حظوظ آشتون كارتر لمصادقة الكونغرس على تسلمه وزارة الدفاع

انفرجت أسارير الساسة والمتنفذين في واشنطن لترشيح الرئيس اوباما آشتون كارتر لمنصب وزير الدفاع، وانهالت عليه آيات الثناء والتبجيل لكفاءته العالية، لا سيما خلفيته الاكاديمية في حقل الفيزياء النظرية، وكرسيه للتدريس في جامعة هارفارد العريقة، واختصاصه في مجال الأسلحة النووية، على الرغم من خلوّ سجله من الخدمة العسكرية بخلاف سلفه تشاك هيغل، وشحّ خبرته في شؤون الشرق الاوسط عوّضها اختصاصه في الشؤون السوفياتية والأسلحة النووية بمجملها.

شغل كارتر منصب نائب وزير الدفاع في عهد الرئيسين بيل كلينتون وباراك اوباما، ولا يزال مقرّباً من صناعات الاسلحة. تميّز بمواقفه المتشدّدة ضدّ «الدول المارقة،» اي ّالخارجة عن الطاعة لاميركا في ما يتعلق بالأسلحة النووية، كوريا الشمالية وايران، وباستطاعته تنفيذ خطاب معسكر الصقور للعدوان على ايران ان تتطلب الأمر. ما يعزز هذا الاحتمال دراسة نشرها عام 2008 يحث فيها صناع القرار على «مواصلة البحث في امكانية شنّ غارات جوية ضدّ البنية التحتية النووية لإيران.» ايضاً شارك كارتر وزير الدفاع الأسبق، ويليام بيري، في دراسة عام 2006 طالبا فيها واشنطن بشنّ غارات جوية تستهدف صواريخ كويا الشمالية العابرة للقارات، من طراز تيبدونغ، باستخدام «صواريخ كروز تطلق من الغواصات» الأميركية.

الدوائر السياسية والعسكرية النافذة في واشنطن لا يساورها شك في حتمية تباين آراء كارتر مع توجهات وسياسات الرئيس اوباما، لا سيما مع طاقم مجلس الأمن القومي، وثيق الصلة والولاء للرئيس اوباما، مما ينذر بتكرار تجربة الوزير المقال تشاك هيغل.

تضخم طاقم مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس اوباما، وصل الى الذروة ويضمّ زهاء 400 مستشار ومختصّ، الأمر الذي يلقي الضوء على هاجس الرئيس اوباما الاحتفاظ بالقرار النهائي بين يديه في عدد من الملفات والقضايا المتنامية، وتفادي تعدد الآراء والأهواء داخل هذا العدد الكبير من الاختصاصات.

اكثر ما يقلق خصوم الرئيس اوباما في جانب همّه «التحكم بمركزية صناعة القرار،» هو إدراك الحكومات الأخرى طبيعة التوازنات الراهنة ونزعها إلى تفادي العمل مع الأجهزة الاميركية الاخرى، بما فيها وزارة الخارجية، وحصر تحركاتها في الطاقم الأساسي لمجلس الأمن القومي طمعاً في طلب ودّ الرئيس اوباما على الرغم من عدم قدرة المجلس البنيوية التعامل بكفاءة مع ملفات وقضايا خارج اختصاصه.

يشير الخصوم الى تجربة العام الماضي لمجلس الأمن القومي، المخوّل بإجراء دراسات معمّقة في البعد الاستراتيجي للمصالح الاميركية، وتوفير قراءة مستقبلية للأجهزة الحكومية المعنية، فرض عليه تشتيت جهوده وإغراق طاقمه بمهمة إصدار نحو 500 دراسة «عبثية» موجهة إلى الصف الأول من طاقم مجلس الأمن القومي وأعوانه أثناء انعقاد جلساته. يشار في هذا الصدد الى الدور المركزي لمستشاري الرئيس محدود العدد في المجلس والذين عادة يتحمّلون مسؤولية بلورة المواقف والتأثير على الرئيس أوباما تبني توصياته في ما يخصّ الأمن القومي برمّته.

جدير بالذكر انّ المرشح كارتر عارض سياسة اوباما بانسحاب القوات الأميركية من العراق، وطالب بإبقاء «قوات عسكرية معتبرة» بعد الانسحاب عام 2010. استمرار التوتر بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع «أمر حتمي،» كما يرجح العارفون بحقيقة العلاقة لعلّ أبرز القضايا هدف الحرب الجارية على الأراضي السورية والعراقية، التي ستشغل بال وزير الدفاع للسنتين المتبقيتين من ولاية الرئيس اوباما.

قبل إغلاق ملف النقاش بوزير الدفاع المرشح، تنبغي الإشارة الى الكشف عن توجهاته السابقة قبل هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، التي نسب اليه توقع حدوثها منذ عام 1998، بتفاصيل ومديات تواكب حقيقة ما جرى.

نشرت دورية «فورين افيرز،» عام 1998 دراسة مشتركة لآشتون كارتر ونائب وزير الدفاع الأسبق جون دويتش، ومستشار وزارة الخارجية الأسبق فيليب زيليكو، تحذر من «تعرّض الولايات المتحدة لحادث إرهابي مفجع… على غرار شبيه بحادثة الاعتداء على بيرل هاربر، والذي من شأنه ان يشكل علامة فاصلة في التاريخ الاميركي لما قبل وبعد الحادث.» بل تنبّأت الدراسة «بتدمير كامل وتام لمركز التجارة الدولي،» في نيويورك وتوقعت إقدام الولايات المتحدة على تبني «إجراءات بالغة القسوة تهدّد الحقوق المدنية العامة، وتفسح المجال لمراقبة واسعة للمواطنين، وتوقيف المشتبه بهم، واستخدام القوة الفتاكة» بحق المواطنين.

ايضاً ساهم آشتون كارتر في كتاب صدر عن جامعة هارفارد عام 2001، جاء في القسم الخاص به: «… تداعيات هجوم على ارض الوطن قد يصل الى درجة مخيفة ومفزعة تعادل العمل العدائي، ويتعيّن على حكومتنا الإعداد الفوري والتحضير لتهديد مستقبلي.»

السؤال البديهي الذي يبرز تلقائياً: كيف كان بوسع كارتر وأعوانه «التنبّؤ» بدقة الهجمات والتداعيات قبل وقوعها بسنوات عدة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى