منشار النفط
بلال شرارة
انخفاض أسعار النفط على النحو الدراماتيكي الحاصل في ظلّ تخمة المعروض في السوق، ومنافسة النفط الصخري الأميركي، يعني أنّ الغرب يسرق موارد دول الأوبك الطبيعية، خاصة العربية، بأسعار منخفضة، ويعني بلا أدنى شك استنزاف البورصات في الدول المصدّرة للنفط.
أسهم الشركات تنخفض، لا سيّما تلك التي ترتبط أدوارها بالإنفاق الحكومي، والتي تتأثر أسهمها سلباً نتيجة هبوط المداخيل الحكومية بعد الانخفاض السريع لأسعار النفط الخام.
المسألة ليست الضغط على روسيا وايران وكسر اقتصاد البلدين فحسب، على ما يُقال، في إطار الحرب الباردة على محاور السياسات الشرق أوسطية، إنّما هي نهب منظّم للثروات بداعي وجود المنافسة، الأمر الذي يسمح للغرب مع تراجع أسعار النفط الخام الخفيف بالعودة إلى النموّ على حسابنا بعد سنوات من الركود أو النموّ السلبي، على ما يوصف.
توفّر الدول الغربية، على حساب شعوبنا، مئات الملايين سنوياً وتستخدمها لحفز النموّ وتسويق البضائع التي يمكن أن تتراجع أسعارها بنسب مماثلة، ما يدفع المستهلك إلى الإنفاق وشراء البضائع بأسعار متهاودة.
الجدير قوله إنّ تراجع أسعار النفط الخام سيعني تراجع الاستثمار توصّلاً إلى القول إنّ تراجع أسعار النفط سيضاعف فرص دخول روسيا في ركود كبير إذا لم تعوّض ذلك عبر صادرات الغاز إلى أوروبا.
المسألة أنّ استثمار عائد الصادرات النفطية بأسعار منخفضة يعني استهلاك ما تبقى من مواردنا ثمن أسلحةٍ لحروبنا الصغيرة التي أغرقنا بها الغرب.
كم ستكلف يومياً الحرب على «داعش» ومن جيب مَن؟
كم تكلف حرب ليبيا واليمن والسودان وغيرها؟
كم سيكلفنا ويكلف شعوبنا إنشاء الولايات المتحدة جيشاً سنّياً قوامه مئة ألف في العراق ومن جيب مَن؟
كم سيكلف العراق وإيران وغيرهما الحفاظ على جيش السلطة في العراق وسورية والحشد الشعبي؟ وكم سيبقى من أموال الاستثمارات النفطية للتنمية؟
كيف ستعوّض الدول النفطية الاهتزازات في أسواقها؟
هل يمكن تحييد المشاكل القائمة في سورية والعراق لمصلحة التجارة بين روسيا والجوار وإيران والجوار؟
أنا شخصياً ضعيف في موضوع البترول، لكنّه موضوع طاغٍ على ما عداه ويستدعي منا أن نفهم، علماً أننا ندفع ثمن الطفرات النفطية وثمن انخفاض الأسعار، أيّ أنّ النفط، مثل المنشار، يحزّنا في الاتجاهين، صعوداً وهبوطاً.
كفانا الله شرّ الكاز والمازوت في هذا الشتاء القارس، وكفانا الله شرّ استثمارات عائدات الأسواق النفطية في الحروب الصغيرة، لأنّ أحداً لا يستخدمها في تحرير فلسطين ومنع تهويد القدس والأقصى، ولا في التنمية العربية المستدامة إنْ لم «تشكل السوق العربية المشتركة» على أيامنا… وهي لن تشكّل.