مختصر مفيد
حوار الثنائيات الجديدة في المنطقة يقدّم مشهداً يسمح بالإجابات المتناقضة. فمن زاوية للنظر تبدو العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، وتقابلها العلاقات الروسية ـ التركية معضلتين، أو لغزين، فالتصور الذي يتداولة الكثير من أهل السياسة والإعلام يقول إنّ واشنطن ليست بحاجة إلى روسيا في السعي إلى التفاهم مع طهران. والعكس صحيح والسياسة مصالح، فعين واشنطن على طهران وعين طهران على واشنطن ومصالح كل منهما عن الآخر. فإذا عزمتا على التفاهم خرجت روسيا من حسابيهما، ولذلك ففي الأفق تفاهم إيراني ـ أميركي من وراء ظهر روسيا، ويرى هؤلاء في المقابل أن مناورة روسية ـ تركية تجري للردّ على التفاهم الإيراني ـ الأميركي لتعطيله والسعي إلى الدخول على خطه، من متضررين سعياً إلى لعب هذا الدور ووضعه جانباً، ومصالح تركيا وروسيا الاقتصادية الثنائية ضخمة وهائلة ويكفي تحريرها من عقدة الإلتزام بالتحالفات حتى ينتعش اقتصاد كل منهما. فلماذا يرهنان المصالح لارتباطات مع آخرين لا يقيمون حساباً لهما ويتجهان إلى التفاهم من وراء ظهريهما.
التوقف أمام هذا التحليل يضع جملة من التساؤلات أولها أن النتائج المترتبة على التموضع في الثنائيات المذكورة سياسياً تطاول ما يعتبره الأطراف الأربعة روسيا وأميركا وإيران وتركيا قضية قضاياهم والمقصودة سورية. فأي الخيارات سينتج عن هذه التموضعات في الأزمة السورية؟ ومن هو الطرف الرابح ومن هو الخاسر؟ وإذا كان ثمة حلف رابح من الحلفين الجديدين فأيهما الرابح وكيف يكون حلفاً رابحاً من يضمّ خصمين متناقضين حتى العظم حول سورية ما لم يكن أحدهما قد صار مهزوما؟ فهل تربح واشنطن من دون أن تخسر طهران؟ وهل تربح موسكو من دون أن تخسر أنقرة؟ والعكس صحيح، وإن كان ثمة رابح من كل حلف، فهل يمكن أن تربح واشنطن وأنقرة وتخسر طهران وموسكو، وفي هذه الحالة لماذا تفك واشنطن تحالفها مع أنقرة أو العكس إن كان بينهما كل شي يسير بأحسن حال إلا الموقف المختلف عليه حول سورية، وإن كان الربح على ضفة موسكو وطهران فلماذا لا يواظبان على التحالف ويمنحان خصومها فرصاً للتخفيف من أعباء الهزيمة؟ ومن هو الطرف الذي يرتضي في ذروة الحساسية التي يعيشها الملف السوري أن يمنح خصمه موارد سيرمّم فيها شروط دعمه للجبهة التي ينتمي إليها في الحرب على سورية، سواء إيران أو تركيا. فلماذا تمول روسيا تركيا لتزيد التوغل في سورية عبثاً وترخيباً، أو لماذا تموّل أميركا إيران لتثبت وضع سورية وتحميه من الضغوط؟
ما يجري في واقع الحال أن أميركا المعترفة بفشل حربها على سورية تتموضع قرب حلفاء سورية استباقاً، وتنخرط في تفاهمات تحلحل قضايا الخلاف مع إيران تحت نظر وبمعونة من روسيا وبالمقابل تركيا المتمردة على واشنطن تحت عناوين محددة وجدت في روسيا الجهة المهيأة لإنزالها عن شجرة التصعيد فكانت العروض الاقتصادية الروسية لتثبيت مكانة لتركيا في الحل السوري. ومن المفيد أن نعرف أن خلافات فيينا حول الملف النووي تمّت السيطرة عليها بتدخل روسي، والتفاهمات الروسية مع أنقرة جرت تحت العين الأميركية.
العالم يواجه قدر التفاهمات المتسارعة بعد بلوغ الحروب الطريق المسدود، والتفاهمات القائمة على التشبيك صارت قدراً لا مفرّ منه بعد سنوات الحرب المفتوحة، وما أدّت إليه من نتائج باستيلاد الإرهاب.