الشريط الآمن: فرضية جديدة فاشلة

عامر نعيم الياس

نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تقريراً بعنوان «الولايات المتحدة وتركيا على وشك الوصول إلى اتفاق حول قتال داعش»، فالخلافات الثنائية مع تركيا في طريقها إلى الحلّ، وفق صيغة معدّلة لمطالب تركيا بحيث يُسمح للقوات الأميركية وحلفائها استخدام قاعدة «إنجيرليك» لشنّ غارات جوّية انطلاقاً منها ضدّ «داعش» في الشمال السوري. بالمقابل، سيتم «إنشاء شريط ضيق آمن».

وأوضحت الصحيفة أن المسؤولين الأتراك يدرسون إنشاء منطقة محمية على جزء من الحدود المشتركة مع سورية، كجزء من تفاهمات مشتركة بين الجانبين «بعد رفض إدارة الرئيس أوباما إنشاء منطقة رسمية لحظر الطيران».

وأردفت أن «الصيغة المعدلة لإنشاء شريط آمن ضيق لن تستدعي شنّ غارات جوّية تستهدف الدفاعات الجوية السورية، كما تضمّنت الصيغة الأولى، بل ترمي إلى إرسال تحذير مبطّن لنظام الرئيس الأسد بالابتعاد عن الشريط أو التعرّض لأعمال انتقامية».

«واشنطن بوست» كانت من جهتها أكثر مباشرة في توصيف المنطقة المشمولة والإشارة إلى بنود الخطة، إذ قالت إن الهدف من المنطقة الآمنة «دفع الجهاديين من الجزء الغربي للحدود مع تركيا وخلق منطقة آمنة نسبياً ينتقل إليها المقاتلون المعتدلون الذين تدعمهم».

وأضافت إنه وفقاً للخطة «تنطلق الطائرات الأميركية من قاعدة أنجرليك في تركيا، لتستهدف مواقع الجهاديين على الحدود شمال حلب، ومن الجهة الشرقية باتجاه عين العرب عندها تنتقل القوات التركية الخاصة إلى المنطقة للمساعدة على الاستهداف، ومساعدة مقاتلي المعارضة السورية في تعزيز سيطرتهم هناك».

في موازاة هذه التسريبات، وعلى إثرها، أعلن البيت الأبيض على لسان المتحدّث بِاسمه رفضه إقامة «منطقة حظر جوي في سورية»، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال الاجتماع الأول للتحالف ضدّ سورية والعراق أن مباحثات بلاده مع تركيا «لا تزال مستمرة ولم تصل إلى نتيجة لغاية الآن»، فما الذي طرأ على مواقف واشنطن وأنقرة، وهل الترويج لفكرة «الشريط الآمن» يملك حظوظاً في سورية؟

مما لاشك فيه أن صانع القرار الأميركي لم يتوقف ولا للحظة عن طرح كافة الخيارات المتاحة لتدمير الدولة السورية على الطاولة، والترويج الإعلامي الذي نشهده بين فترة وأخرى لفكرة ما يندرج في سياق استعداد الإدارة الأميركية لتجريب كافة الخيارات، أو على الأقل عدم اعتراضها على دراسة أي خيار في المبدأ، ومن هنا يأتي الطرح الحالي لخيار «الشريط الآمن» في محاولة لقطع الطريق على المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي، والإيحاء بتقديم تنازل جوهري يساعد في تمرير إنشاء حزام أمني في المناطق السورية المحاذية للحدود التركية تحديداً تلك التي تشكل خطَّ تماسٍ مباشر مع مدينة حلب المحطة الأساس في رهان الأطلسي على سورية. فهل تزول عوامل الردع بتغيير الأسماء، وهل تختلف المنطقة الآمنة عن تلك العازلة؟

يحاول صانع القرار الأميركي إرسال بوادر حسن نيّة إلى من يهمه الأمر من الروس والإيرانيين والقيادة السورية، «فالمنطقة الآمنة لا تستهدف الدفاعات الجوية السورية وبالتالي لا تشمل منطقة حظر طيران» بل فقط تهدف إلى «ردع نظام الأسد»، فهل الردع هنا مقصود به ما هو نفسي، وهل تراجعت القوات السورية عن المناطق الحدودية على رغم الاعتداءات المتكرّرة على سلاح الجوّ السوري من جانب الأتراك و«الإسرائيليين»؟ هل يحاول الأميركيون والأتراك ترسيخ أمر واقع على الحدود يكرّس بدوره التقسيم الميداني لسورية؟ وهل تغيّرت الخطوط الحمر الإيرانية الروسية السورية في ما يخصّ التدخل البرّي على الأرض؟

الواضح في مجمل الاستراتيجيات الأميركية المسرّبة إعلامياً وجود الطرح ونقيضه في الخطة ذاتها، بما يجعل من مضامينها مفرغة المضمون إذا ما قورنت بالمحاذير من وضع هذه الاستراتيجيات موضع التنفيذ. محاذير تستند بالدرجة الأولى والأخيرة على الواقع الميداني المتغيّر على الأرض واستعادة الدولة السورية زمام المبادرة ما جعلها رقماً مهماً في حسابات واشنطن إضافةً إلى تلك الحسابات المتعلقة بالمحور الذي تنتمي دمشق إليه.

وهنا نعود إلى «وول ستريت جورنال» التي نقلت عن مسؤول أميركي «أن بلاده تدرك حجم المغامرة في إنشاء منطقة محدودة كأمرٍ واقع»، فيما قالت «واشنطن بوست» إن جزءاً من تقويم المخاطر مبنيّ على أساس ما إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد سيواصل السماح بتحليق الطائرات فوق أراضيه من دون تشغيل الدفاعات الجوية السورية. ملاحظات للصحيفتين حول المخاطر تعكس التساؤلات في شأن المنطقة الآمنة والمفاوضات التركية الأميركية بحيث لا يعود السؤال عن احتمالات نجاح الإدارة الأميركية والأتراك بإقناع حلفاء سورية، وترهيب الأسد من الشريط الآمن، بل يصبح هل بإمكان التحالف الأميركي الإقليمي الاستمرار في العمل إذا تم خرق التفاهم الضمني مع الدولة السورية؟ هل ستسمح سورية وحلفاؤها بذلك؟ ألا تقودنا تسريبات الصحف الأميركية إلى نتيجة مفادها أنهم بحاجة إلى تفاهم ضمني مع الدولة السورية قبل أي خطوة تتعلق بآليات عمل تحالف واشنطن داخل الأراضي السورية؟

عندما بدأت الغارات الجوية الأميركية ضدّ «داعش» في سورية، أواخر أيلول المنصرم، خرجت الخارجية السورية لتقول إن الأميركيين أبلغوا دمشق بالغارات، إبلاغٌ يبدو أنه يتجاوز حدود الإشعار إلى تنسيق ضمني يفرضه واقع الميدان.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى