طبخة التفاوض تترنح… نحو طباخ واحد
كتب المحرر السياسي:
التذاكي الأميركي يخلف الفشل بالفشل، فإدارة الرئيس باراك أوباما الخائفة من الاستحقاقات الانتخابية تحاول السير بين النقاط، مذعورة من قدرة خصومها على تصنيع الأفخاخ لها عند كلّ منعطف ضروري للسير بالتفاهمات، التي صارت ممراً إلزامياً لحماية المصالح الأميركية، كما هي ضرورة للفوز بالحرب على الإرهاب، الذي تحوّل مع حادث سيدني إلى كابوس رعب في الغرب كله.
قرّر البيت الأبيض أن يربح السباقين معاً في شبه استحالة للجمع بينهما، فبنى خطته على معادلة قوامها، طلب التفهّم الروسي والفلسطيني لمسايراته وتنازلاته أمام «الإسرائيليين» واليمين الجمهوري، مقدماً لروسيا توقيعاً قريباً للرئيس أوباما على قانون العقوبات الذي أقرّه الكونغرس كمجرّد منح تفويض لن يستخدمه الرئيس، وبالتوقيع من دون الاستخدام يراهن البيت الأبيض على تخطي الكمين الذي يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف، إنّ الجمهوريين نصبوه للرئيس ليقرّ القانون ويرفضه الرئيس، فيستثيرون الكونغرس كله ضدّه، من باب الصلاحيات والعلاقات بين المؤسّسات الديمقراطية، بينما بيد الرئيس أن يوقع القانون ولا يستخدم الإجازة التي يفوّضها القانون له، في المقابل ما يهمّ موسكو هو أنّ منهجية العنجهية الأميركية والتعالي على روسيا تلقى تشجيعاً إضافياً وتشريعاً إضافياً يمكن أن يستخدمه رئيس جديد وهذا لن يسهّل التفاهمات ولا التعاون في الملفات على رغم كثرة التطمينات.
في الملف الفلسطيني يفعل البيت الأبيض الشيء نفسه، فيقرّر تهديد الفلسطينيين علناً، باستخدام الفيتو ضدّ مشروع قرار إعلان الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، إذا قدّم من دون تعديل، ويطلب من المفاوض الفلسطيني أن يتفهّم كلامه العلني كمحاكاة انتخابية للداخل الأميركي و«الإسرائيلي»، مقدّماً الدعوة إلى تعديل المشروع ليصير قراراً بتفاوض لسنتين تنتهيان بإعلان الدولة، مع معادلة لا إعلان للدولة من طرف واحد، فيفرغ المشروع من مضمونه، وهي الصيغة التي عرضها كيري على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ولم تلق قبولاً.
الارتباك الأميركي مستمرّ، وقد يطلّ برأسه مع تقدّم التفاوض مع إيران عندما تصير قضية العقوبات محور البحث، وما يتصل منها بالقوانين الصادرة عن الكونغرس.
الارتباك مستمرّ أميركياً، لكن التفاوض يتقدّم، فالحوار الأميركي ـ الإيراني حقق تقدّماً في جلسة الأمس، واليوم يلتقي المفاوضون السبعة لإيران ودول الخمسة زائداً واحد، ويتوقع بحسب مصادر متطابقة المزيد من التقدّم، وكذلك في مسعى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لإطلاق مبادرته حول سورية، الذي حط في الرياض بعد الحصول على الموافقة والدعم من أوروبا، وتشكل هذه الزيارة محطة فاصلة في مبادرته تتوقع أوساط نيويورك أن تنتهي بنجاح، بينما وقف النار في أوكرانيا ينهي الأسبوع الأول بلا خروقات.
لبنان مرتبك أيضاً، وليس أميركا فقط، بل ربما يجد لبنان في ارتباك الكبار عزاء لارتباكه، فمهمة المبعوث الفرنسي تظهّرت عن لا شيء جدياً، ومثلها تترنّح لجنة التواصل النيابي لصياغة قانون انتخاب جديد، ومثلها حوار رفع العتب الصعب بلوغه نتائج مهمة، بين تيار المستقبل وحزب الله، ليشهد ملف التفاوض حول العسكريين المخطوفين بدء النقاش الجدي، بإنهاء كثرة الطباخين والعودة إلى الطباخ الأصلي مدير عام الأمن العام، الذي يحوز وحده تفويضاً حكومياً لمواصلة التفاوض، خصوصاً بعد الارتباك الذي شهدته جبهة الخاطفين بتشتّت مركز القرار التفاوضي وضياع الصورة الواضحة فيه.
العودة إلى تفويض إبراهيم
وفيما لا يزال موضوع التفاوض في ملف العسكريين المخطوفين، أكد قائد بارز في «جبهة النصرة» لـوكالة «الأناضول» التركية أن «لا صحة لأي بيان باسمنا عن توكيل الشيخ وسام المصري أو تفويض وسيط للتفاوض في شأن العسكريين اللبنانيين». في وقت شدد وزراء في خلية الأزمة المكلفة بهذا الملف على ضرورة اتخاذ خطوات جدية.
وكان رئيس الحكومة تمام سلام ترأس أمس اجتماعاً للخلية في إطار اجتماعها الأسبوعي.
وقبيل الاجتماع قال وزير المال علي حسن خليل: «نحن في الأساس لم نقاطع اجتماعات خلية الأزمة، لكن، لدينا موقف ارتأينا التأكيد عليه خلال الاجتماع اليوم أمس وهو ضرورة اتخاذ خطوات جدية لإطلاق العسكريين المخطوفين وبت موضوع مرجعية التفاوض وآليته».
من جهته قال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق: «ليس هناك فوضى داخل خلية الأزمة بين ما هو سياسي وما هو أمني، قناة التفاوض معروفة وهي تعمل واللواء عباس إبراهيم هو رئيس المجموعة الأمنية والكل متفق على هذا الأمر».
وكرر «أن المدخل إلى استئناف التفاوض هو التعهد الخطي من الجهات الخاطفة بعدم قتل العسكريين ونحن لا نقفل الأبواب أمام كل من يريد المساعدة وهيئة العلماء المسلمين هي من تبرعت بالمساعدة مشكورة».
ولاحقاً، نفى مكتب المشنوق، التسريبات حول أن الأخير أعلن أن الحكومة تعتبر العسكريين الرهائن شهداء، معتبراً أن هذه «حرب عارية من الصحة جملة وتفصيلاً».
ولفت إلى أن «المشنوق لم يدل أو يسرب أي معلومات تتعلق بملف العسكريين سوى التأكيد أن لا تفاوض مع الخاطفين قبل التعهد الخطي بوقف قتل العسكريين».
وبالتزامن مع اجتماع خلية الأزمة، أشعل أهالي العسكريين الرهائن الإطارات على مدخل السراي الحكومي.
«التغيير والإصلاح»: لم تطرح المقايضة في مجلس الوزراء
في غضون ذلك، أكد وزير التربية الياس بو صعب بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح في الرابية، أن المقايضة في ملف العسكريين لم تطرح على طاولة مجلس الوزراء كي يتم القبول بها أو عدم القبول بها.
وأوضح أنه «في لحظة الخطف طلب بعض الأشخاص غير المكلفين من أحد بل متطوعون كي يفاوضوا مع المسلحين، طلبوا وقتها وقف إطلاق نار في عرسال لساعتين مقابل أن يطلق سراح العسكريين ويخرج المسلحون من الأراضي اللبنانية، وهذا ما لم يحصل»، مشيراً إلى أن مصطفى الحجيري «أبو طاقية» قال إن العسكريين ضيوف لديه ومن ثم أصبحوا في الجرد ولم يخبرنا أحد في مجلس الوزراء كيف حصل ذلك وهذا لم يعرض أبداً».
ولفت بو صعب إلى أن «خلية الأزمة تشكلت وهي تحاول إيجاد حل ولكن وزير الخارجية جبران باسيل منذ اليوم الأول لم يعارض ولم يشارك في عمل الخلية لأن الأمور كانت تسير بطريقة لن تؤدي إلى نتيجة سريعة كما كنا نتمنى».
وتوجه بو صعب لأهالي العسكريين قائلاً: «إن أي كلام عن رفضنا لعمل مقايضة أو عدم رفضنا هو كلام عار من الصحة لأنه حتى اللحظة لم يعرض أمامنا ما هو المطلوب وما هي المقايضة»، مؤكداً «نحن لا نرفض المقايضة إنما نريد خروج العسكريين وحفظ هيبة الدولة والحفاظ على القوانين».
إلى ذلك، ترددت معلومات مساء عن أن «السلطات التركية ألقت القبض على الشيخ بلال دقماق لشرائه فيزا شانغهان مزورة للسفر إلى خارج تركيا».
وتجدر الإشارة إلى أن دقماق صادرة بحقه وثيقة أمنية للتحقيق معه في شأن الأسلحة التي عثر عليها في منزله بطرابلس منذ أشهر قليلة.
تعليق اجتماعات «التواصل»
سياسياً، يجتمع رئيس لجنة التواصل النائب روبير غانم اليوم برئيس المجلس النيابي نبيه بري للبحث في عمل اللجنة، بعدما علق النائب جورج عدوان أمس مشاركته إلى حين تحديد بري موعداً لجلسة الهيئة العامة للتصويت على قانون انتخابي سواء توصلت اللجنة إلى تفاهم أم لا.
وعلمت «البناء» أن الرئيس بري لن يحدد موعداً للجلسة، في ظل رفض كتلة المستقبل والنائب وليد جنبلاط عدم التصويت على أي قانون انتخابي إذا لم يكن هناك رئيس جمهورية. ومطالبة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الرئيس بري الدعوة إلى جلسة عامة لتفسير المادة 24 من الدستور قبل إقرار أي قانون انتخابي.
وأشارت مصادر نيابية لـ»البناء» إلى أن عمل اللجنة لن يتوقف نهائياً، بل سيعلق، معتبراً أنه لا يمكن استكمال الجلسات بغياب أي ممثل عن الكتل السياسية الممثلة في اللجنة. وكانت الجلسة أمس شهدت مساعي من النواب لإقناع عدوان بحضور جلستي اليوم وغداً المقررتين مسبقاً، لا سيما أن مهلة الشهر التي حددها الرئيس بري أشرفت على نهايتها، إلا أن المحاولات باءت بالفشل، ليخرج رئيس اللجنة ويعلن بعد انتهاء الاجتماع «أن البحث تناول طرح النائب عدوان بضرورة عقد جلسة للهيئة، ونقول إن المهلة لم تنته، وانه علينا استشارة الرئيس بري ونعود نهار الخميس.
وفي السياق، أمل نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون في إيجاد مخرج لملء الشغور الرئاسي من أجل استمرار عمل المؤسسات الدستورية، موضحاً خلال زيارته يرافقه المنسق الخاص في لبنان ديريك بلامبلي البطريرك الماروني بشارة الراعي انه ربما هناك تدخلات خارجية في الشأن الرئاسي لكن الحل هو بوحدة اللبنانيين وآراء القادة السياسيين لتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية.
لقاء الحريري جعجع
والملفات اللبنانية المطروحة ولا سيما موضوع رئاسة الجمهورية والحوارات الثنائية، حضرت في لقاء الرئيس سعد الحريري مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في الرياض.
وتم التشديد خلال اللقاء بحسب بيان لمكتب الحريري، على «أهمية تهدئة الأجواء السياسية والحفاظ على الأمن والاستقرار، وضرورة مواصلة التشاور والبحث للخروج من المأزق السياسي القائم، والإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية».