«داعش» مكوّن… أم ذراع؟

شهناز صبحي فاكوش

في البدايات الأولى لظهور الإرهاب الممارس من قبل ما سمي بـ»داعش» على الساحة السورية، ضمن المؤامرة الكبرى التي تضربها، تداولت بعض وسائل الإعلام المغرضة أنّ تنظيم «داعش» هو صنيعة النظام السوري، وأنه يضرب «جبهة النصرة» ولا يقترب من مواقع الجيش السوري.

كيف برزت هذه الفكرة الجهنمية ومن أي رحم إعلامي؟ وأي غرفة عمليات استخباراتية صدّرت هذه الفكرة؟ وأي العقول استهوت حتى أصبحت تُتَداول بين أكثر من مستوى ثقافي واجتماعي، وحتى بين بعض غير الناضجين سياسياً؟

في المرحلة التي صنفت فيها «النصرة» منظمة إرهابية،ازداد تداول نظرية أنّ «داعش» تابع للنظام السوري، لأنه يقاتل «النصرة».

لم يدرك البعض أنّ هذه الجماعات الإرهابية صنيعة أمريكا وأذرعها، إلا بعد أن امتدت يدها الآثمة لتطال أبناء الجيش السوري، فأيقنوا أنها و»النصرة» وأطراف محتضنة أخرى، وُجدت لتدمير سورية الوطن والدولة وتفتيتها ديموغرافياً وتقسيمها جغرافياً.

عندما اتخذ تنظيم «داعش» الإرهابي لذاته مكوناً، له أكثر من جهة تموّله وتدعمه بالسلاح وتسهل له السيطرة على أراض سورية بكلّ ما عليها، في تبادل مصلحي ظهر أنّ اقتتاله و»النصرة» توزيع أدوار، تغطية لتمردهما على المشغل الأميركي.

انبرت أمريكا،بعد تصنيف «النصرة» إرهابية، لضرب «داعش» على الأراضي العراقية والسورية، فكثرت غاراتها غير المجدية، حتى وصلت إلى 4000 غارة، لم تكن بالدقة التي تتمتع بها «الحضارة الأميركية» والتي تمكنها من إنزال مسبار على سطح كوكب يبعد عن الأرض مئات الآلاف من الأميال، في النقطة المحدّدة على خرائط علمائها في مختبراتها الأرضية.

أقمارها الصناعية تخطئ في إحداثياتها، فتدمِّر صوامع الحبوب السورية بدل مواقع «داعش»، فما هي مشكلة أميركا مع القمح السوري؟ أهو رفض سورية ربط رغيف أبنائها بالقمح الأميركي كما غيرها، ورفضها العرض الأسترالي بالوكالة؟ أم هو حقد على نظام الأمن الغذائي الذي صنعه حافظ الأسد أساساً لسيادة وحرية سورية؟

خطأ آخر وقعت فيه أميركا عندما أرادت إرسال مساعدات جوية، لمحاصري عين العرب أصحاب الأرض الأصليين، ووقع في يد «داعش» التي كان من المفترض أن تنال ضربات قاصمة للظهر، ليتبين في ما بعد أنها تحوي معدات عسكرية ادعت أنها لدعم الأهالي.

اعتادت أمريكا عندما تفعل ما تريد خارج الشرعية الدولية أو المنطق الإنساني، أن تقدم اعتذاراً من بضع كلمات تتلاشى مع الأيام من التداول. فحين ضربت العراق بحجة امتلاكها النووي جاء اعتذارها في جملة أنّ المعلومات التي استندت إليها كانت غير صحيحة ومضلِّلة! نقطة انتهى الأمر. أميركا تُضلل أمر في غاية السخرية!!

اليوم عندما ضربت بعض البنى التحتية في سورية، ووصل الدعم لـ»داعش»، برّرت ذلك بخطأ حسابات أو خطأ إحداثيات. كم نحن سُذّج وكم ترانا هي أغبياء.

أميركا لم تخجل عندما قالت أنها تحتاج إلى سنوات طويلة للقضاء على «داعش»، وأنّ ضرباتها موجهة لتَحُد من انتشارها، وليس القضاء عليها.

عادت تروج لـ»النصرة» على أنها غير إرهابية، مع أنها هي التي صنّفتها كذلك، لتعود ذراعها التي، بحسب ظنها، ستسقط النظام في سورية بعد تدريب عناصرها في تركيا والأردن والسعودية. والجميع يمتثل ويعلن ذلك بصفاقة.

عندما بدأ الرأي العام يضع علامات استفهام حول الموقف الأميركي تجاه «النصرة»، توجهت عبر عملائها في المنطقة العربية دول الخليج ، وعلى رأسها دولة الرمال إلى ما يسمّى بـ»الجيش الحر» وضمّنه خفاءً «جبهة النصرة».

الحقيقة أنّ كلّ إرهاب في العالم صنيعة أميركية، منذ 11 أيلول حتى تاريخه وإلى ما لا نهاية، كما في بداياتها، تنقله حيث تقرّر أنه لمصلحتها، مهما كانت كلفته وأثمانه.

خرجت الأزمة السورية من حيّز المحلية إلى العالمية، وأصبح لا بدّ من طاولة دولية حقيقية صادقة النوايا تناقش المسألة وتساعد في حلها سورياً باحتواء الجميع. لكن أيّ الدول يُقبل تدخلها وأيها نثق بصدقيتها، في مواجهة تلك التي تزيد اشتعالها حطباً.

الجميع يوقن أنّ المسألة السورية أصبحت ورقة في أيدي الكثيرين الذين يستفيدون منها لأنّ لكلٍّ مصلحته ويتعامل معها من تلك النافذة.

أميركا يهمها أن تبقى سورية مشتعلة، لأنها جسر عبورها للعودة إلى المنطقة بعد خروجها من العراق، خاصة أنّ أوباما من بدايات حكمه وإعلانه سحب قواته، وجد أنّ سورية دولة قوية كفاية، ونيتها خالصة في مساعدته للخروج من العراق وإنهاء احتلاله ليستعيد عافيته.

ما قدمه أوباما للسياسة الأميركية، أكبر مما صنعه بوش الإبن الذي دمّر العراق برعونته. أوباما استطاع تدمير الأمة العربية كلها وتفكيكها بأقل الخسائر، بما دعي الربيع العربي. ما زاد في تكريس أكثر من سايكس بيكو ووأد المشروع النهضوي العربي في مواجهة المشروع الصهيوني.

بوش الإبن أعدم صدام حسين. وربيع أوباما أعدم القذافي، وسجن مبارك، ونفى زين العابدين، وأدخل لبنان في فراغين رئاسيين وأحرق الرئيس اليمني، وحاول النيل من الرئاسة السورية، وهنا فشّله السوريون.

أوباما استطاع عسكرة الاقتصاد الأميركي إنقاذاً له من الانهيار الذي ضربه لزمن، ولم يحظ كسابقه بنقمة الأمهات الأميركيات على موت أبنائهن.

تحاول كل الأطراف التي تتعاطى مع الأزمة السورية، وفيها بعض الأصابع الداخلية المزروعة في الساحة المحلية، تحقيق مصالحها عبر طول الأزمة. فانتهاؤها يكشف الكثير من القضايا التي قد تؤدي إلى انهيار عروش ومؤسسات، وكشف سياسات ظاهرها غير باطنها.

الأساس في كلّ ذلك هو إعلان موت القضية الفلسطينية بحكم التقادم. البكم العربي الذي يخيِّم على متاهة المشاكل الداخلية لكل قطر، وصراع الفصائل الفلسطينية، يسرّع في ذلك. أما الرابح الوحيد فهو الصهيونية التي تحتل فلسطين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى