ناصر قنديل
ناصر قنديل
حديث الجمعة هذا الأسبوع من صباحات الياسمين والحب والحرب، إلى المختصر المفيد في ثنائيات الحرب والسلم حول سورية، وقالت له ومشاركة من قارئة مثابرة تقول له، وكلمات في الرياضيات بين الضوء والعتمة والكلمات.
صباحات الجغرافيا والشام والياسمين والكلمة الطيبة وعلم الحب والحرب
الجغرافيا صباح والتاريخ مساء 28-11-2014
اختبار الصباح مواسم الثلج في الخريف لا يجد أفضل من موسكو، فهناك عبق البرد بخار جارح، والورد شمع الصباح المضيء، وقد تجمدت عروقه على قطرات ندى وتوشّحت خدوده بألوان وشذى، وهمهات من حول موقد نار وأحاديث عن مستقبل العالم لعاصمة عائدة إلى التاريخ بقوة الجغرافيا. والتاريخ الذي تصنعه قوة المال والسلاح والإعلام لا يملك تغيير الجغرافيا مهما تمكن من معاندتها، كما المال والسلاح والإعلام أضعف من مقاومة الإرادة الممهورة بتوقيع الشهداء. فإذا اجتمعت الجغرافيا والإرادة هزم التاريخ وانصاع، أما إذا استفرد بإحدى الإثنتين فقد حكم للأقوى بكتابته.
في موسكو هذا الصباح تجتمع جغرافيتنا وإرادتان لكتابة التاريخ، فكيف لعزيمة صراخ لا تملك بذل الدماء، من خلف المحيطات البعيدة، بمال وسلاح وإعلام، من خارج الجغرافيا والإرادة أن تكتب التاريخ عندما تجابه هاتين الجغرافيتين بالعزم والإصرار على عبور بوابة تاريخ العالم بجسارة. روسيا وسورية تقرّران من قلب الجغرافيا الصانغة تاريخ البشرية أنهما من دمشق وموسكو تصنعان للحرية مجداً، وللشعوب أملاً، وأن الأصعب قد مضى. واشنطن تتنصت، والصباح يغمر ورود موسكو بدفء المحادثات الوافدة من غرفة قريبة جلس فيها سيرغي لافروف ووليد المعلم وأمامهما اتفاقيات عسكرية ونفطية واستراتيجية. وقال هنا يكتب التاريخ فأنا الجغرافيا صباح ومتى صار التاريخ صار المساء، وأهل الجغرافيا يكتبون التاريخ لا التاريخ يرضى أن يكتب على يد العثمانيين السلاجقة ولا الوهابيين بني سعود. والتف إلى طهران فكانت السماء تثلج أيضاً، فرمى ياسمينة دمشقية في مشهد الثلج لتنبت هناك حباً وطيباً وعطراً… صباح الخير… هنا دمشق من موسكو.
صباح لا لهاث فيه 29-11-2014
قال الصباح: ما دمت سيداً من أسياد لعبة الزمن الذين تديرهم الشمس وينحني لهم القمر مطيعاً، وأظهر مع الليل مناوبين، وطالما أن مناوبتي الأزلية تسير مع الأجيال، فللناس عليّ حق النصح بما تعلمته، والناس مهما كانت همومهم واهتمامتهم، فهي ضمناً شكل من أشكال القلق من أن يمضي العمر قبل أن يصيبوا أهدافاً معينة رسمتها الحياة من سننها، أو رسمتها لهم ما راكمته الأجيال في رحلة بناء الحضار الإنسانية، أول الاستحقاقات التي يفرضها الزمن في الاعمار البيولوجية للكائنات الحية نباتاً وحيواناً وبشراً، في مقاومة الفناء الذي يمثله الموت كحتمية وقوع منتظرة، هي التناسل، فيصير الزواج والانجاب إمكانية بيولوجية لذكر وأنثى، وفقط عند البشر يتخطى الزواج من جيل إلى جيل همّ التناسل الذي تعرفه الحيوانات والنباتات كما يتخطّى الجنس البعد الأحادي للغريزة. فقد طوّر البشر حياتهم برفاه من جهة وثقافة من جهة ومشاعر من جهة، فصار الزواج استحقاقاً عمرياً مفتوحاً ما بين زمنَيْ بدء الخصوبة الجسدية وانتهائها عند الأنثى وبدء الطاقة الانتاجية وتلاشيها عند الرجل، كمصدر الرفاه المرتقب للاسرة السعيدة.
وانتبه الصباح لزمن مضى كان الأبناء والبنات عدّة شغل الزراعة فصار الزواج المبكر هدفاً اقتصادياً، وانتهى ليبقى كمصدر أعباء وأكلاف للتعليم والصحة والسكن لا يهابها قلة من الناس الذي يرثون اليسر بلا تعب، أما العموم فتلزمهم أعمارهم ينفقونها للتمكن من أسباب الرفاه والمسؤولية. ولما دخل العلم ونيل الشهادات على رسم خرائط الزمن للبشر صار التقليد أن يرتقي سنّ المهلة المفتوحة للزواج للفتاة ليبدأ مع التخرّج الجامعي ودخول سوق العمل وتكوين القاعدة الرئيسية للمكانة الاجتماعية التي ستحدد القياس الاجتماعي للشريك ويبقى سقفه محكوماً باستباق انتهاء زمن خصوبة الانثى وأن يكون للرجل من بدء مراكمة القدرة للمسؤولية بعد التخرج وسنوات من العمل تسمح بالتطلع للافضل بين الاناث وسقف يتيح معايشة الأولاد قبل بلوغ الشيخوخة.
ولما تطلع الصباح فوجد أن المهلة تضيق بين بدايتها ونهايتها للرجل والمرأة حتى صارت سنوات قليلة بعدما كانت عشرات السنين، عرف سرّ اللهاث في حياة البشر وأسباب ضياعهم في التمييز بين الحب والتطلّع إلى اقتناء الافضل ثم الانصراف بسبب العجز والهمهمة على طريقة الثعالب هذا حصرم رأيته في حلب، وفهم لماذا قصص الحب الكبرى تموت من دون أن ترى النور، وأراد أن يصارح الناس بسرّ أحساسهم بالكآبة فخشي غضبهم إن قال الحقيقة فانصرف للورود والنحل يحدّثها عن حال صنف من الكائنات ربط نفسه بنظريات عن الحياة، وصار يشكو منها الالم داعياً لهم بالشفاء قائلاً كنتم تقيمون للحب إله الجسد فصرتم تقيمون له إله المال والجاه، فمتى ستقيمون له إلهة الانسانية وتكتشفون الشريك الذي إن أردتم تأسيس شركة تجارية ترتضونه شريكاً أميناً وجادّاً وعارفاً فجربوها ستجدون فيه حباً من نوع آخر، يولد بعد الشراكة ولا يكون شرطاً لقيامها وتجنون أرباحاً نفسية لا خسائر، فتزوجوا لأنفسكم لا للناس لأن غالبية الذين يمتدح الناس زيجاتهم ويحسدونهم فاشلون وحزانى… قالها الصباح وهرب.
صباح الشام وفيروز والياسمين 30-11-2014
في صباح عنوانه الأمل، سأل الصباح ما حوله وأمامه عن الرمز واللون والشعار. فقال الأبيض بلا منازع، والعطاء بلا نقاش والبياض المليء بالعطاء هو الثلج، واستدرك وأضاف كما هو الياسمين، الثلج يصير مطراً، وحبات المطر لا تنشطر إذا أصابتها رصاصة، ومنها تتشكل الأنهار، وحولها تنشأ المدن، وتصير خضرة الحياة، والياسمين ضوع وفوح وطيب ونقاء وعطاء، فالياسمين طيب لا ينضب ولو تفوّحت به آلاف الأنوف. ولا يغضب مهما ساءت عليه الظروف، ونظر إلى جمع الثلج والماء والأنهار والمدن مع عبق الياسمين فقال هي الشام عنوان الأمل، وسمعها تسأل بردى، لماذا لا تغضب على الذين يرمون في مائك ما يسيء لنقائها، فقال بردى وعبق الياسمين قد تشوه طيبه، الساعة آتية لا ريب فيها والغضب الساطع آت، قالت فيروز، وقد رحلوا يا وحدي، قالتها فلسطين من قبل، فكانت الشام تؤنس وحدتها… صباحكم شام وفيروز وياسمين.
صباح الكلمة الطيّبة شجرة طيّبة 1-12-2014
دار الصباح في سماء بلاد الشام فوجد العراق جريحاً وسورية حزينة ولبنان قلقاً وفلسطين موجوعة وغاضبة والأردن مرتبكاً. ولما أراد السؤال، قال لبنان إنه يخشى من مراهقة بعض بنيه أن تضعه في عين عاصفة قبل نهاية موسم العواصف، فيكون الخسران كبيراً وبلا أثمان. وقال الأردن إن النخبة في واد والشعب في ضياع، وقلة تعي ما يجري، وما في اليد إلا حيلة الانتظار وهو أضعف الحيل في وجه أقدار صعبة. أما العراق فقال إنه ينزف لكنه يمسك الجرح بيد وباليد الأخرى بعض ملح يؤلم لكنه ضرورة وقف النزيف. ولما وصل إلى فلسطين، قالت إن الوجع إدمان كما إهمال ذوي القربى إدمان، أما الغضب ففعل إرادة وقد نهض للفعل شبان، وصاروا هم العنوان.
وبقي الحزن السوري المقيم شاغل بال الصباح فقال، وأنت تنتصرين حزينة يا أم الأوطان. فقالت النصر حقيقة واضحة، وخسارة بعض الأبناء في تيه الصحراء بكائية جارحة. فقال ويا سورية القلب ماذا تقولين لهم عساهم يعودون. فقالت والقلب في غصة الأمّ تسامح وجرح الكلام أقسى من السكين وأعمق الآلام. وخاطبتهم عبر الصباح فقالت، من أين جئتم بقاسي الكلام وقد علمتكم أن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة جذرها راسخ في الأرض أو في القلب، ورأسها شامخ في السماء تحنو على الطبور الحزينة وتصد الكلاب الشاردة وتصمت للأحبة تمنح ظلها وثمارها بلا مقابل.
وتابعت: كم من مرّة قلت لكم أن الكلام كالحجارة، الطيب يبني في القلوب مساكن والكلمة القاسية تبني بينها جدران. ولما لم تسمع الجواب، أضافت سورية لأبنائها الذين ضلوا الطريق وأذاقوها مرّ الكلام، ليس الكلام القاسي غباراً على زجاج نمسحه بفوطة الاعتذار أو كف الندم، بل بقع سوداء على ثوب أبيض لا يزيلها إلا مسحوق التسامح من قلب أمّ أو حبيب لا يعتب، بينما الكلام الطيب غبار رحيق وعطر زهر فوّاح لا ينضب، ولما بدأوا اعتذاراتهم قالت أنا الأمّ أقرّر كيف ومتى أسامح، لكن يجب أن تعلموا أنني أعلم أن من نحسب الكلام وترتعش شفاهنا قبل نطق الكلمة المتعبة بحقه أو أمامه هو من نحب أو من نخاف أو من نجامل أو من نقيم لموقفه حساب المصالح او الأرباح والخسائر، فإن فعلناها مرّة لأحدهم نستطيع فعلها لجميعهم، فتبان طبائعنا. ومن نستثنيه منها تسقط عنه الصفة عند لحظة الحقيقة ونكتشف من قدرة القول أننا نقدر على أبعد منها لإثات أننا نقدر على جعله خارج صفات المجاملة والخوف والحب والمصلحة، فإن سامحت فلا تظنوني خدعت… صباحكم كلام الوطن الطيب والكلام الطيب للوطن.
صباحكم خير الضوء والعطر واقتصدوا بخير الماء 2-12-2014
تساءل الصباح عن سبب تقاتل الناس على الخير فيولد منهم الشرّ، والأصل خير فكيف ذلك؟ فقال يبدو أن السبب هو خوف الناس من أن ينقص الخير كلما نال منه أحد نصيباً، فيا ليت الخير يكون كفاية لكل الناس أو الأحسن ألا ينقص مهما نال منه الناس.
ولما جال الصباح في كروم الدنيا وجمالها، قال هل ينقص الوطن إن نال الناس من حبه لكل نصيب مهما عظم، وهل ينقص عطر الياسيمن أو الضوء أو الابتسامة؟
فقال الصباح: لا تنقص كمية العطر على كل عابر في كرم الياسمين عن حدود الاحساس بالطيب أكان وحيداً أم واحداً من ألوف كما حال الضوء في الصباح.
وقال الصباح الماء تجري في الأنهار دفقاً لكنها تنقص كلما شرب من فيضها عابر سبيل أو كرم دوالي، فلماذا لا ينقص العطر ولا الضوء وكلها من عطاءات الخير والجمال. فهل الحب والوطن ماء أو ضوء صباح وعطر ياسمين؟
ثم قال الصباح: بسمة الطفل أو الحبيب كانتصار الوطن وفوح العطر وانبلاج الفجر وانتشار الضوء لا تنقص كلما أشعت.
وقال الصباح: لماذا الضوء الخافت يكفي ليكسر كل الظلمة فتكون الرؤية، بينما تلزم كل العتمة لتكسر بعضاً من الضوء لتنعدم الرؤية.
وتساءل الصباح: كيف يكون بعض الخير ماء وبعضه عطر وبسمات وضوء. وقال: إذا عرف الناس كيف يتعلمون كيف يعاملون الوطن والحب كأنها خير الضوء وفوح العطر من الزهر لا كخير الماء فيقتصدون فيه تنتهي شرور كثيرة في هذه الدنيا.
صباح العلم في الحب والحرب والموسيقى 3-12-2014
سأل الصباح عن منافس للعطر والضوء لا ينضب إن زاد المتمعون بعطائه. فوقف المتواضع منحنياً إلى الأمام وقال: أنا العلم كلما غرفوا من مائي زاد شلالي تدفقاً، وكلما كثر من يستعملني كثرت مواردي حتى تفيض، وأنا الوحيد الذي لا تسبب كثرتي تخمة. فقال الصباح للعلم: ألا تحسد الموسيقى والشعر والحب حيث يستوي مثلك الكلام كلما أخذت منها زادت وما نقصت وكلما أعطيت منها أحسستها تكبر وتنمو. فقال العلم: لو لم يتعلموا لما فعلوا ذلك حتى النصر والهزيمة في الحروب أبعد من علم صناعتها علم تذوقها نصف حقيقتها فالهزيمة لا تقع إذا رفضتها العقول، والأمر علم.
ولما جاء الصباح للعلم وهو يتحدث عن أصول النفس البشرية قال له: وهل الحب علم والحب حرارة مشتعلة وأنت برودة مغالية؟ وهل الموسيقى علم وهي نعومة رقراقة رطبة وأنت جفاف قاتل؟
فقال العلم: كل ما هو أحاسيس ومشاعر هو بعيد عن العلم، و لكن إدراكه واكشتاف أسراره وإجادة مواهبه، كل ذلك يبدأ وينتهي بالعلم. فالحبيب العالم غير الحبيب الجاهل والحب الممتلئ خبرة ومعرفة بمفاتن الروح ومكامن النفس غير الحب الذي لا يملك لإلا قوة اندفاع التناسل أو متعة الجسد والموسيقى المؤسسة بأحاسيسها على اتقان الآلات والتغلغل في مسامها. والأذن الذواقة لحضارات إنسانية أودعت عند العلم ميراثها والتفنن بالمقامات والأدوار بإدراك المخزون المتراكم لدى البشرية إذا أتيحت لمن يملك الاحساس الصافي لا تقارن بموسيقى زقزقة عصفور أو خرير ماء جدول أو منجيرة الراعي. فالعلم يهذب ويغني مواهبنا ومشاعرنا ولا يلغيها.
صباح الياسمين والسيف الدمشقيّ والأسد 4-12-2014
أراد الصباح وضع معادلة الحضارة والحرب بين الدول فقال الحضارة عطر وورود والحرب سيوف ورجال. فنظر الصباح إلى حدائق المدن فوجد وردة مدن الغرب الشائعة عبر مئات السنين رفيقة نبتة الصبّار، أوراق ملونة زاهية تتغير في المواسم وعريضة الكف ونافرة البرعم لكنها بلا رائحة.
وفي مدن الصحراء وجد وروداً صغيرة كرأس دبوس مقفلة على نفسها تتبدل رائحتها بحسب مائها، ولونها متعدّد متبدل بحسب التربة برائحة نفاذة في الليل باهتة في النهار.
فجاء إلى الشام ليجد الياسمين، له اسم ورسم ولون بياض الثلج ينثر العطر صبحاً ومساءً وصيفاً وشتاءً، ولا يتبدل بتبدّل التراب والماء، ويعانق في جبينه علو السماء، فقال هو ماء الفضة والذهب و«النصر اللي انكتب».
سأل الصباح: كيف يُفحص نصل السيف الغربي؟ فعلم أنه يشحذ حتى ينجح بقطع رأس ثور جامح. فقال وسيف الرقصة السعودية؟ فقيل له برأس شاة. فجاء إلى الشام وذهب إلى اختبارات نصول سيوفها فوجدها بلا بقع دماء ونظيفة براقة فتساءل عن السبب، فعلم أنهم يجلسون السيف على عكس نصله، ويرمونه بخيط حرير فيقطعه إلى نصفين… فقال هي أناقة الأسد في قطاف النصر وصناعة الحرب أصالة تاريخ… وأراد السؤال عن سيوف بني عثمان فعلم ألا سيوف لديهم فهم عبر التاريخ يقاتلون بسيوف سواهم. فقال وبئس نصر يسرقونه من سوق التجارة أو يلهثون وراءه بلا سيوف فلا يليق بهم نصر ولا غار.
فقال الصباح: صباح الخير للشام وهي تتثاءب أشد نشاطاً وحيوية من يقظة الحكام العرب واستنفار جيوشهم. وقال صباح الخير للأسد وهو يقول لم يتغير شيء مع غارات التحالف طالما لم يردع تركيا عن إمداد «داعش».