مكافحة الإرهاب تكون بوقف تدخلات الناتو

محمد شريف الجيوسي

أعلنت الولايات المتحدة بلسان رئيسها أوباما، أن تدخلاتها والحلف الذي تقوده في سورية والعراق بذريعة مكافحة الإرهاب، ليست آخر أحزانها أو طموحاتها، وإنما هي بصدد ملاحقته في أماكن أخرى في ليبيا والصومال وسيناء والغابون وكينيا. ولكن ما الذي يعنيه هذا بعد افتضاح الهدف من تدخلاتها الجوية في العراق وسورية، وفشلها في إلحاق هزيمة بكل من الدولتين لمصلحة ما تطلق عليه المعارضة المعتدلة؟! بل على عكس ذلك حققت الدولتان وبالتزامن تقدماً مهماً على الأرض على غير جبهة، وألحقتا هزائم كبيرة بتلك الجماعات الإرهابية بغض النظر عن مسمياتها والمواصفات التي تحاول واشنطن إطلاقها.

هذا يفسر أيضاً هدف الاعتداءين الجويين اللذين نفذتهما «إسرائيل» ضد سورية في السابع من الشهر الجاري، حيث اقتضى تدخل حلف الناتو مباشرة عبر «إسرائيل» هذه المرة للحيلولة دون إلحاق الهزيمة كاملة بها أو تأخيرها بانتظار مستجدات معينة، إلى جانب أهداف أخرى كضرورات الاستهلاك الداخلي وصراعات الحكم في تل أبيب

لقد حاولت واشنطن وحلفاؤها فتح غير جبهة لتفتيت المحور المقاوم للأطماع الإمبريالية كجبهة أوكرانيا، فكانت النتيجة استعادة روسيا شبه جزيرة القرم الاستراتيجية بالمعاني الجغرافية والعسكرية والاقتصادية، ووضع أوكرانيا في مهب نزيف مستمر من الانفصالات، الأمر الذي شكل عبئاً ثقيلاً على أوروبا أكثر منه فوائد ماثلة، كما تولدت على نحو جدي، أفكار انفصالية كانت نائمة فعادت للاستيقاظ في كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والسبحة ستتوالى، في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة وأفكار استعمارية غبية تتجه نحو الخارج، فيما هم أعجز ما يكونوا عن حل مشكلاتهم الداخلية المباشرة.

لقد بات جلياً على رغم كل المصاعب أن محور واشنطن مقبل على فشل ذريع في سورية والعراق على رغم كل ما يبذل لحرف النتيجة عن مؤشراتها الأكيدة، ليضاف إلى فشلها في مناطق عديدة من العالم فشل جديد، فضلاً عن الكراهية المتجددة التي بات الأميركيون يحظون بها على امتداد الكرة الأرضية، في وقت تتجدد تناقضاتها العنصرية ليس فقط على خلفية قتل أميركيين من أصول أفريقية وإنما أيضاً على صعيد مليشيات عنصرية مسلحة في الأرياف، لا تستطيع قوى الأمن أو الجيش الأميركي دخولها، فضلاً عما يعتري واشنطن من أزمات اقتصادية ليست خافية.

وجربت أميركا استخدام سلاح النفط على نحوٍ معكوس ضد روسيا وإيران وفنزويلا، لكنها لم تلحظ أيضاً أن دولاً تقف في المحور المقاوم لمخططاتها كالصين ستستفيد من هذا التخفيض، كما لم تلاحظ، أيضاً أنها وحلفاؤها سيتضررون من هذا التخفيض، وأن في يد روسيا والصين أسلحة استراتيجية اقتصادية أخرى لم تستخدم بعد، ولن يكون لأميركا وحلفائها بيئات حاضنة على مستوى العالم، لتكشف أغراضها العدوانية الحربية الطامعة بثروات الشعوب والأمم والدول والساعية للهيمنة المطلقة على العالم، فيما هي عاجزة عن مداواة قروحها.

إن سعي واشنطن وحلفائها إلى توسيع دائرة العدوانات، وتوريط دول صغيرة وكبيرة فيه، بذريعة مكافحة الإرهاب لا تنطلي على أحد، فهي المصنّع الأول والوحيد للإرهاب العالمي، سواء منه إرهاب الجماعات الخارجة عن القوانين وعلى ما تزعم أنها تمثله، أو إرهاب الدول الذي تعبر عنه «إسرائيل» بشكل جلي.

إن مكافحة الإرهاب، إن صدقت الأقوال والنيات والأفعال، ليس أمراً مستحيلاً، وأول ذلك تجفيف منابع دعمه بدءاً بالإعلام الكاذب مروراً بوقف التدريب وإغلاق قواعده وووقف التزويد بالإرهابيين والسلاح والمال والبيئات الحاضنة والدعم السياسي، وترك الدول والشعوب تعالج بطرائقها الخاصة، جراحاتها المفتوحة بفعل فاعلين أميركيين وأوروبيين غربيين وصهاينة، فدون ذلك كذب براح، ومحاولات هروب إلى الأمام من فشل ماثل في سورية والعراق، إلى انتكاسات جديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى