أميركا ترتبك فترتبك السياسة والتسويات؟
روزانا رمال
كلّ من يتابع السياسة الاميركية الخارجية والسلوك الذي تنتهجه في اكثر القضايا حساسية ودقة سيستنتج حكماً انّ هناك تردّداً وارتباكاً أميركييْن واضحيْن، او ربما مصطنعيْن حيال مواقفها من تلك القضايا، التي يمكن وصفها بالمتناقضة حيناً والمزدوجة حيناً آخر فماذا تصنع أميركا؟
في ما يتعلق بالملف السوري الذي يتجه ولأول مرة منذ الأزمة نحو الحديث عن مبادرة جدية قابلة للنجاح وبإيجابية سورية غير مسبوقة، وهي مبادرة دي ميستورا، يعرف الأميركي جيداً انه والروس سعوا للوصول اليها منذ اليوم الاول لتعيين دي ميستورا، وإيجابية الرئيس بشار الأسد تجاه المبادرة كانت واضحة، وكلّ هذا تمّت ترجمته في زيارات دي ميستورا المتتالية الى سورية وعكَسها مبعوث الرئاسة الروسية أيضاً ميخائيل بوغدانوف في زياراته الى دمشق، وفجاة وبدون مناسبة تصدر واشنطن عقوبات ضدّ رجال أعمال وشركات سورية على الرغم من انّ واشنطن تعرف انّ «المعارضة المعتدلة» في سورية «فانتازيا» وهي صاحبة هذا الوصف، وتعرف انّ حلفاءها مفلسون، وتعرف انّ سورية مستجيبة لمبادرة دي ميستورا، وانّ العرقلة لا تزال تركية سعودية!
في ما يخصّ العلاقة مع ايران فالتقدم في المفاوضات النووية تقني سريع وشبه نهائي، وبالرغم من هذا بقي على الادارة الاميركية أن تسلم بحقوق ايران برفع العقوبات لكنها لا تريد مصادمة الكونغرس، وأغلب العقوبات الاميركية «تشريعات كونغرس»، لذلك تعود واشنطن إلى المماطلة بالملفات التقنية وتخترع مواضيع لإطالة أمد المفاوضات للتهرّب من الخيار الصعب بين مصلحة اميركية عليا بالتفاهم ومصلحة انتخابية ضيقة وفئوية بالتجميد.
اما بالنسبة إلى العلاقة مع روسيا فإنّ الاتفاق على اوكرانيا سلك الطريق، وروسيا تعاون اميركا في الحلول لكلّ من سورية وايران، ورغم ذلك لم تكتف ادارة اوباما بعدم الغاء العقوبات على روسيا التي تستفز بوتين وتدفعه إلى التصعيد بل يصدر الكونغرس تشريعاً تعد الإدارة بعدم استخدامه، رغم أن أوباما وقّعه، أيضاً حتى لا يتصادم مع الكونغرس الجديد.
أما اخيراً حول أكثر المواضيع حساسية ودقة وعمره من عمر ازمات الشرق الاوسط، وهو ما يتعلق بقضية فلسطين والصراع مع العدو «الاسرائيلي»، وبالتحديد المشروع المقدم الى مجلس الأمن وفحواه تحديد مهلة سنتين لانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة عاصمتها القدس الشرقية.
إيجابية محمود عباس المطروحة تجاه الملفّ بغضّ النظر عن صوابية او عدم صوابية موقفه يهدّد الاميركي برفع الفيتو كالعادة، رغم انه لا لزوم للتهديد باي فيتو لتقبل السلطة الفلسطينية التعديلات التي تطلبها واشنطن، التي أبلغت السلطة أنّ قراراً معدّلاً هو الطريق الوحيد لتفادي الفيتو، فلماذا التهديد اذاً؟ وهو التهديد الذي تعرف الادارة الاميركية مسبقاً انه قد يؤخر او يعرقل اي تقدم او يقلق الطرف المفاوض.
لماذا ترفع عقوبات اميركية على رجال أعمال سوريين تعرف واشنطن جيداً انّ في هذه الخطوة استعراض اكثر من القدرة على التأثير الجدي على الأزمة السورية او على النظام وواقعه وحاله؟
لماذا العقوبات على روسيا رغم انها تتفق معها في أكثر وأكبر من ذلك؟ الى ماذا يشير هذا السلوك الأميركي…
لماذا إرسال كلّ هذه الرسائل المقلقة غير المؤثرة بعلم ويقين اوباما وإدارته؟ هل هو بث القلق لمجرّد القلق؟
الواضح انّ حساباً مزدوجاً تقيمه اميركا تعرف انه لا يوجد له قيمة سلفاً سوى الاعلان عنه، لانها بوضع داخلي حرج، ولأنها كادارة تعتمد على اصوات اللوبي اليهودي من جهة وتمويل سعودي للحملة الانتخابية الاميركية من جهة ثانية، وبالتالي يقرّر اوباما عن سورية قرارات ليس لها تأثير ولا توضع سوى في خانة الاجراء الذي لا علاقة له بثنائية اميركية – سورية بل بثلاثية اميركية – اسرائيلية – سعودية.
وفي الموضوع الفلسطيني، فإنّ الإصرار على الفيتو ليس موجهاً الى محمود عباس بل إلى اليهود، كرسالة أميركة تقول إننا معكم، والفيتو جاهز كلما تعرّضت «إسرائيل» للإزعاج، ولذلك فإنّ كلّ هذا الضجيج الاميركي موجه فقط ليسمعه الاسرائيليون.
كلّ هذا لأنّ إدارة أوباما تخوض الانتخابات وليست تقود مبادرة سلام، ولأنها تعتبر انّ الناخب اليهودي واللوبي الصهيوني ونفوذ «إسرائيل» أهمّ من المصلحة العليا الاميركية.
ومع روسيا لا تستدعي الاتفاقات استعمال عقوبات، وهذا يعني أن الأمر هو من ضمن اللعبة الداخلية الاميركية، فاميركا محكومة برؤيتها الاستراتيجية في كلّ هذه الملفات، لذلك تبدو أنها تفعل الشيء وضدّه ما قد ينتج في المقابل تردّداً سورياً وفلسطينياً وروسياً وايرانياً.
«توب نيوز»