تسوية الرئاسة: سباق بين رؤيتي القاهرة وباريس للرئيس العتيد

يوسف المصري

باتت زيارة مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو إلى بيروت، مكشوفة الأهداف وهي تقديم مساعدة دولية لتسهيل عملية انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان. وكانت المعلومات أكدت منذ نحو ثلاثة أسابيع أن باريس استعادت بدعم من الفاتيكان التفويض الأميركي لكي تتحرك فوق الساحة اللبنانية لإنتاج الاستحقاق الرئاسي إشارة لما ذكرته «البناء» يوم 15 تشرين الثاني 2014 . وكانت زيارات جيرو المتكررة لإيران الشهر الماضي تؤكد هذا الاتجاه. ولكن السؤال الذي يطارد جولة جيرو لبيروت منذ ما قبل حصولها حتى الآن هو عن قدرة باريس على إقناع طهران بالاستجابة لشروط مبادرتها التفصيلية وليس لماهيتها المطلقة، إذ إن طهران تؤيد أي مسعى يؤدي إلى انفراجات على الساحة اللبنانية وعلى رأسها انتخاب الرئيس العتيد، ولكن تفاصيل إجراء هذا الاستحقاق متروك البت بها إلى حزب الله وحلفائه.

وتقول مصادر مطلعة على هذا الملف إن التحرك الفرنسي الحالي للمساهمة بإنتاج وساطة دولية وإقليمية لأزمة الاستحقاق الرئاسي ليس هو الأول من نوعه، فكان سبق لباريس عشية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان أن حاولت طرح مبادرة تؤدي إلى التوافق على منع فراغ الرئاسة الأولى قبل حصوله، وكان أحد الحلول التي طرحتها باريس آنذاك التمديد للرئيس ميشال سليمان. ولكن الأخير نقل عنه حينها قوله إنه لا يكفي أن ترغب باريس بلعب دور مع السعودية على مستوى الاستحقاق الرئاسي، بل المطلوب إشراك إيران فيه وهو الأمر الذي لم يحصل لغاية الآن أي حينها .

ويتم اليوم النظر إلى زيارات جيرو الأربعة الشهر الماضي لإيران بمثابة علامة تبين أنه أمكن سد النقص الإيراني بالمبادرة الفرنسية. ولكن الحذر لا يزال مطلوباً لأن الشيطان يكمن بالتفاصيل.

فمبادرة باريس بحسب مرجع سياسي مسيحي تتحدث عن رئيس توافقي زائد تقديم تعويض لكل من سمير جعجع والجنرال ميشال عون. التعويض المطروح لجعجع هو أن تراعى هواجس القوات اللبنانية في قانون الانتخاب الجديد. أما التعويض المطروح على عون فلا تزال هناك صعوبة في تحديد قيمته، نظراً لأن الجنرال لا يزال عند موقفه الرافض للمساومة على ترشيحه والمؤكد على أنه لن يكرر خطأ إسهامه في انتخاب الرئيس ميشال سليمان.

ويقول المرجع عينه إن اهتمام فريق جيرو بأن يسرّب إلى الإعلام بأن المبادرة الفرنسية تضع فيتو على الإتيان برئيس عسكري، تم انطلاقاً من اعتبار افتراضي يفيد بأن هذا البند يرضي عون. ولكن المرجع عينه يعلق بأن الفرنسيين مخطئون في هذا الاعتقاد.

بين القاهرة وباريس

والواقع أن أزمة بحث باريس عن رئيس توافقي، تصطدم بمطبات كثيرة وبعضها غير مرئي على رغم أن حضوره في الكواليس قوي ومكثف.

أبرز هذه المطبات تتمثل بوجود اهتمام غير مرئي للقاهرة بأن يكون لها دور في انتخاب الرئاسة اللبنانية، وذلك انطلاقاً من اعتبار أساسي يفيد بأن مصر تعتبر أن مبادرتها لإنهاء أزمة دار الفتوى بحاجة لاستتباعات سياسية تكون على وزنها وضمن سياقها ولها ذات هدفها الكبير وهو تقوية الاعتدال في لبنان بمواجهة قوى التطرف وتحصين الأمن اللبناني بمواجهة الإرهاب.

وتقود هذه الرؤية الآنفة القاهرة للميل نحو أن يكون رئيس الجمهورية القادم من الشخصيات المارونية التي تحمل هذا المعنى، وعليه فهي تحبذ انتخاب العماد جان قهوجي أو بديله سفير لبنان في الفاتيكان العميد جورج خوري. وبرأي القاهرة أن هذا النوع من الشخصيات يلبي أمراً مهماً لا يتصل فقط بتحصين الوضع اللبناني الأمني، بل يمتد ليناسب التغير الذي حصل في الرؤية الدولية وبضمنها الغربية، إلى كيفية محاربة الإرهاب في المنطقة. ومكمن التغيير هنا أن الغرب كان يراهن على الإسلام المعتدل ليقوم بهذه المهمة أما الآن فبات يراهن على جيوش المنطقة لإنجازها.

والواقع أن باريس في تحركها لإنتاج تسوية للأزمة الرئاسية اللبنانية، لا تأخذ هذا الاعتبار المصري بعين الأهمية، بل هي تريد إنتاج رئيس للبنان بأسلوب التهريب «والسلق» بحسب المصطلح اللبناني. بكلام آخر فالمطلوب – من وجهة نظر باريس -رئيس ينهي الشغور وهو الأمر الذي يحذر منه عون وأيضاً تحذر منه القاهرة ولو من خلال رؤية أخرى.

ما هي حقيقة الموقف الأميركي؟

ديبلوماسي عربي في بيروت يقول إن واشنطن لا تتدخل، وهي تترك لباريس هامش الحركة في هذا المجال. لكن ديبلوماسيين فرنسيين عايشوا تجربة كيف تعاملت واشنطن بانتهازية مع باريس في ليبيا خلال معركة إسقاط القذافي وبعدها، يقولون ربما كانت واشنطن تترك لفرنسا هامش الحركة في لبنان كي تفشل!

وفي هذا السياق يؤكد المصدر عينه أن آخر لائحة أسماء رؤساء للجمهورية اللبنانية قدمها الأميركيون للبنان، كانت قبل نحو عام من انتخاب الرئيس ميشال سليمان.

ويكشف المصدر عينه أنه آنذاك حضر إلى اليرزة حيث كان مقر سليمان وفد أميركي وقدم له لائحة من أربعة أسماء وقالوا له انه يمكن لأحدهم أن يكون رئيساً. وأن دور الجيش هو حماية عملية الانتخاب أما دور بكركي فهو تزكية الاسم الأوفر حظاً لوصوله للرئاسة بين الأسماء الأربعة.

ويضيف المصدر: أنه عندما فض العماد سليمان حينها ورقة الأسماء الأميركية تفاجأ بمضمونها ولاحظ التالي: 1 – جميع الأسماء مغمورين بمعنى انه ليس هناك واحد منهم ينتمي لنادي مرشحي رئاسة الجمهورية، 2 – كل الأسماء تعود لشخصيات دون العقد السادس من عمرها 3 – جميعهم انكلوسكسونيين، وليس بينهم أي فرانكفوني أو ذو انتماء ثقافي آخر.

وبحسب معلومات المصدر عينه، فإن جيرو قد يكرر التجربة الأميركية في نهاية زيارته للبنان ويسلم كل من قائد الجيش العماد قهوجي وسيد بكركي الكاردينال الراعي لائحة أسماء، ولكن بمواصفات مختلفة: فرنكوفوني من الندوة النيابية ليس عسكرياً. وقد تطلب باريس من الجيش أن يقوم بحماية العملية الانتخابية ومن بكركي أن تقوم بتزكية ترشيح هذه الأسماء!

والسؤال الذي سمعه جيرو لدى تداوله مع شخصية لبنانية في أمر طبخة الرئاسة الأولى – ودائما بحسب المصدر عينه- هو: ماذا لو فشل مسعاه؟

لا توجد إجابة سوى توقع إعلان الحداد في الفاتيكان على حدّ قول متابع لحراك روما على خط تحريض أميركا لدفع باريس للقيام بدور من أجل إنجاز انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في كلّ دول الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى