ما وراء التقرير حول «سي آي أي»!
عامر نعيم الياس
المعلومات الخاطئة للكونغرس ووزارة العدل والبيت الأبيض، التضليل للمؤسسات الأميركية، التكاليف الفائضة، عدم جدوى التعذيب في الحصول على المعلومات المفيدة من المستجوبين، العنف المفرط ضد المعتقلين، خلاصات توصل إليها التقرير الذي نشر في الولايات المتحدة الأميركية منذ أيام قليلة، حول التعذيب الذي تمارسه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بحق المعتقلين لديها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. مما لا شك فيه أن نشر التقرير من شأنه تشويه صورة أميركا باعتبارها رأس الحربة في المشروع الكوني للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والدمقرطة في العالم أجمع. كما من شأنه أن يساهم أكثر فأكثر في إفشال الخطط التي تحاول تحسين سمعة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. ولعلّ استنفار القوات الأميركية في قواعدها المنتشرة في منطقتنا عقب نشر التقرير، خير مثال على ذلك، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لا يتعلق بالتقرير بحدّ ذاته، بل بما وراء التقرير، وتحديداً توقيت نشره.
في حزيران عام 2004 أشارت الصحافة الأميركية إلى حصولها على وثائق رسمية تتضمن توفير أساس قانوني لأساليب التعذيب التي تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في سياق الحرب على الإرهاب التي أطلقها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش. لكن بعد الانتخابات النصفية للكونغرس في عام 2006، وعلى إثر سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وبالتالي ترؤسهم لجنة الاستخبارات، اتخذت التحقيقات في الملف منحىً مختلفاً، وتصدر الجدل حول التعذيب المشهد الإعلامي الأميركي، إذ نشرت صحيفة «واشنطن بوست» عام 2007 تقريراً حول تدمير مئات الوثائق التي تثبت استخدام «تقنية الإغراق» في التحقيقات مع بعض المتطرفين في تايلند، وهو ما دفع إلى تشكيل لجنة من مجلس الشيوخ لمراقبة عمل «سي آي أي» بدأت عملها مع وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وتضمّ خمسة عشر عضواً، سبعة من الجمهوريين، ومثلهم من الديمقراطيين، وعضو مستقل عن ولاية ماين يدعى أنغوس كينغ يميل في العادة إلى التصويت لمصلحة الديمقراطيين في اللجنة، وذلك بحسب مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية في واشنطن، ويترأس اللجنة السيناتور الجمهوري ديان فينستن، وقد عملت اللجنة على ما مجموعه ست ملايين وثيقة، وأرسل التقرير بداية السنة الحالية إلى البيت الأبيض لتحديد الأجزاء التي يمكن نشرها ورفع السرّية عنها، في الوقت الذي احتجّت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على هذا الأمر، وهو ما يثبت وجود صراع بين الإدارة الأميركية وأهم وكالة استخبارية في البلاد. فالتقرير وفقاً للصحافة الأميركية يحاول الإجابة عن سؤالين يستهدفان تعرية عمل الوكالة، وهما: هل أعلمت سي أي أيه الكونغرس والبيت الأبيض بتقنيات الاستجواب التي تستخدمها؟ وهل كان استخدام التعذيب فعالاً في الحصول على المعلومات؟ هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن ردود الفعل الصادرة عن الإدارة الأميركية والحزب الجمهوري تثبت بما لا يدع مجالاً للشك حجم الخلاف بين الطرفين، ومحاولة استخدام الإدارة الأميركية التقرير في خدمة أجندتها الداخلية سواء في تمرير العامين الباقيين لأوباما في الحكم بعد سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه، أو في التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة. فالتقرير يتناول ممارسات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية باعتبارها منهجاً أسست له الإدارة الجمهورية السابقة.
وفي هذا السياق ندّد الرئيس باراك أوباما بما اعتبره وسائل «مخالفة» لقيم الولايات المتحدة، وقال في بيان «يصف هذا التقرير برنامجاً يثير القلق، ويزيد من قناعتي بأن هذه الوسائل القاسية لم تكن مخالفة لقيمنا فقط ولكنها لم تكن مفيدة لجهودنا في محاربة الإرهاب». وأشار إلى أن «هذه التقنيات لطّخت كثيراً سمعة أميركا في العالم»، واعداً بالقيام بكلّ ما هو ممكن لضمان عدم تكرارها.
فيما اعترض الحزب الجمهوري على نشر التقرير مرفقاً اعتراضه بوثيقة تقول إن «التقرير يعرّض حياة الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين للخطر»، وهو ما أيّده ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق بإشارته إلى أن التقرير لا يساهم في حماية الولايات المتحدة.
كاتب ومترجم سوري