجيء بأصحاب الخيار الثاني بالصفة نفسها، حكومة تكنوقراط حيادية، وهل من سبب بمعيار التكنوقراط والحيادية عن الأحزاب للاعتراض على حكومة من نموذج حاكم المصرف، إلا إذا كان من صفات يجب أن تضاف إلى صفة تكنوقراط حيادية، فلماذا لا يضيفونها؟

– عسى أن نجد مَن يدقّ الباب ليحمل الجواب، وإلا يحق لنا اعتبار الدعوة مفخخة لتبرير دعوة سبقتها لاستقالة الحكومة، والنتائج للدعوتين أمامنا. ونختم بسؤال أخير ننتظر جواباً صادقاً عليه، وهو: هل يملك أي من دعاة هذه الحكومة اسماً لمرشح أو أكثر لرئاسة مثل هذه الحكومة، وليس لوزرائها، يمكن أن يجمع عليه أهل الساحات ويضغطوا على النواب لتسميته؟ ونرفع السؤال إلى مستوى التحدّي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى