حماس تتأرجح ما بين الدوحة وطهران
راسم عبيدات
تأتي زيارة وفد قيادي من حركة حماس برئاسة محمد نصر إلى طهران، في ظلّ حالة من الحراك الداخلي في أوساط الحركة قيادة وقواعد، وقد أوجد هذا الحراك تيارين في الحركة، تيار يقف إلى جانب محور قطر وتركيا ويريد تعميق الارتباطات التنظيمية والفكرية والسياسية بـ«الإخوان المسلمين»، يقوده رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، وآخر يدعو إلى توثيق العلاقة بين حماس ومحور إيران وحزب الله وسورية بقيادة عضو المكتب السياسي في الحركة الدكتور محمود الزهار وكتائب القسّام. وقد نشب الخلاف بين التيارين خلال العدوان الأخير الذي شنّه الاحتلال على قطاع غزة «العصف المأكول» أو «البنيان المرصوص»، فكان الصراع بين المحورين يجري على أرض القطاع، ويشارك فيه المحور المصري السعودي الإماراتي.
وفي مراجعة بسيطة للأحداث، يتبين لنا أنّ الخلاف بين التيارين برز في شكل علني، ليس من خلال الموقف من التهدئة والرعاية المصرية لاتفاق التهدئة فقط، بل من خلال رسائل الشكر التي وجهها مشعل إلى من وقفوا إلى جانب المقاومة ودعموها، حيث ذكر الدوحة وأنقرة ووسائل الإعلام المرتبطة بهما، وأغفل، أو تعمّد إغفال ذكر إيران وحلفائها الداعمين في شكل فعلي لحماس والمقاومة، بالسلاح والمال والمساعدات. وفي المقابل توجّه الزهار بالشكر إلى إيران ووسائل الإعلام المرتبطة بمحورها.
ومن خلال المراجعة الداخلية لما يجري داخل حركة حماس على صعيد الموقف والرؤيا وشبكة العلاقات والتحالفات، يتبين أنّ الصراع الداخلي بين هذين التيارين، مرتبط بحماس كحركة براغماتية تضع مصالحها أولاً فوق أي مصالح أخرى، ويبدو أنّ هناك جملة من الأحداث لعبت دوراً في هذا التطور، وبالتالي حسم الصراع الداخلي لصالح التيار الذي يقوده الزهار وكتائب القسام.
إنّ المحور الخليجي – التركي- «الإخواني» الذي راهنت عليه حركة حماس بشكل أساسي تبعثر، وقد ألقى سقوط محمد مرسي ومعه حكم «الإخوان» في مصر بظلاله على هذا التحالف، بعد أن اصطفت السعودية والإمارات إلى جانب النظام المصري الجديد. واتخذ هذا المحور مواقف متشدّدة من حركة الإخوان المسلمين، وصلت إلى حدّ اعتبارها «إرهابية». وبما أنّ لحماس ارتباطاتها التنظيمية والفكرية والسياسية مع «الإخوان»، فقد تأثرت بهذه المواقف.
إنّ المحور الخليجي- التركي الإخواني الذي نقل «حماس» في السابق من موقعها الأساسي في معسكر المقاومة والممانعة والذي يضم إيران وحزب الله وسورية، لم يقدم لها سوى الوعود والشعارات، وهذا ما ولد قناعة عند بعض قيادات حماس بضرورة تغيير شبكة علاقاتها وتحالفاتها ومواقفها، لأنّ المحور الأول والذي تشكل قطر وتركيا جزءاً أساسياً منه، كان يمارس دور المتآمر على المقاومة والقضية والمشروع الوطني، وكان يهدف إلى تطويع الحركة وإدخالها في دهاليز المشاريع السياسية المشبوهة.
بعد العدوان الصهيوني على غزة، زادت أوضاع حركة حماس تفاقماً، خصوصاً وأنّ ما تحقق من صمود ونصر في الحرب لم يُترجم إلى نصر في السياسة، حتى الإجماع الداخلي الفلسطيني الذي تحقق خلال العدوان تحول إلى انقسام عميق، في ظلّ حكومة «وفاق وطني» لا تمارس أي دور وفاقي أو مهمّات، حكومة شكلية أكثر منها جامعة وموحّدة، كما أنّ عملية إعادة الإعمار تسير ببطء شديد، ما يفاقم من أزمات سكان القطاع، الذين تشرّد عدد كبير منهم بسبب تدمير المنازل بفعل القصف «الإسرائيلي»، وهم لا يزالون ينامون في العراء. كلّ ذلك ولم يتم رفع الحصار ولا فتح المعابر، في حين لم تجد أزمة رواتب موظفي سلطة حماس أي حلّ.
هناك ضغوط كبيرة تواجهها حركة حماس، بعد الوعود التي تلقتها من المحور الداعم لها من دون ترجمة عملية لها على أرض الواقع، والسبب ببساطة هو أنّ هذا المحور يحتاج إلى قرار أميركي. وفي النهاية، لم تجد الحركة من يقف إلى جانبها لمواجهة العدوان سوى محور المقاومة، رغم الحملة الظالمة التي شنتها على هذا المحور، واصفة المنضوين فيه بالمجوس والشياطين والروافض و«حزب اللات» و«النظام المجرم وقاتل الأطفال في دمشق»، ناهيك عن عقد المهرجانات والمؤتمرات الصحفية التي رفع فيها علم الانتداب الفرنسي، نكاية بالنظام السوري، ورغم كلّ ذلك لم يتخلوا عن حماس والمقاومة، وكانوا معنيين بما يجري، وعلى قناعة بأنّ حركة حماس ستعود إلى حضن هذا المحور.
ومن المنصف هنا القول إنّ حركة الجهاد الإسلامي بقيادة أمينها العام رمضان عبدالله «أبو عبدالله»، لعبت دوراً بارزاً في العودة التدريجية لحماس إلى المحور الذي غادرته، بعد أن أيقت أن ليس أمامها سوى العودة لكي تنجو مما تتعرض له من خناق وحصار. ولكي يندمل الجرح فهو بحاجة إلى المزيد من الوقت، على رغم أنّ المحور الذي غادرته ثم احتضنها يدرك جيداً أنّ منطلقاتها ليست مبدئية بقدر ما هي مصلحية. فهل تعي حماس أنّ لعبة الرقص على الحبال والمحاور، ستعرّضها إلى الكثير من الهزات وفقدان الثقة والمصداقية؟ نعود ونقول: عودة متأخرة أفضل من لا عودة.