«داعش» ــ «النصرة»… لا شريعة ولا مواثيق!
محمد ح. الحاج
أكتب على صفحة يوم السادس من كانون الأول 2014: عصابات «النصرة» تنفذ عملية إعدام العسكري اللبناني علي البزال…! وأضيف على الملاحظة: «من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً». هي شريعة ربانية، وميثاق أخلاقي يلتزم به البشر، أما هؤلاء فلا هم ملتزمون بشريعة ربانية، ولا بمواثيق بشرية، هم في سلوكهم المعروف أكثر التصاقاً وقرباً وتطبيقاً لشريعة الغاب، بل هم موغلون في وحشيتهم أكثر من الحيوانات المتوحشة ذاتها، فهذه تقتل غريزياً لتأكل أو دفاعاً عن النفس، أما هم فيقتلون حباً في القتل وسفك الدماء.
في الحروب بين الأطراف المتحاربة يقع الكثير من الأسرى ومن كلّ الأطراف، وتطبّق على الأسرى الأعراف والشرائع والاتفاقيات الدولية، وتتمّ معاملتهم إنسانياً، يتوفر لهم الغذاء والدواء مقابل حجز حريتهم الموقت، ريثما يتمّ التبادل من خلال هدنة أو بعد انتهاء الحرب. الحروب يسبقها إعلان، وفي حالة الجنود اللبنانيين لا يمكن وصف العملية إلا أنها غادرة، فلا إعلان حرب، ولا صدام إلا في سياق المتابعات الأمنية للمطلوبين بجرائم مرتكبة أو شاركوا بها، الجنود اللبنانيون هم أسرى أو مخطوفون لا يجوز المساس بهم طبقاً للشريعة الإسلامية، والأعراف الإنسانية والقوانين الدولية… مع ذلك، فـ»النصرة» و»داعش» وأخواتهما تقتل الأسرى والمخطوفين، رجالاً ونساء وحتى أطفالاً من دون تمييز ولا شعور بالخشية من الخالق، أو الخجل من النفس.
يُقال إنّ المفاوضات يتولاها قطري، وفي مقام آخر تركي أو الاثنان معاً، ومن أصول التفاوض أن تتوقف كلّ الإجراءات على الجانبين، ونعلم أنّ الحكومة اللبنانية المنقسمة على نفسها سراً، المتضامنة في العلن، لم تقم بأيّ إجراء عدائي في هذا السياق إلا أن تكون العصابات الإجرامية قد اعتبرت أنّ توقيف نساء يشاركن في الأنشطة الإرهابية هو إخلال وعدم تقيّد بما يريدون، فهل تنتظر «النصرة» و»داعش» أن تتجوّل نساؤهم مع السلاح من دون التعرّض للتوقيف، فقط لكونهم نساء، مَن يقاتل يتعرّض للقتل، ومن يتجسّس يتعرّض للتوقيف، ومن يدعم الإرهاب يطاله القانون، والقول بأنهم نساء وأطفال مردود، فـ»النصرة» و»داعش» كانتا السباقتين في خطف وارتهان النساء والأطفال في كلّ المناطق السورية، ومنذ اللحظات الأولى في حمص وريفها ونبل والزهراء وغيرها.
قالوا إنّ «النصرة» تطلب إطلاق سراح خمسة من الإرهابيين الموقوفين في أحداث نهر البارد أو عبرا وطرابلس مقابل كلّ عسكري لبناني، وأيضاً خمسين امرأة من السجون السورية، وبما أنّ «النصرة» هي من حدّدت الثمن، فقد أصبح لزاماً على الحكومة اللبنانية أن تنفذ أحكام الإعدام بحق الموقوفين الإسلاميين وبمعدّل خمسة مقابل كلّ جندي لبناني اغتالته «النصرة» أو استشهد وهو يدافع عن حرية لبنان وأمن اللبنانيين، وترك الحكم بحق المتواجدين في جبال عرسال لأولياء الدم من ذوي الشهداء اللبنانيين سواء المخطوفين منهم أو الذين سقطوا في كمائن الغدر والخيانة.
عرسال مخطوفة…! يتحكم بها غرباء عن أهلها…! هذا ما تضمّنه بيان شباب عرسال، كلام قد لا يقتنع به أهالي العسكريين الشهداء، ولا حتى قيادة الجيش اللبناني، أبناء عرسال لديهم المقدرة على قول الكلمة مقرونة بالفعل… الطلب من الغرباء أن يخرجوا من البلدة، حتى عائلات المسلحين القابعين في الجرود يجب أن لا تبقى، فهي صلة الوصل التي توفر لهم حاجاتهم، وإلا فليس أمامهم إلا الموت جوعاً وبرداً، وهو أقلّ العقاب مقابل ما يمارسونه ويرتكبونه من عمليات قتل وتصفية وتحريض للمكوّنات الاجتماعية في لبنان على بعضها البعض. أهل الشهيد علي بزال على حق في ما يقولون ويقرّرون، شهيدهم وشهيد لبنان ضحية بلا ذنب عدا كونه عسكرياً جرى إعداده للدفاع عن الوطن.
إشكالية التفاوض مع جهة لا تعترف بالمواثيق، ولا تؤمن بالشرائع أو القوانين، تدفع إلى الحيرة والارتباك في اتخاذ القرار أو المراهنة، من يضمن الالتزام والتنفيذ وما هي الآلية؟ بل من هي الجهة الضامنة…؟ لا طرف ثالثاً يضمن التنفيذ ويكون في موقع الكفيل، لا يضمن «النصرة» و»داعش» من لا يعترف بحقيقتهما رغم اعتبارهما تنظيمين إرهابيين بنظر القانون الدولي، استطراداً لا اعتراض من أيّ من دول العالم، وتبقى العلاقة بين قطر وتركيا من جهة والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى علاقة سرية وآنية وربما عابرة وضمن تبادل مصالح، لكن الدولتين أعجز من أن تعلنا ضمانة تنفيذ أيّ اتفاق مع الإرهابيين في مجال تبادل الأسرى وتقنيات النقل والتسليم مقابل مجرمين صدرت بحقهم أحكام تصل حدود الإعدام…!
الحكومة اللبنانية التي لم تلتقط اللحظة منذ إعدام أول عسكري لبناني، ولم تبادر إلى تنفيذ أحكام الإعدام بأول الرؤوس التي تطالب بها «داعش» و»النصرة»، هذه الحكومة يمكن فهم موقفها إذا ما علمنا أنّ في الصفوف من يدعم ويؤيّد الموقوفين في روميه، وينتظر سانحة لإطلاقهم، وكان الرهان على التبادل الذي أفسده تهوّر التنظيم الإرهابي والتسابق على إثبات جدية التهديدات ما بين»داعش» و»النصرة»، وربما شكل هذا الفعل خيبة أمل لدى البعض من السياسيين، ومنهم نواب، ما يدفع بهم إلى التزام الصمت وعدم المبادرة إلى طرح الآراء أو المشاركة في النقاش حول حلول لا يؤمنون بتحققها من منطلق التجربة الواقعية ومعرفتهم بتفاصيل العصابات وسلوكها ومرجعياتها المتعدّدة غير الموثوقة.
لم يفت الأوان، ويمكن للحكومة ذاتها أن تثبت جديتها في مواجهة ما تعتبره العصابات جدية في التهديد، لتتجه إلى جدية التنفيذ، على الأقلّ بحق من صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، هم بالأساس ارتكبوا أعمال قتل وإجرام بحق عسكريين ومدنيين من أبناء الوطن، وهكذا لن يجدوا من يقف إلى جانب المطالبة بالرأفة والرحمة والشفقة عليهم… إنسانيتهم مفقودة منذ الأساس ولا يستحقون مشاعر إنسانية إلى جانبهم.
لعبة العصابات الإرهابية في تأليب أهالي العسكريين على الدولة، ومواجهة شارع بشارع على ساحة المجتمع اللبناني، مكشوفة وواضحة للبنانيين عموماً، ولا يصدقن أحد من الأهل أنّ الاستجابة لمطالب الخاطفين بالتظاهر أو قطع الطرقات، أو حتى التأليب على الأبرياء من اللاجئين السوريين قد يحمي العسكريين المخطوفين، أبداً، إنها لعبة خبيثة، استمرارها يؤدّي إلى الفوضى وخلط الأوراق وإضاعة حقوق العسكريين المخطوفين تحت ستارة دخان هذه الفوضى… الحذر…!