السيسي مع الحلّ السياسي
خضر سعادة خروبي
قد يبدو عنوان هذا المقال مألوفاً للكثيرين، إلا أنّ السياق السياسي الزمني والمكاني له بالغ الدلالة. فعندما يردّد مسؤول عربي هذا القول في عاصمة كبرى، لها ما لها من شؤون وشجون في منطقتنا، فلا شكّ في أنّ الأمر لافت ومهم. فما بالك إذا كان هذا المسؤول رئيساً لدولة عربية محورية بحجم مصر؟
وإذا ما تطرقنا إلى خصوصية تلك العاصمة الأوروبية الكبرى بالذات، والمقصود هنا باريس، فالجميع يعلم حقيقة الدور الذي اضطلعت وما زالت تضطلع به في «لعبة الموت» الدائرة في سورية وانخراطها الذي تجاوز شقه السياسي والإعلامي، إلى العمل الميداني المباشر جنباً إلى جنب مع جماعات القتل والتخريب هناك. ويأتي تأكيد الرئيس المصري على الحلّ السياسي للأزمة السورية، في وقتٍ تعجّ فيه المنطقة بحركة دبلوماسية نشطة، في أعقاب اتفاق الغرب مع طهران على الإبقاء على حظوظ «زمن السياسة» في مستقبل المنطقة، ومع ذهاب المستجدات في اتجاه مبادرات دولية وأفكار روسية لوضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي. وعندما يستقيل أو يُقال وزير الدفاع الأميركي على خلفية خلافات حول استراتيجية إدارة أوباما لـ»مكافحة الإرهاب»، ومن ثم نسمع نبرة عالية من أردوغان في وجه واشنطن، فإنّ ذلك يؤشر إلى أنّ وجهة الأمور تنحو في اتجاه مختلف.
تتحدث بعض الدوائر عن انقلاب ما يحدث أو سوف يحدث، ولدى الحديث عن انقلاب، فإنّ الأنظار ستتجه لا محالة نحو الجرح النازف في سورية والأزمة المستحكمة في استعصاء حلول إيقافه حتى الآن. أمّا اليوم، فهناك واقع ما قد تغيّر، فبعد صمود الدولة السورية بمؤازرة شعبها وأصدقائه الحقيقيين في مقارعة الحملة الإرهابية الكونية عليها، وبعد أن أسقطت «أم الدنيا» بثورتها رأس «التجربة الإسلاموية « وما بذلته تلك التجربة من مساع للنفخ في نار الفتنة المذهبية التي ما زال أعداء الأمة يراهنون عليها للنيل من وحدة وتماسك النسيج المجتمعي في البلدان العربية، وبعد أن عادت تونس إلى ثورتها التي أعادت إليها كلّ ما فُقد بينها وبين أشقائها العرب، ولا سيما سورية، فمن المؤكد حتماً أنّ هناك شيئاً ما قد تغير، والأكثر إثارة في الموضوع هو أنّ معسكر العدوان على سورية، هو الذي بات يبحث عن مخرج، وبذلك سيكون مضطراً للتنسيق مع حكومة عقد عزمه لسنوات على إسقاطها، وكأنه يعترف بفشله ولو متأخراً. ووفقاً لبعض المصادر الدبلوماسية، تجاوز «العالم المتمدن» مقولة «إسقاط النظام» في سورية لاعتباراتٍ، منها ما يتعلق بأولوية تحدث عنها الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي الأخير مع نظيره المصري، وهي مكافحة إرهاب «داعش» المتمدّد في «الخاصرة الرخوة» لباريس في حوض المتوسط، ومنها ما يرتبط بصيغ الترتيب لـ»حل ّسياسي» يقبل به الشعب السوري ويرتضيه الحليف في موسكو، بالإضافة إلى واشنطن التي كانت وحلفاؤها من تولى، منذ البداية، الإشراف على «حفلة التدمير» الممنهجة لكلّ ما يمت إلى الوطن السوري ومقوماته بصلة. وقد أيد الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الحلّ السياسي من باريس وشدّد عليه بعد زيارات سابقة قام بها إلى الرياض والجزائر.
إنّ زيارات السيسي تلك لبعض العواصم العربية، وأخيراً للعاصمة الفرنسية، واضحة المعالم والأهداف وهي تبدو كأنها جزء من توجهات ضرورية للرئاسة المصرية في مقاربة الهواجس الاقتصادية والأمنية لمصر، كما تنقل المصادر. فالرئيس «المشير» الآتي من المؤسسة العسكرية العربية الأعظم، يبدو مقتنعاً تماماً بمقولة مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا بأنّ «أمن سورية من أمن مصر» وبالعكس. وإنّ تجربة محمد علي باشا، لم تخلُ من محطات تصدّى فيها لإرهاب المتطرفين في المنطقة العربية، وهو خطر بات يستشعره السيسي، ويحسّ به عن قرب أكثر من أي وقت مضى، من دون أن يجهل العواقب الوخيمة المترتبة على التهاون في شأن محاربته في مصر، كما في سورية والمنطقة. ويتوقف المراقبون عند المواقف المصرية بعد ثورة 30 حزيران، التي ساهمت إلى حد ّكبير في لجم «الحماس الثوري الساذج» و»الخبيث» لبعض الأطراف العربية في استغلال الأحداث السورية، وكانت سبباً في إعادة العلم السوري إلى قاعات الجامعة العربية وهو حدث له مدلولاته السياسية التي لا يمكن إغفالها، مع التذكير بأنّ السيسي كان لاعباً مهماً في صناعة السياسة الخارجية المصرية في الحقبة التي سبقت دخوله قصر الرئاسة. وحتى الآن، يرى هؤلاء أن ّالرئيس المصري لا يزال متمسّكاً بـ»لاءاته الثلاث» بخصوص سورية، وهي: لا للتقسيم، لا للإرهاب، لا للحلّ العسكري. إنّ دور مصر مهم جداً في هذه المرحلة، فالقاهرة «الجريحة»، وإن كانت تحتاج إلى عون جميع أشقائها العرب حالياً، إلا أنها تبقى الأقدر على جمعهم لأسباب ترتبط بالوزن السياسي والعسكري والديمغرافي لـ «أرض الكنانة» ، إضافة إلى ما تحظى به من عمق ديني وما تمثله كمركز إشعاع حضاري للمنطقة. لذا عندما يقول السيسي أنه مع الحل السياسي، فلننصت إليه جيداً.