من الإبداع القوميّ

كمال خير بك

ضدّ…

ضدّ الجثّة، وضدّ الجنينْ

ضدّ الغبطة، وضدّ الرعب

ضدّ الحركة، وضدّ السكون

ضدّ العالم

ضدّ الساقي، وضدّ الشارب

ضدّ الصحو، وضدّ النوم

ضدّ العالم

ضدّ السفينة، وضدّ الرصيف

ضدّ الخطر وضدّ السلام

ضدّ المسيح، وضدّ هولاكو

ضدّ، ضدّ، ضدّ كل شيء

ضدّ الجزء، وضدّ الكل

ضدّ الشعر، وضدّ النثر

ضدّ الرأس، وضدّ القلب

ضدّ العالم،

ضدّ الحياة،

ضدّ الرفض، وضدّ القبول

ضدّ العقل، وضدّ…

السقوط الوردي

قريباً منا،

قريباً جداً،

سقط كسماء صغيرة من التوتياء

قريباً منا،

قريباً جداً،

سمعنا كلماته النبيّة تتهدل كالمناديل

فوق الشرفات.

قريباً منا،

قريباً جداً،

بين الضلع السابع والضلع الثامن،

سطع ثلاث مرّات ثم انطفأ

لكنّ أحداً لم يعد يذكر هذا السقوط الوردي،

لكنّ أحداً لم يعد يؤمن بالمعجزات.

لم يقل لي وصيّته

لكنني فهمت ما كان جنونه الراحل

يودّ أن يقول.

كان مثلي ضنيناً بالوصايا.

ضنيناً بالأسهم الداجنة.

كان مثلي،

يحرث جنونه الطفل،

يسيّجه، ويسقيه،

يسهر عليه كالبستاني،

كان مثلي،

يحمل سقوطه بين شفتيه،

كما تحمل الأم جنينها،

يربّيه ويبتسم للحظة الحاسمة.

من أجل هذا أحببته

ورضيته إسماً لي.

النقطة

كان بحجم النقطة

حين دخلني خلسة من طرف الجرح،

كان بحجم المصادفات العابرة.

ثم أخذ ينمو على الدم والضجر

أخذ ينمو على المبالغة

واتخذ أشكالاً وأسماء حاسمة.

أخذ يرسمني من الداخل

في صورة جديدة

ولم يكن بيدي أن أوقفه

لأنه يتحكم بأصابعي أيضاً،

يتحكّم برغباتي قبل أن تتكوّن في الرّحِم.

إنني صورته وموضوعه

وهو سلطاني الذي لا يُقهَر.

وداع لمدينة النوم

بيروت ليست كتابي الأخير

ولا جناحي الملوّن

لقد علّمتني الموت والسجود عند العتبات.

يجب أن أرحل

وأترك أصدقائي وبضع جرائم صغيرة،

تلهث في شوارعها الشاحبة.

يجب أن أرحل

فلقد ضمّت أجراسي وأشرعتي المطويّة

في سراديب الضحك والمساجد الضيقة

يجب أن أرحل…

يجب أن أكون أكثر قدرة على النوم

وعبادة الأصنام

لتمنحني بيروت بعض ابتساماتها الفاجرة.

إشتموني طويلاً أيها الأتقياء

وعلّقوا على باب غرفتي

كثيراً من اللعنات

فأنا مثقل بالذنوب والمصابيح المطفأة.

تحت مقاصل المخاض

كنّا نحتمي بالركض والنكات

والقصائد.

وكانت لنا سفينة من الدمع

وسيف من الغرور

كنّا نحب الضوضاء والأجساد الرخيصة

ونعشق البكاء والتشرّد

كان لنا كتابٌ واحد نقرأ فيه

وسرير واحد للنوم

وعبادة الأصنام

كان لنا صليب واحد.

لماذا نلتفت إلى الخلف في أسفارنا المحتومة؟

لماذا نحسد الضفادع والأبواق

على مدخل الوداع الجميل؟

غفرانك أيها الصمت،

يا لساني الوحيد

ويا شراعي الأكبر

الريح تغصّ بالصفحات والأصابع

وعند نهاية القلم

تتدافع الكلمات الآسرة.

موعد

الموعد يجلس إلى الطاولة

يجلس قبالتي،

يثيرني ويتحدّاني،

أعلم أنه جنين

وأنه ما زال ماثلاً للخلق

ومائلاً للتلاشي،

أتحداه وأغازله

كامرأةٍ في القطار

أزدريه وأدخل في أنفاق أخرى،

لكنّني أدرك أنه يتكوّن

وينمو في أعماق تجاهلي

أنّه بعد قليل،

سيستيقظ كالوحش على أطراف حزني،

وسينشب تهديده الساحر

في قشرة كبريائي…

الموعد يجلس فيّ،

متبرّماً وجاهزاً للغضب،

على حدود المعركة،

على حدود المكابرة

يستلقي على عنقي،

على نقرتي بوجه التحديد،

وعلى غدتي، يتكئ ثقيلاً…

قصة شائعة لكن يجهلها أكثر الناس

كنت أتكئ على أمل مكثف طويل

أتجشأ من تخمة اليقين،

وذات مساء

حلّت على أنفي نحلة عرجاء حانقة

فلم أفهم قصدها.

وفي الصباح كان أنفي يسدّ عليَّ الطريق فاستيقظت.

يحتمل أن أكون مريضاً في الصباح

لأنني تناولت عشائي اليوم في الوقت المعتاد.

تبادل

لقاء رزمة من التوقعات الطفلة

لقاء قبضة من الكلمات المقدّدة

لقاء قصيدةٍ خائنة،

أبيع العالم.

لقاء عاصفة تكتسحني وحدي

ومطر لا يصيب غير معطفي

أتقيأ على عشرين قرناً

من الحضارة.

تمائم…

الصور الصغيرة

النابعة من الشقوق

الصور المتراكمة كالفطر

فوق الفوهات،

الرجال الذاهبون بلا أقدام

والأرجل القادمة بلا رجال،

النهود التي تنزف فوق الأوراق

والنهود التي تغنّي على مداخل الكلمات

هذه مهرجاناتي،

وهذه تمائمي في العالم.

من مجوعته الشعريّة «الأنهار لا تتقن السباحة في البحر»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى