الراعي بري «يخطف» هدنة إقليمية للبنان
يوسف المصري
«هدية العيد» التي يعود الفضل في إطلاقها كمصطلح للتداول عن موعد بدء حوار المستقبل مع حزب الله، للرئيس نبيه بري حصلت فعلاً في توقيت أعياد الميلاد ورأس السنة. وعلى رأس طاولة الحوار جلس بري، ليس بوصفه فقط رئيساً للبرلمان المعتبر أبو المؤسسات الدستورية، بل بوصفه يؤدّي دور «جسر الوصل» بين ممثلي بيئتي الاشتباك في المنطقة، وهو الدور عينه الذي كان يرشح مسيحيّو الشرق وبمقدمهم مسيحيّو لبنان، أنفسهم للقيام به.
الرابح الأول في أول جلسات حوار الأزرق والأصفر هو بري بوصفه الراعي لفعالياته ومهندس أجندته.
ويعرف أبو مصطفى أن آذان إقليمية ودولية عدة تتنصت على عين التينة لمعرفة ما يدور داخل الغرفة التي تستضيف الحزب والمستقبل. وعليه فان بري يعرف استدراكاً أنه يرعى حواراً بين طرفين داخليين، ولكنه في الوقت عينه ينجح في تحقيق اختراق إقليمي ولو على شكل هدنة للحظات فوق الساحة اللبنانية. وهنا تكمن أهمية دوره كراعٍ للسياق الإقليمي تجتمع تعبيراته اللبنانية فيما تعبيراته الإقليمية لأخرى مقطوعة فوق غير ساحة من العراق إلى اليمن مروراً بسورية، بل وهي في حالة اشتباك.
لا شك أن النائب وليد جنبلاط كان يهمه لو كانت صورته مشمولة بجلسة الحوار الأولى لتطاوله أيضاً بعض مكاسب هذا النجاح المتابع إقليمياً ودولياً. ولكن شروط حضوره كانت ناقصة على رغم أن دوره في انعقاده لا يمكن إخفائه.
بداية الحوار، أي جلسته الأولى، كانت مخصصة من أولها إلى آخرها، لتحصين الشكل وإظهار الرسائل التي يراد تطييرها لغير جهة: الرئيس فؤاد السنيورة ليس له مقعد حول الطاولة وبدلاً منه جلس وزير الداخلية نهاد المشنوق. نادر الحريري كان حاضراً، وهو المتصف بأنه من حمائم تيار المستقبل، وبعبارة أدق أحد حمائم الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس سعد الحريري. ولا شك أن اسم سمير الجسر وهو ثالث أعضاء وفد المستقبل إلى الحوار، يتضمن رسائل لنماذج أعضاء في تيار المستقبل في الشمال، كخالد الضاهر وأيضاً لفعاليات ليست في المستقبل ولكنها في صميم المعادلة الحريرية كوزير العدل أشرف ريفي.
والأمر نفسه، فإن تمثيل وفد حزب الله لديه إيحاءاته، فحضور معاون الأمين العام للحزب الحاج حسين خليل للحوار، يؤشر لجدية نظرة السيد حسن نصر الله إليه. كما أن حضور النائب حسن فضل الله يشي بانفتاح مرغوب من الحزب على وصل ما انقطع من حوار ففضل الله كان دائماً يشكل همزة وصل بين حارة حريك وسفارة السعودية في لبنان أيام السفير عبد العزيز خوجة. أما حضور وزير الصناعة حسين الحاج حسن فيمكن قياس معناه بإعطاء تعادل في التمثيل الوزاري بين الوفدين.
بكلام آخر، فان معنى اللياقة المتبادلة كانت موجودة من خلال تشكل كل طرف لوفده إلى الحوار. وأيضاً على مستوى المستقبل من خلال انتقاء أسماء لها معناها داخل البيت الأزرق الذي شهد مؤخراً بعض الارتباك ومحاولات الخروج عن الانتظام العام. ويريد الرئيس الحريري من خلال انتقاء الوزير نهاد المشنوق كعضو في الحوار إعلان أن خيارات الأول الانفتاحية والمتعاونة لإنجاح عمل الحكومة، ليست من رأسه أو بنات أفكاره، بل هي سياسة رسمية للمستقبل وتعبيراً عن رؤية رئيسه.
هل ينجح الحوار؟
السؤال الأصح هل مسموح أن يفشل هذا الحوار؟
الإجابة السائدة الآن هي لا. والأسباب عديدة:
أولها أنه لم يتم عقده حتى يفشل، وإلا فانه كان الأفضل عدم الدخول في كل هذه التجربة. ثم إن الحوار لا يطمح لخلق المعجزات، فهو يريد بالأساس القول إن الإرادة الوطنية المشتركة لدى كل من الشيعة والسنة في لبنان مصرة على عدم إلحاق الساحة اللبنانية بمشهد الفتنة المذهبية الجارية في المنطقة. وهذا الهدف ليس مستحيلاً ومدخله هو إعلان موقف مشترك من الإرهاب التكفيري ودعم مواجهة الجيش له.
ثانيها: هل يؤدي هذا الحوار فعلاً إلى تسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية، وليس فقط نقاشها. هذا الأمر بحسب مصدر واكب عملية الإعداد له، مرهون بقدرة المستقبل والحزب على توسيع نطاق محادثاتهما. وهنا يندرج سؤال هام هل الطرفان مستعدان للمضي إلى بحث ما هو أبعد من هدف تنفيس الاحتقان، وهل يملكان القدرة على ذلك وسط ظروف توقع تعاظم الصراع الإقليمي في المدى المنظور.