الانتماء قيمة معنويّة تربط الإنسان بمكان وفكرة ووطن ودولة يحمل جنسيّتها

تعتبر الفرجة الشعبية التي أرهصت فن المسرح في العالم، إحدى الوسائل التثقيفية التي جذبت وما زالت تجذب الأطفال وتأخذهم إلى عالم يتّحد بشخصياتهم وتجاربهم وقيمهم، لتعلّمهم وتثقفهم.

كتاب «فنون الفرجة الشعبية وثقافة الطفل» إطلالة علمية على الفرجة الشعبية بوصفها موضوعاً مهماً من مواضيع المأثورات الشعبية المصرية، وتستعين بالأراغوز لتبث من خلاله بعض المفاهيم والقيم للأطفال.

تقول الباحثة أماني الجندي في مقدمة الكتاب: «تتمثل الفنون الشعبية تعبيراً لغوياً حصل في اللغات العالمية ثم العربية ليقابل جانب التراث الشعبي في ما تدل عليه كلمة فولكلور. أما اصطلاح «الفولكلور» فيعتبر أقدم هذه التعابير، وصيغت هذه الكلمة من لفظين هما «فولك» بمعنى الشعب، و«لور» بمعنى الحكمة.

ويرى بعض العلماء أن الفولكلور هو الثقافة التي انتقلت مشافهة عامة، وهو التراث الشعبي. أما علماء الأنثرولوجيا فوسعوا دائرة الفولكلور بحيث لم يصبح منصباً على الأدب وحده، بل شمل كل ما يتصل بالثقافة الشعبية من عادات وتقاليد وعرف سائد وطقوس دينية أي أنّه المأثورات والممارسات والمعتقدات الخرافية. الطفولة هي من المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، وتعد ثقافة الطفل البنية الأولى ثقافة الإنسان والمجتمع، ويحرص كل مجتمع متقدم على أن يتمتع الطفل بجميع أسباب السعادة والرفاهية والتثقيف والتفكير السليم، فالطفولة هي حجر الأساس في بناء المجتمعات الحديثة، والطفل هو الثروة التحتية لأي أمة»، وتوضح الباحثة مفهوم الانتماء قائلة: «الانتماء هو شعور الفرد بأنه جزء أساسي من جماعة مرتبط بها ومتوحد معها. وهو شعور بالمسؤولية تجاهها، ويعرفه آخرون بأنه رغبة الفرد في الارتباط بالآخرين داخل الأسرة وفي المدرسة وجماعة الأفراد، والأبناء على علاقة طيبة بهم تسودها مشاعر الود والمحبة. الانتماء قيمة معنوية تربط الإنسان بمكان ما أو أشخاص أو بفكرة ، وقبل كل شيء بوطن ودولة يحمل جنسيتها، فهو لا يدرّس في الكتب، بل من خلال مرور الطفل بالعديد من الخبرات والتجارب التي يكتسبها عن طريق الاحتكاك بالمجموعات التي يتعايش معها في وطنه الصغير المتمثل في أسرته ومدرسته وزملائه في الرياضة التي يمارسها، والمحافظة على نظافة المكان الذي ينتمي إليه، ثم يأتي الانتماء تلقائياً إلى كل جزء في الوطن الكبير. ويرتبط النمو الثقافي للطفل بالمعرفة والقراءة، إذ ينتقل منها من مرحلة تعلم القراءة إلى القراءة للتعلم، ويستخدم الطفل عاداته واتجاهاته التي اكتسبها في المراحل السابقة لتحصيل المعلومات. ويقبل الطفل في هذه المرحلة على قصص المغامرات والرحلات والأبطال والقادة والمكتشفين والقصص البوليسية والمعلومات». وتعرف الباحثة «مفهوم الفرجة» كالآتي: «الفرجة من الانفراج، وهي عكس الكبت، وعكس التأزم، والفرجة هي الخلوص من الشدة، وعند المولدين اسم لما يتفرج عليه من الغرائب، وهي المشاهدة. أما عن الشكل العام الذي نسميه بالفن الشعبي، فينظر إلى الفن الشعبي في جميع صوره وأشكاله على أنه إنتاج فني ذو أصالة ابتكارية، وهو مليء بالرمز ومرتبط بالتاريخ وبالأسطورة، وهو مع ذلك الفن الذي يعكس نفسه الخبرة التي عاشها الفنان الشعبي نفسه تجاه أحاسيسه وأحاسيس الشعب.

ويعتبر الأراجواز من الفنون الترفيهية الشعية المصرية، إذ ينتشر في المناطق الريفية والشعبية، خاصة في المواسم والأعياد والموالد. أما صندوق الدنيا فهو أحد مظاهر الفرجة الشعبية التي تتوسل الصور والرقي في عروضها، وهو أحد مظاهر الفرجة الشعبية التي يمكن أن تتضمن بعض العناصر الدرامية. ولا أحد يعرف تاريخ صندوق الدنيا ونشأته وموطنه، لكن الثابت تاريخياً أنه ظهر قبل خيال الظل وكان منتشراً مصرياً وعربياً، ثم انقرض لأسباب عديدة. والمقلداتي هو المؤلف والمخرج المؤدي. إنه ممثل تلقائي مدرب من خلال الممارسة الطويلة بالاعتماد على موهبته التي اختبرها بتفاعله الطويل مع الجمهور. ويقدم المقلداتي فناً يعتمد على مزاج واحد وموقف بسيط، أو على حدث بسيط وقصير، ويقدم شكلاً من أشكال الفرجة الشعبية المسرحية. المقلداتي من مفردات الدراما الشعبية التي تعتمد على الممثل وعلى الحضور الحي المباشر أمام الجمهور، وإلى ذلك يشكل جزءاً من الظاهرة المسرحية الفولكلورية. أما السامر فهو مظهر من مظاهر الفرجة الشعبية البشرية، ليس فناً أو تقنية بقدر ما هو مكان عرض شعبي تقدم فيه مجموعة من الفصول المتنوعة الشعبية المنبع، فهو أشبه بمسرح المنوعات المعروف الآن. اختلف الباحثون حول نشأة السامر المصري، فالبعض يعتقد أنه نشأ في ظل الاحتلال العثماني، والبعض الآخر يعتقد أنه نشأ في ظل الاحتلال الفرنسي عندما دعت الحملة الفرنسية إحدى فرقها المسرحية لتقديم عروضها على جنود الحملة في القاهرة. السمر والسامرة في اللغة العربية هو حديث الليل، والسمار هم الذين يسمرون ويسهرون للاستماع إلى هذه الحكايات».

تشير الباحثة أيضاً إلى «المحبظين» المحبطين ، قائلة: «كلمة محبظين جمع مذكر سالم للمفرد محبظ، ولا نعثر على هذا المعنى إلا في قاموس اللهجة العامية المصرية الصادر في القاهرة عام 1895، ومعنى حبظ فيه يمثل مسرحية هابطة أو شيئاً ذا رقة وغرابة، والمحبظ بالباء المفتوحة المشددة هو ممثل المسرحية الهابطة. وكانت فرق المحبظين جوالة تعتمد على مختلف عناصر العرض المسرحي من خلال نص وشخوص وحوار ولغة مسرحية. ومسرح المحبظين لم يكن رسمياً أو نظامياً بل كان شعبياً وخالياً من التأثر الأجنبي، وكانت نصوصهم نابعة من البيئة المحلية. كما أن مسرح المحبظين هو دراما شعبية صدر عن الشعب ضرورات اجتماعية ونفسية وسياسية وجمالية، والمحبظون هم الشكل الحصري لسامر القرية، وأي شكل من هذه الدراما المسرحية السامر المقلداتي المحبظون تعتمد على الممثل، وعلى حضوره الحي وتلجأ إلى الفضاء المسرحي للتعبير، كما يستخدم جميع أدوات المسرح من ديكور وإكسسوار وأداء وحركة إلخ. وفرقة المحبظين هي سامر المدينة، وهي ممثل سامر القرية تبدأ بالغناء والرقص ثم تقدم تمثليتين يليهما فاصل ضاحك. ومن أروع المسرحيات تلك التي وضعها لين وهي عن الفلاح «عوض» تجسد الاستغلال الاجتماعي ومدى الاستغلال لزوجة الفلاح «عوض» … .

في خاتمة الكتاب تُدرج الباحثة دراسة حول دور الفرجة الشعبية واستخدامها في قصور الثقافة لتنمية الوعي الثقافي لدى طفل الريف، ممثلة في فن «الأرغواز» على مسرح الدمى.

صدر كتاب «فنون الفرجة الشعبية … وثقافة الطفل» لأماني الجندي لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة، في مئتي صفحة قطعاً وسطاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى