بوتين: أميركا والسعودية سببتا انهيار أسعار النفط لإخضاع روسيا وإيران
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده للوساطة حتى استعادة وحدة أوكرانيا السياسية، وإطلاق حوار بين الأطراف المتنازعة من أجل «تسوية الوضع حتى استعادة الفضاء السياسي الموحد»، مؤكداً ضرورة حل الأزمة الأوكرانية بالطرق السياسية وفي أسرع وقت.
وقال بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي الموسع أمس، إنه يجب حل الأزمة بالطرق السياسية لا بـ»الضغط من جهة ما» عبر فرض حصار اقتصادي أو استعمال قوات مسلحة. ووصف الحصار الاقتصادي المفروض على منطقة دونباس بشرق أوكرانيا بأنه مضر للدولة والشعب الأوكراني على حد سواء. وأضاف: «بدلاَ من بدء حوار سياسي معهم راحوا في البداية وجهوا ضدهم قوات الأمن والشرطة. وعندما فشلوا وجهوا نحوهم الجيش، وعندما أخفقوا في ذلك أيضاً يحاولون اليوم حل القضية بالقوة من خلال الحصار الاقتصادي».
ورأى بوتين أن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو يرغب في تسوية الوضع في البلاد، إلا أن مسؤولين كثيرين في أوكرانيا يدعون إلى القتال حتى النهاية، ويدلون بتصريحات عدوانية جدا، مؤكداً أن على كييف احترام مصالح سكان دونباس، وألا تمارس الضغط عليهم إذا رغبت في إحلال السلام واستعادة وحدة أراضيها.
ودعا الرئيس الروسي كييف إلى حوار سياسي مباشر وشفاف وصريح مع سكان الشرق وكذلك إلى التزام الاتفاقات الموقعة، في إشارة إلى الاتفاق حول العفو العام وقانون الوضع الخاص لمنطقة دونباس. وأشار إلى ضرورة تبادل الأسرى في جنوب شرقي أوكرانيا وفقاً لمبدأ «الجميع مقابل الجميع» من دون شروط مسبقة لكي يعود هؤلاء إلى عائلاتهم قبل حلول أعياد رأس السنة والميلاد، داعياً إلى ضرورة تدقيق قوائم الأسرى.
وأكد بوتين أن سلطات كييف لا تسحب قواتها من المناطق التي يجب عليها الانسحاب منها، بما في ذلك من منطقة مطار دونيتسك، بخلاف قوات دونيتسك التي سمحت للجانب الأوكراني بتبديل قواتها في المطار، معبراً عن أن أمله بأن تكون هذه الخطوة مؤشراً إلى إمكان التوصل إلى اتفاق.
وشدد الرئيس الروسي على أن موقف بلاده من الأزمة الأوكرانية يستند إلى مبادئ القانون الدولي وحق الشعب في تقرير مصيره، مضيفاً أن روسيا ستواصل تقديم المساعدات لسكان شرق أوكرانيا، وكشف عن إرسال موسكو قافلة مساعدات إنسانية عاشرة إلى دونباس اليوم.
من جهة أخرى، قال الرئيس الروسي إن روسيا لا تدفع من خلال العقوبات الغربية المفروضة عليها ثمن انضمام القرم إليها، وإنما ثمن رغبتها في الحفاظ على هويتها الوطنية وحضارتها.
ورداً على سؤال بشأن تأزم العلاقات الروسية الغربية، قال بوتين إن الغرب يتصرف بعد انهيار جدار برلين وكأنه امبراطورية فوق الجميع، وحلف شمال الأطلسي يتوسع باتجاهين نحو الشرق وينشر الدرع الصاروخية في أوروبا على الحدود الروسية، معتبراً أن هذا النهج لا يختلف عن بناء جدار جديد بين الغرب وروسيا ولو كان وهمياً. مشدداً على أن الغرب لم يتوقف قط عن وضع الحواجز في وجه روسيا على رغم محاولات موسكو التعامل معه من دون خطوط تقسيم في أوروبا والعالم، مؤكداً أن بلاده لا تهاجم الغرب سياسياً، وإنما تعمل على حماية مصالحها. وقال: «قلتم إن روسيا ساهمت بقدر معين في التوتر الذي نراه في العالم الآن. لقد ساهمت روسيا بقسطها، ولكن بمعنى أنها تعمل بمزيد من الشدة على حماية مصالحها الوطنية».
وأضاف بوتين: «نحن لا نهاجم أحداً سياسياً، وإنما نحمي مصالحنا فقط». وتابع إن «استياء شركائنا الغربيين، وقبل كل شيء الأميركيين مرتبط بذلك بالذات، وليس بقيامنا بأعمال معينة في مجال الأمن من شأنها إثارة التوتر».
وفي الوقت ذاته، أشار الرئيس الروسي إلى أن الولايات المتحدة تخلق أخطاراً لروسيا من خلال نشر عناصر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية. وتساءل بهذا الخصوص «من انسحب من طرف واحد من المعاهدة التي تعتبر من أحجار الزاوية لمنظومة الأمن الدولي كلها؟ نحن؟ لا، الولايات المتحدة هي من قامت بذلك».
وأكد بوتين أن روسيا تريد تطوير علاقات طبيعية مع الغرب في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، وستتعامل مع الشركاء في المسائل المتعلقة بعدم انتشار السلاح النووي، ومحاربة المخدرات والجريمة وانتشار الأمراض الخطيرة، مشدداً على أن بلاده ستبني علاقاتها مع الغرب على أساس مبدأ التكافؤ واحترام مصالحها الوطنية.
وفي السياق ذاته، اتهم الرئيس بوتين أميركا والسعودية بالتسبب بأزمة انهيار أسعار النفط لإخضاع روسيا وإيران، مؤكداً أن روسيا التي تشهد أزمة مالية ستعود إلى النمو في غضون عامين في أسوأ الأحوال، وأشار إلى أن عوامل اقتصادية خارجية فاقمت الأزمة في بلاده.
وقال بوتين أمام أكثر من ألف صحافي: «إن الخروج من الأزمة أمر حتمي»، وأضاف «سنعتمد إجراءات استخدمناها بنجاح في 2008»، واعتبر أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي لمواجهة الأزمة مناسبة.
وفي ما يخص سعر صرف الروبل، أعرب بوتين عن أمله في الحفاظ على الارتفاع الأخير الذي تم تحقيقه في مجال سعر صرف العملة الروسية، إلا أنه لم يستبعد إمكان استمرار انخفاض سعرها مع استمرار تراجع أسعار النفط، مشيراً إلى أن الحكومة والمصرف المركزي يتخذان التدابير والإجراءات المناسبة لمعاجلة الوضع الحالي، ومؤكداً أن المصرف المركزي لا يعتزم إنفاق الاحتياطي العام في روسيا البالغ 8.3 تريليون روبل الموجود لديه من دون تفكير.
واقترح الرئيس الروسي على الحكومة التعاون بفعالية أكثر مع الشركات الوطنية الناشطة في مجال التصدير التي تكسب إيرادات كبيرة بالعملة الصعبة، ودعا إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد في ظل تراجع أسعار النفط الخام، متوقعاً أن تتعدل الأوضاع اعتباراً من الربع الأول من العام المقبل على رغم وجود الكثير من العوامل الضبابية. معلناً أنه من السابق لأوانه أن يتحدث أحد عن انتخابات الرئاسة المقبلة التي ستجرى في روسيا عام 2018، وقال: «من السابق لأوانه أن يتخذ أحد قراراً بخصوص انتخابات الرئاسة عام 2018، ويجب العمل بدأب لخدمة مصالح مواطني الاتحاد الروسي، وتبعاً للنتائج ومزاج المجتمع سيكون من الممكن تحديد من سيخوض الانتخابات في 2018».
وتعليقاً على مستوى شعبيته المرتفع، قال بوتين إن المهم بالنسبة له تنفيذ مهماته، وليس التفكير في كيفية الحفاظ على مستوى الشعبية، مشدداً على أنه لم يتهرب أبداً من المسؤولية عن كل ما يحدث في البلاد، مشيراً إلى أن هذه المسؤولية دائماً تقع على عاتق الرئيس أولاً، ومن بعده باقي المسؤولين في الدولة، بحسب تسلسلهم في هرم السلطة.