سورية: حلّ سياسي لإكمال الحلّ العسكري لا لإيقافه
روزانا رمال
لا يستطيع أحد من مؤيدي الدولة السورية أو معارضيها، إنكار حقيقة أنّ الحلّ السياسي في العاميْن الأوليْن من الأزمة وما تلاها من شهور سبقت معركة القصيْر في حزيران 2013 كان يمرّ حكماً بوقف الحلّ العسكري، والدولة السورية بنت رؤيتها، للإنصاف، على هذه المعادلة في تلك المرحلة، فكانت تقدم كلّ التسهيلات الممكنة لإنجاح مساعي وقف النار، وسحب الجيش إلى خارج المدن والشوارع التي تشهد الاشتباكات المسلحة، حتى صارت خطواتها موضع انتقاد من مؤيديها أنها تكبّد جيشها ومناصريها كلفة استرداد المواقع التي تكون بيدها قبل الاتفاقات مرتين، ويشهد على ذلك تقرير اللواء السوداني محمد مصطفى الدابي رئيس فريق المراقبين العرب، الذي رفضت المجموعة العربية برئاسة وزير خارجية قطر حمد بن جاسم والجامعة العربية بقيادة نبيل العربي، تقديمه إلى مجلس الأمن، يوم كان القرار بمواصلة الحرب على سورية يستدعي السعي إلى استصدار تفويض مشابه لتفويض الحرب على ليبيا، كما يشهد على تقييم الدولة السورية لصلة الحلّ السياسي بوقف النار، في تلك المرحلة كلام الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، الذي تولى مهمة الوسيط الأممي للحلّ السياسي في سورية وقاد مساعي وقف النار في حمص، وأعلن بعد نهاية مهمته أنّ الفشل يعود إلى سيطرة الإرهابيين على قرار المجموعات المسلحة، وتحوّل القيادة السياسية لهذه المعارضة إلى مجرّد واجهة يختفي وراءها الإرهاب، وأنّ الرئيس بشار الأسد كان صادقاً وجاداً ومتعاوناً في السعي إلى حلّ سياسي، لكن قراراً دولياً إقليمياً كبيراً كان يحول دون فتح الباب لهذا الحلّ، حيث كان العداء للرئيس الأسد يتقدّم على ما يُقال عن رغبة بتجنيب سورية حمام الدم المفتوح من جهة، والتحسّب لخطر تجذر ونمو الإرهاب من جهة أخرى.
سقطت تلك المرحلة وانتهت في العام 2013 وبدأ مسار جديد تتبوّأ فيه تشكيلات «القاعدة» صدارة المشهد العسكري، لكن الحساب الخارجي لتدخل مباشر في سورية من الأميركيين خصوصاً بقيَ يعيق الاعتراف بالحقيقة التي صارت تظهر يوماً عن يوم بصورة أشدّ وضوحاً، وهي أنّ الجهات المعارضة التي يمكن جلوسها على طاولة مفاوضات لم يتبق لها شيء من الحضور الميداني، يبرّر جلبها إلى طاولة تبحث بحلّ أمني اسمه وقف القتال يشكل بوابة للحلّ السياسي، بل صار الحلّ السياسي المطروح منذ التسليم باستحالة خوض حرب خارجية على سورية، يعني إيجاد مقايضة تقبل بموجبها الدولة السورية إدخال مجموعات معارضة في تشكيلة حكومية مقابل تراجع أميركا وحلفائها عن العقوبات ضدّ سورية، وقبولهم العودة إلى علاقات طبيعية مع حكومة سورية يقولون إنها موضع قبول ورضا بحصيلة الحلّ السياسي، ويكون معيار تحديد هوية المعارضين المشاركين في الحلّ هو ذات عنوان ومبرّر العودة إلى الانفتاح على الدولة السورية، الحرب على الإرهاب، وهو ذات الإرهاب الذي كان قبل سنتين رهاناً لإضعاف الدولة السورية وإجبارها على التفاوض حول منصب الرئاسة وعلى الحقوق السيادية للدولة، في مناخ الوهم بالقدرة على إدارة المجموعات الإرهابية وإبقائها تحت السيطرة عند حصول ذلك، وفي كلّ حال فذلك التنازل السوري لم ولن يحصل، وها هو الإرهاب صار خارج السيطرة، حتى صرّخ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في وجه حليفيه التركي والسعودي قائلاً: ها هي نتائج أوهامكم بإسقاط الرئيس السوري، وهكذا صار الحلّ السياسي طريقاً ينتهي بالحلّ العسكري لمواصلة الحرب على الإرهاب بعدما كان يبتدئ بحلّ عسكري اسمه وقف القتال.
الحلّ السياسي الأوّلي لن يكون أكثر من احتفالية تستند إلى شعبية الدولة السورية وقواتها المسلحة من دون أن يضيف إليها المشاركون من موقع المعارضة أي شيء يُذكر شعبياً وعسكرياً، لكن يفترض أنّ نهاية الحلّ العسكري ضدّ الإرهاب أن تجلب فرصة الانتقال إلى الحل السياسي بمرحلته الثانية المتمثلة بالانتخابات البرلمانية، التي ستؤكد الطابع التعددي للدولة السورية ومؤسّساتها وتحمل عبر صناديق الاقتراع هذا التنوّع والتعدّد خارج التقسميات التي عرفناها للموالاة والمعارضة.
«توب نيوز»