بوتين في تركيا: نقاط التقارب الاقتصادي… والخلاف السياسي

لورا محمود

في ضوء التحولات والتغيرات على المستوى الدولي بصفة عامة وعلى المستوى الإقليمي على وجه التحديد، يبرز التقارب الروسي ـ التركي إذ تمر العلاقات بين الطرفين اليوم بمرحلة تغيير واضحة الملامح. ولا نبالغ عند القول إن طبيعة الموقع الجغرافي لتركيا هي التي حددت عبر التاريخ مسار هذه العلاقة، فهناك ميراث تاريخي من الخلافات، ولكن هناك حقائق جلية وواضحة لا يمكن إغفالها حيال بعض قضايا المنطقة، وفي مقدمها الأزمة السورية، على رغم أن روسيا ترى في تركيا منفذاً جديداً على المنطقة العربية والإسلامية وآسيا الوسطى في ظل الصعود الإسلامي التي وضعت روسيا نفسها في وضع مواجهة معه.

ترى تركيا في روسيا شريكاً اقتصادياً وسياسياً مهماً في المنطقة بسبب موقعها وتأثيرها السياسي. واليوم نرى هذا التقارب يصل إلى أوجه بخاصة بعد لقاء أردوغان بنائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي طرح أن تتبنى تركيا الأجندة الأميركية في المسألتين العراقية والسورية، وبعد قيام بايدن في تشرين الأول الماضي باتهام تركيا بتمويل وتسليح الإرهابيين في سورية، ووقتها طالب أردوغان بايدن بالاعتذار وحصل مدّ وجزر في الموضوع. وأيضاً بعد ما أوقف الاتحاد الأوروبي مشروع «ساوث ستريم» في إطار العقوبات التي يفرضها على موسكو بسبب موقف الأخيرة من النزاع في أوكرانيا.

يذكرأن كلفة مشروع «ساوث ستريم» نحو 16 مليار يورو والهدف منه تموين أوروبا بالغاز الروسي عبر الالتفاف على أوكرانيا. وكان العمل في خط الأنابيب هذا قد بدأ في كانون الأول 2012 على أن يربط روسيا ببلغاريا ومنها إلى أوروبا الغربية عبر صربيا والمجر وسلوفينيا. وكان من المفترض أن تبلغ طاقته نحو 63 مليار متر مكعب من الغاز.

وبعد الاجتماع الأخير بين بوتين وأردوغان قررت روسيا زيادة كمية الغاز الروسي المصدر إلى تركيا وخفض سعره، وقال بوتين إنه تقررت زيادة الصادرات بثلاثة مليارات متر مكعب لتلبية حاجات تركيا، وأضاف: «سنخفض سعر الغاز الطبيعي بنسبة 6 في المئة اعتباراً من الأول من كانون الثاني 2015 للإمدادات المصدرة إلى تركيا».

وتعتبر تركيا من كبار مستوردي الغاز الروسي الذي يؤمن 60 في المئة من حاجاتها للغاز. كما وقعت روسيا وتركيا اتفاقاً لبناء أنبوب غاز يربط بين البلدين عبر البحر الأسود، وقد بلغت قيمة المبادلات التجارية بين روسيا وتركيا 32.7 مليار دولار، ويعمل البلدان على رفع هذه القيمة لتصل إلى مئة مليار دولار بحلول عام 2023. وفي اختتام اجتماع طويل للجنة التعاون المشتركة بين البلدين جرى التوقيع على سلسلة من الاتفاقات خصوصاً في المجال الاقتصادي، ما يؤكد رغبة البلدين بتطوير المبادلات التجارية بمعزل عن الخلاف السياسي خصوصاً حول سورية، إذ قال بوتين إن الرئيس السوري بشار الأسد «يتمتع بشعبية واسعة في بلاده، ونحن متفقان على أن الوضع في سورية ليس طبيعياً»، ورد أردوغان بشكل جاف قائلاً: «إن الانقلابيين في العالم غالباً ما يفوزون بالغالبية الساحقة من الأصوات إلا أن لتركيا وروسيا موقفاً موحداً إزاء خطورة التهديد المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية».

ووسط خلاف الجانبين حول الأزمة السورية والحسابات الاستراتيجية، فمن الاستحالة أن تتخلى روسيا عن حليف وشريك مهم يشكل قيمة أمنية عالية لها، خصوصاً أن النظام في سورية نجح في الصمود أمام الجهود الرامية لإسقاطه على رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات من بدء الأزمة بفضل التعاون الروسي إلى جانب الموقف الدولي المنحاز لها متمثلاً بالصين وإيران.

وتبقى العقدة السورية والتي تلعب تركيا فيها دوراً خطيراً بعد أن تورطت في هذه الأزمة سياسياً وعسكرياً والتي تعتقد روسيا أنها تشكل تهديداً لأمنها والمنطقة ككل، فروسيا وتركيا شريكتان في أنبوب السيل الجنوبي من روسيا إلى جنوب أوروبا بدلاً من خط الغاز «نابوكو»، وصارت إيران وفقاً لبيانات البنتاغون شريكة في الغارات على «داعش» في العراق، بترحيب من كيري، على رغم النفي الإيراني، والمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وفقاً لنائب وزير الخارجية الإيرانية حسين عبد اللهيان، تقترب من التوصل إلى الحلّ النهائي في سبعة أيام بدلاً من سبعة أشهر جرى التفاهم عليها في فيينا، وقيل إنها مفاوضات شائكة ومعقدة وطويلة.

إن الروس يبتغون من تسخين حرارة الاتصالات مع أنقرة استكشاف استعداد حكام تركيا لصفحة جديدة من التعاون التركي ـ الروسي على أكثر من صعيد، ما قد يوجه ضربة للحصار الغربي على موسكو اقتصادياً، وإذا ما تلاقى الحوار الإيراني الأميركي بخصوص الملف النووي وتطوراته التي تبعد أنقرة أكثر من واشنطن.

التقارب المتزايد بين طهران وواشنطن، لا يعني بالضرورة تباعداً من موسكو، ولا يمكن أن توازنه، على المستوى الإقليمي، إلا علاقات أكثر متانة مع الجار التركيّ، لكن السؤال يبقى ما هي التطورات المقبلة على الساحة السورية بعد التقارب الروسي ـ التركي والاتفاق المرتقب الإيراني ـ الأميركي؟ هذا ما ستتضح معالمه في الأيام المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى