الكيماوي السوري… وسيناريو التدخّل العسكري الأميركي

عامر نعيم الياس

هجوم بالكلور وقع في كفر زيتا في محافظة حماة، «الطرفان: السلطة والمعارضة، تبادلا الاتهامات». سامانثا باور، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة أكدت أن التقارير عن الهجوم بالغازات السامة في قرية كفر زيتا «لا تزال غامضة ولا أساس لها»، مضيفةً: «إننا سنبذل كل ما في وسعنا لتحديد ما حدث، وبعد ذلك ننظر في الخطوات التي يمكن اتخاذها ردّاً على ذلك».

إن ما سبق يشكل الثابت الناظم لعناوين الصحافتين الأميركية والبريطانية حول الكيماوي السوري، ومع أن الصحافة الأميركية حاولت عدم إعطاء الملف حجماً كبيراً في عناوين صحفها، على عكس الصحافة البريطانية التي جعلته عنواناً يتكرر في كافة الصحف اليومية على مختلف توجهاتها، إلا أن تغيير اللهجة والنزوع إلى التهدئة ومحاولة الإيحاء بالموضوعية عبر طرح وجهة نظر الحكومة السورية والمعارضة المدعومة من الغرب على قدم التساوي، كل ذلك يطرح تساؤلاً حول توقيت إعادة طرح ملف الكيماوي السوري في هذا التوقيت بالذات، والأسباب التي دفعت الإعلام الغربي إلى عدم شن حملة إعلامية على الدولة السورية استناداً إلى ملف «الخط الأحمر»؟

مما لا شك فيه أن التقدّم الميداني للجيش العربي السوري على كامل الأرض السورية، عامل مقلق للغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً كونها تدرك جيداً أن شكل الأزمة في سورية ومآلاتها يرسمها التوازن على الأرض دون غيره، توازن يحدّد وحده قوة الشد والجذب بين الأفرقاء الدوليين والإقليميين في ملف الصراع على سورية وفي سورية. وبالعودة إلى شهري آذار وآب من عام 2013 في خان العسل في حلب وفي الغوطة الشرقية على التوالي، وُظّف ملف السلاح الكيماوي لتحقيق أمرين، أولهما وقف العمليات العسكرية للدولة السورية عبر ترهيبها وحلفائها في التلويح بملف استخدام أسلحة غير تقليدية ومحظورة دولياً في النزاع السوري. وثانيهما محاولة دفع واشنطن إلى اتخاذ قرار بالتدخل العسكري المباشر في سورية وتوجيه ضربة عسكرية للدولة فيها، استناداً إلى الالتزام العلني للرئيس الأميركي باراك أوباما بتوجيه ضربة إلى الدولة السورية في حال تجاوزت «الخطوط الحمراء» واستخدمت سلاحاً غير تقليدي.

اليوم، يحاول إعلام المحافظين الجدد سواء في الولايات المتحدة أو في بعض الممالك والإمارات العربية الترويج لهذا الأمر كون ملف استخدام السلاح الكيماوي أعيد إلى الواجهة مرة أخرى. لكن الصحافة الغربية مشت في خط مخالف تماماً لما يتمناه بعض البيادق الإقليمية وبعض غلاة المحافظين في واشنطن.

وفي سياق قراءة عوامل اختلاف التوجه الإعلامي الغربي وحتى التصريحات الرسمية من ملف الكيماوي السوري عما سبق، يمكن لحظ التالي:

ـ قبيل الحديث عن استخدام مفترض لمواد كيماوية في بعض مناطق الريف السوري، خصوصاً في كفر زيتا في ريف محافظة حماة، قام الإعلام الغربي بنشر تسريبات وتنسيق حملة تتهم تركيا بالضلوع في تسليم مواد كيماوية إلى «جبهة النصرة» في سورية وفقاً للصحافي الأمركي سايمور هيرش، بهدف جر الغرب إلى «مصيدة» بحسب روبرت فيسك في «إندبندنت» البريطانية ودفعه إلى التدخل العسكري المباشر في سورية. حملة ما كان لها لتتم لولا وجود توجه لدى بعض النخب السياسية الغربية الحاكمة لقطع الطريق أمام توظيف هذا الملف مرة أخرى في جر بعض الحكومات إلى تصعيد النزاع في سورية.

وهنا تقول «غارديان» في افتتاحيتها يوم أمس «إن الادعاءات حول دور الحكومة التركية في هجمات الكيماوي التي حصلت في سورية، هي ادعاءات جدية للغاية، ومن المستغرب الاستمرار بتحميل نظام الأسد المسؤولية عن تلك الهجمات».

ـ الخلاف داخل الإدارة الأميركية بين الجناح العسكري والجناح السياسي حول سورية أُبرز إلى العلن، وهو عامل لا يمكن إسقاطه في سياق مناقشة احتمالات التلويح بضربة عسكرية لسورية بحسب ما تريد بعض النخب السياسية الحاكمة في واشنطن. وهنا تقول «إندبندنت» البريطانية في مقال للكاتب باتريك كوكبرن: «وزارة الدفاع الأميركية أكثر حذراً من وزارة الخارجية لناحية ممارسة المزيد من الضغط العسكري على الأسد، لأنها تعتبر مثل هذه الضغوط على أنها بداية لتوسيع نطاق المواجهة، لذلك يعتبر كلٌّ من وزير الدفاع ورئيس الأركان ديمبسي الأكثر معارضة لتوسيع الدور العسكري الأميركي في سورية موافقين فقط على تدريب 600 متمرّد شهرياً».

ـ خلال مقابلة للرئيس الأميركي قبيل ذهابه إلى السعودية ركز أوباما على أمرين قال إنهما دفعاه للعدول عن ضرب سورية، أولهما والأهم «استنزاف القوة العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان وعدم قدرة بلاده على فتح جبهة جديدة في سورية»، وثانيهما «محدودية تأثير أي ضربة جوية محدودة على النظام في سورية».

ـ الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول الكيماوي السوري يُنفّذ ولم يتأثر بالخلاف الناشئ بين الدولتين حول أوكرانيا والقرم، على رغم محاولات الحديث عن تجاوز المدد الزمنية والتأخير في تفكيك الترسانة الكيماوية التي فُكّك ثلثاها بحسب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية المشرفة على تنفيذ قرار مجلس الأمن حول الكيماوي.

بناءً على العوامل السابقة، فإن محاولات الإيحاء بتصعيد عسكري غربي جديد في سورية استناداً إلى إعادة تعويم الكيماوي السوري لا تستند سوى على أوهام المراهنين على سقوط الدولة السورية منذ ثلاث سنوات وحتى يومنا هذا.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى