نقاط على الحروف
نقاط على الحروف
ماذا يريد الأسد؟
ناصر قنديل
– ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد عن غارات التحالف الدولي الذي تتزعّمه واشنطن للحرب على «داعش»، يجب أن يلقى التوقف والتأني والتمعّن من كلّ المعنيين بهذه الحرب، فالأسد يقول لـ«باري ماتش» الفرنسية، إنّ الغارات التي يشنّها التحالف على «داعش» لا تساعد على تحقيق النصر، من جهة، ومن جهة أخرى يرى المساندة الحقيقية المطلوبة من التحالف والتي تغيّر الموازين بضبط الحدود التركية لمنع تدفق المال والسلاح والمقاتلين.
– الذين يستسيغون الانبهار بالأميركي يعتبرون أنّ مجرّد القول الأميركي أنه يعلم بأنّ الأسد مستفيد من غاراتهم وأنهم لا ينوون استهداف الجيش السوري كاف لينال التحالف تصفيق الأسد من جهة، وشعوره بالراحة لأنه يتفادى خطراً كبيراً، فيمتدح التحالف الذي يظنون أنّ الأسد يسعى جاهداً لقبول أوراق اعتماده كعضو فاعل فيه، من جهة مقابلة، خصوصاً أنّ هؤلاء المنبهرين والمبهرين، ما زالوا يظنون أنّ سورية برئاسة الأسد تضع نصب أعينها في كلّ شاردة وواردة كيف تنال الرضا الأميركي، لذلك من أصابتهم الدهشة من كلام الأسد اعتبروه رسالة احتجاج على عدم قبول عضويته في التحالف.
– الدول التي تحترم نفسها وقضاياها وشعبها وتضحياته وتضحيات جيشها مثل ما هو حال سورية لا تشتغل بالطريقة التي ينظر عبرها المتسلّقون والمتطفّلون والطفيليّون. فالمسألة ببساطة وواقعية، هل يمكن للغارات الأميركية أن تلحق الهزيمة بـ«داعش»؟ والجواب الأميركي بلسان رئيس أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي ثم بلسان الرئيس الأميركي باراك أوباما هو بالنفي، لأنّ الحرب لن تحسم من دون وجود قوات برية تتولى سحق مجموعات «داعش» وانتزاع الأرض التي تتمركز فيها من بين أيديها، والقادة الأميركيون بمن فيهم أوباما وديمبسي يعترفون أنّ ما يقولونه عن «معارضة سورية معتدلة» هي الشريك البري في الحرب على «داعش» في سورية لا يتخطى حدود التمنيات، وانهيار وتلاشي هذه الجماعات الافتراضية على أيدي «النصرة» و«داعش» يومي ومتكرّر، تحت عيون الأميركيين، ولذلك ضمناً، لا يوجد شيء اسمه قلق سوري من هذا الاعتماد ليفسّر البعض موقف الأسد بالقلق من هذا الخيار الوهمي الذي يظهر الواقع يومياً، أنه كما سبق ووصفه الرئيس أوباما نفسه بـ«الفانتازيا» التي تستهلك الوقت والجهد بلا طائل، لذلك فالقلق السوري هو أن تطول فترة غارات التحالف بلا تحقيق شيء يُذكر في مجال التقدم نحو النصر على «داعش»، وتصير جزءاً من روتين الحرب، التي تشبه قوانينها قوانين العلاقة بين الجرثومة والمضادات لها، بحيث متى صار التعامل مع المضادات تقليدياً وروتينياً بالنسبة للجرثومة تلقحت واستمدّت قدرة البقاء وتجذرت وصار اقتلاعها أصعب.
– كلام الأسد عن عدم فائدة الغارات، تدعمه فوق أقوال أوباما وديمبسي وسواهما، وقائع كلّ حروب العصابات، وفي مقدمها تجربة الأميركيين في تورا بورا الأفغانية ووزيرستان الباكستانية مع «القاعدة»، حيث تدرّب وتربّى ونشأ مقاتلو «داعش»، ومنذ أكثر من عشر سنوات والغارات خبز يومي هناك حتى تعبت المقاتلات النفاثة وتفرّغت الطائرات من دون طيار والنتيجة راوح مكانك، وبالمقابل أمامنا تجارب الجيش السوري بسلاح جو لا يمكن مقارنة قدراته وتجهيزاته وفاعليته بسلاح الجو الأميركي، لكن لمجرّد كونه عاملاً مساعداً في حرب تخوضها بالأصل الوحدات البرية للجيش السوري يبدو تدخله فعّالاً أكثر وذا مردود أعلى، بدليل ما يجري على بعد كليومترات بسيطة من جبهات يهتمّ بها الأميركيون ضدّ «داعش» وجبهات يقاتل فيها الجيش السوري ويحقق التقدم تلو التقدم في أرياف حلب.
– الأمر الثاني في كلام الأسد عن العمل الأكثر جدوى من الغارات يتعدّى مجرّد التشكيك التقني بجدواها، في ظلّ عدم وقف تدفق المقاتلين والسلاح والمال، لتعويض الخسائر التي تنجم عن الغارات، لأنه الجانب السياسي في الأمر، وهو هنا قبل كلّ شيء، أنّ الطابع الأجنبي للتدخل الأميركي، يمنح من يتصدّى له بعضاً من وطنية وتعاطفاً يرتبطان بتاريخ وذاكرة لا مكان للأميركي فيهما إلا بصفته العدو، خصوصاً أنّ الجهة التي يجري الحديث عنها في هذه الحرب تتخذ العنوان الديني الإسلامي شعاراً لها، والخلط الأميركي بين الإسلام والإرهاب قديم جداً، قِدم الدعم الأميركي اللامحدود للإرهاب «الإسرائيلي»، لذلك يصير من يشارك الأميركي في الحرب مشكوكاً في وطنيته، بل تصير الحرب كلها مشكوكاً في نزاهتها وصحة أهدافها، ولذلك لا تسعى سورية أن تكون جزءاً من تحالف يظنّ كثيرون أنها معنية به ومنشغلة بأن يقبلها بين صفوفه، بينما ترى سورية من وحي التجارب أنّ تولي أبناء البلد مهمة التصدّي للإرهاب الذي ينتمي أغلب عناصره إلى أجانب عن سورية، ينزع من يد الإرهاب شعاره الديني من جهة، ويمنح من يحاربه صفة الوطنية من جهة مقابلة.
– ما يستطيعه التحالف وهو الأهمّ من غاراته، ولا يفعله، هو أن يوقف الدعم التركي اللامحدود لـ«داعش»، هذه هي القضية السياسية الأهمّ، التي يركز عليها الأسد والتي شكلت محور مناقشاته مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، لدى البحث في مبادرته حول حلب وتجميد النزاع، وربطه كلّ حلّ أمني بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بإغلاق الحدود ومنع تدفق السلاح والمال والمسلحين، واللافت فعلاً، انه على رغم ما تتضمّنه هذه القرارات، وما تعنيه من إدراك للمهمة، يستمرّ التجاهل، ويدور النقاش مع حكومة أنقرة وفقاً لمعادلات الاسترضاء، وتقديم الأعذار لها، فعندما تتدخل أنقرة في شؤون سيادية للدولة السورية وتتحدث عن سعيها لتغيير نظامها السياسي، لا يكون الجواب الأميركي أنّ هذا شأن السوريين وحدهم، وأنّ أيّ تدخل دولي في هذا الشأن له ضوابط وشروط، يجب أن تمرّ في نهاية المطاف، إذا سلّمنا بصحتها جدلاً، عبر مجلس الأمن الدولي، بل يكون جواب واشنطن هو أنها توافق على الهدف لكنها تتساءل عن وجود خطة لتحقيقه!
– ما قاله الأسد يجب أن يدق جرس الإنذار في واشنطن ويطرح على صنّاع القرار هناك، السؤال الخطير، إلى أين؟ نحو تورا بورا جديدة ووزيرستان جديدة؟
– سورية قرّرت أنها لا تريد مصير باكستان وأفغانستان، ولذلك لا يهمّها من هذا التحالف إلا الأخذ على يد تركيا التي لا تعرف أنها باكستان في حالة تحويل سورية إلى أفغانستان، وأنّ زمناً ليس ببعيد سوف تشهد فيه مناطق الجنوب التركي ما تشهده مناطق جنوب باكستان من تفشي ظاهرة تمدّد الانتشار الدواعشي بكلّ مظاهره، إلى الغارات الأميركية بطائرات من دون طيار.
– يكفي أن تكفوا شروركم عنا وخذوا تحالفكم وارحلوا، ونحن نتكفل بألف «داعش» و«داعش، هذا هو مضمون كلام الأسد.
– كلام الأسد أسد الكلام.