دبابيس أوقفوا مهزلة التنجيم

أحمد طيّ

مسكين الشعب اللبناني، كيف ينقاد وراء الترّهات لمجرّد اللعب على الأوتار الحسّاسة، هذا اللعب الذي تتقنه جيّداً قنوات تلفزيونية عدّة، وأيضاً دور نشر. وكأنّ هذا الشعب ينقصه المزيد من المآسي كي يُدفن حيّاً.

منذ سنوات ليست بقليلة، كان اللبنانيون ينتظرون ليلة رأس السنة لتكون ليلة مميزة. وكانت القنوات التلفزيونية تخصّص لتلك الليلة باقة من البرامج الترفيهية والمنوّعات وبرامج الألعاب والمسابقات. وكان الفنانون من ممثلين ومغنّين يزيّنون تلك البرامج. ولعلّ البرنامج الأطرف كان ذلك الذي يرصد بانوراميّاً، أخطاء المذيعين ومقدّمي البرامج وهفواتهم على مدى سنة كاملة، فنرى وجوه أولئك الأخرى ونبتسم حيناً ونضحك أحياناً أخرى.

ثم فتحت المؤسسة اللبنانية للإرسال الباب على مصراعيه أمام برامج التنجيم والتوقعات مع ميشال حايك، الذي يعرف جيّداً كيف يخاطب جوانيّة كلّ لبنانيّ من خلال «توقّعات» بعضها سطحيّ ساذج، وبعضها الآخر مبنيّ على دراسة الماضي والحاضر وبناء المستقبل، و«يا ربي تيجي في عينه»، فإن أصاب كان البطل، وإن لم يصب يقول بعد سنة أنّه دار في فلك الموضوع.

وما هي إلا سنوات قليلة حتّى كرّت سبّحة التنيجيم والمنجّمين، وصار لكل قناة تلفزيونية منجّمها، يطلقون الإشاعات والتوقّعات هنا وهناك، واللبنانيون يرصدونهم من شاشة إلى أخرى… واربحي أيتها القنوات التلفزيونية ما «حُلّل لك» من عائدات الدعايات!

أما اليوم، فأصبح التنجيم «مصلحة»، لا بل «شغلة اللي ما إلو شغلة». والجديد على قناة «الجديد». برنامج أسبوعي مع الإعلامي شادي خليفة. وما لفتنا، إضافةً إلى الكمّ «اللانوعي» من المنجّمين الذين يحملون لقب «عالم فلك»، النشرة الدعائية للبرنامج، والتي جاء فيها: «بسبب الأحداث الكثيرة التي يشهدها لبنان والمنطقة، صار المجهول وما يحمله لنا في الأشهر المقبلة، هاجس كلّ مواطن لبنانيّ وعربيّ. وصارت التوقعات متنفّساً لكلّ منّا، علّنا نستطيع استشفاف المرحلة المقبلة والتهيّؤ لها. العالم الفلكي فلان الفلاني سيطلّ علينا بحلقة خاصة مع شادي خليفة ليفصح عن توقّعاته للأشهر الأخيرة من عام 2014، التي وإن حملت لنا بعض الإيجابيات، فإن السلبيات كثيرة بحسب توقعاته».

يا أخي ومن قال لك أنّ توقّعات «فلان» ستختلتف عن توقّعات «علّان»، فكلّ التوقّعات مبنيّة على حقيقة واحدة: جهل المواطن اللبناني. فهذا المواطن يجهل تماماً الأموال التي يتقاضاها كلّ من المنجّم ومقدّم البرنامج، ويجهل تماماً عائدات القناة من «كنز الدعايات»، ويجهل تماماً أن بعض المنجّمين كذّابين كذّابين كذّابين ولن يصدقوا، وما إطلالاتهم على الشاشات إلّا لتمرير بعض «التوقّعات» المجهّزة سلفاً في مطابخ سياسية واستخباراتية.

رسالتنا إلى وزارة الإعلام، وإلى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وإلى لجنة الإعلام في المجلس النيابي وإن مدّد لنفسه، أن اوقفوا مهزلة التنجيم على التلفزيونات اللبنانية، وضعوا حدّاً لهؤلاء «البرّاجين» الذين يلعبون بعواطف المواطنين وسذاجتهم. ورسالتنا أيضاً إلى المواطن اللبنانيّ، يا أخي شاهد أي برنامج آخر وساهم في لجم هذه الظاهرة اللاإيجابية، فـ«وحياة عيونك»، لا ميشال سيحوك الحقيقة مستقبلاً، ولا مايك فغالي سيجزّ جدولته في القدس، ولا ليلى عبد اللطيف ستبشّرك بمستقبل هادئ، وصدّق ألّا أحد من هؤلاء ينظر إلى راحتك بقدر ما يتحسّس جيبه، أو حسابه البنكيّ!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى