الفنّانة التشكيليّة الفلسطينيّة نداء بدوان عاشت أربعمئة يوم من العزلة الفنّية
احتجاجاً على الحرب المقيمة في شوارع مدينة غزة، ورفضاً لما يشهده القطاع من تجاذب ومن حصار قاس، ومناصرةً للحرية والتحرر والإنسانية والمجتمع المنهك من القتل والموت والدمار، قرّرت نداء بدوان أن تدخل عزلتها في غرفة صغيرة وتواصل مشروعها الفني من هناك.
نداء بدوان فنانة تشكيلية فلسطينية من مواليد 1987 مقيمة في غزة، شاركت في عدة معارض مثل معرض «هذا أيضا غزة»، كما شاركت في عدد من الأفلام السينمائية مثل «أرى ما لا أريد»، و«القدرة والعجز».
نداء نحاتة أيضاً، لكن تجربتها اللافتة تبقى في الفن الفوتوغرافي الذي باشرته من وسط عزلتها صوتاً لها، يصعد من الصورة كاسرا الحصار والحرب اللذين يخنقان موطنها.
تقوم نداء بدوان بخطوة ربما يفهمها البعض احتجاجاً ذاتياً، أو صرخة فنان مكتومة لإيقاظ الإنسانية حيال الظلم والحيف والدمار الذي توجهه إلى نفسها، فانعزلت عن العالم الخارجي لتظل مربوطة إليه من خلال الفن وحده، تصدر إليه أعمالها ورؤاها من خلف جدران غرفتها التي لم تبرحها.
عن دوافع القيام بخطوة الانعزال هذه، والمحافظة على ممارسة فنها من حلكة العزلة القاسية، تقول بدوان: «المساحة الاجتماعية الضيقة جداً والحوادث الصعبة التي تعيشها غزة، جعلتني أبحث عن مكان آخر قد أفترض أنه آمن يتيح لي المجال والمساحة لممارسة الفن، وهذا المكان كان في الحقيقة الغرفة الصغيرة التي لا تتجاوز ثلاثة أمتار مربعة. لكن الحرب الأخيرة على قطاع غزة أدخلت إليّ الشك في كل ما حولي، حتى في أن تكون غرفتي مكاناً آمناً! إذ كانت بدورها مستهدفة من القصف العشوائي الذي نثر دماره في كل زاوية، حتى انتهت الحرب ونجت غرفتي الصغيرة بسلام».
عن تفاصيل مشروعها الفني، ورؤاها للفن الفوتوغرافي وللفن كرؤية للعالم، توضح: «فضلاً عن أني أرسم وأنحت، ألفيت أن التصوير الفوتوغرافي يمكن أن يهبني المساحة لجعل ما أنتجه أكثر من مجرّد صورة، فهي من وجهة نظري وطريقة صنعي لها تجعلني أنحت، أرسم، ألوّن الكادر بالطريقة التي أراها تمثلني، وإخراج الصورة على أنها عمل فني وليست مجرّد قالب صامت. نحن نرى الذكريات على هيئة صور. الأحلام كذلك، وتخيلاتنا أيضاً. أكثر ما يمكن أن يحرّك في داخلنا المشاعر هو الصورة، وهذا يلقي عليّ شخصيا كفنانة مسؤولية إدخال أيّ عنصر في الكادر أو حذفه منه».
داخل مدار عزلتها في غرفتها الضيقة ذلك العالم الصغير والبسيط الذي احتضن الفنانة وفعلها الفني، كانت نداء متواصلة مع العالم على نحو عميق من خلال وسائل التواصل الحديثة، فهي تعتقد أن التكنولوجيا ووسائل التواصل هي العامل المساعد الأكبر في إيصال الرسائل الفنية إلى الجمهور بفئاته كافة، وتعتبر نفسها محظوظة لوجودها في زمن التكنولوجيا.
التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة نافذة نداء التي تطل منها على العالم ويطل هو منها عليها في عزلتها، التي اعتمدتها أوّلاً طلباً للأمن والسكينة، لأداء العمل الفني بإخلاص، بعيداً عن ضوضاء العالم وعن الحرب والفوضى اللذين يعششان في قطاع غزة. لذا ليس لأحد أن ينكر دور التكنولوجيا في عبور الفنانة حاجز الجدران والحرب والخوف، حاجز المكان الضيق الذي اتسع بالأمل فحسب والحلم من خلال الصورة بإنسان أفضل، إنسان يتصالح مع وجهه ومع ذاته ومع أحلامه، إنسان ضد الحرب وفوضى الدم وأظافر الوحشية والاحتلال والقهر، لذا فإن معظم صورها الفوتوغرافية كانت تصوّر فيها نفسها وغرفتها التي حولتها إلى عالم متغيّر، رغم طغيان مسحة ألوانه الباهتة.
تقول بدوان: «استمرت عزلتي سنة وعشرين يوماً الآن. لم أغادرها ولن إلاّ عندما أجد مكاناً أوسع من غرفتي يمكنه أن يعطيني مساحة للتعبير من دون قيود أو حصار».
يتمّ الآن التحضير لمعرض صور نداء بدوان عبر المركز الفرنسي في القدس، في 15 كانون الثاني 2015، وستفك الفنانة عزلتها للمرة الأولى يوم افتتاح المعرض وستكون حاضرة في هذه التظاهرة. نداء بدوان من داخل عزلتها صوّرت نفسها، جسدها، غرفتها وأحلامها البسيطة بوطن أفضل وإنسان أفضل، من خلال عناصر بسيطة جدّا نجحت عبرها في لفت نظر العالم إليها.