التحالفات الأميركية والقراءات الخاطئة
جمال الكِندي
أثبتت الاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية من أجل القضاء على خصومها والوصول إلى أهدافها وغاياتها في منطقة الشرق الأوسط فشلها، فهذه الاستراتيجية، ولو أنها حققت وبشكل نسبي أهداف أميركا في المنطقة، إلا أنها تسببت بتداعيات خطيرة على السلم العالمي. فالعالم ومنذ القرن الماضي إلى الآن يعاني من آفة الحركات التكفيرية، من تنظيم القاعدة وأخواتها وهي صناعة أميركية تجاوزت الحدود التي رُسمت لها وانقلبت على أميركا نفسها فكيف حصل ذلك؟
إنّ النوم مع الشيطان استراتيجية قديمة تعتمدها أميركا، ويُقصد بها التحالف مع الجماعات الإسلامية ذات الطابع الراديكالي لتحقيق غاياتها وأهدافها في المنطقة. وقد سارت أميركا وراء هذه السياسة في الحقبة السوفياتية واستطاعت إلى حدّ كبير إخراج الجيش الأحمر من أفغانستان عن طريق التحالف مع من عُرفوا في ذلك الوقت بالمجاهدين العرب. فماذا بعد التحالف الأميركي مع «القاعدة»، وما هي نتائج هذا التحالف؟
نتيجة هذا التحالف أنّ العدو الأول لأميركا أصبح زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، فبعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان ونجاح التحالف الأميركي مع «القاعدة»، انقلب السحر على الساحر وأصبح الكيان الذي دعمته أميركا ضدّ أعدائها خارج نطاق السيطرة فهدّد حلفاءها وضربها في عقر دارها وكانت هجمات 11 أيلول عنواناً عريضاً لفشل هذا التحالف والذي خاضت أميركا بسببه حربين في أفغانستان والعراق.
واليوم تتحالف أميركا بشكل غير معلن مع «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وتؤمن لها رعاية عسكرية ولوجستية بدعم من حلفائها في المنطقة، وتدّعي في العلن محاربة هذه التنظيمات وتحاول إثبات ذلك بضربات جوية غير مؤثرة على بعض معاقلها.
كان الهدف الأساسي من دعم المجموعات الإرهابية إسقاط وتفتيت الدولة السورية، لكن عندما بدأ الإرهاب يطرق باب أوروبا وغيرها، وقد شاهدنا ما جرى في بلجيكا وأستراليا، أطلقت القارة العجوز صرخات الاستغاثة بعد أن كانت قد صدّرت الإرهاب بمباركة أميركا وتمويل حلفائها إلى سورية، وها هي تستنجد اليوم بالحكومة السورية لتزويدها بمعلومات عن الإرهابيين الأوروبيين الموجودين في سورية، وهذا في حدّ ذاته دليل على فشل المخطط العدواني ضدّ سورية وارتداد هذا الإرهاب إلى بلد المنشأ إنْ صحّ التعبير.
والسؤال الذي يُطرح هنا: إلى متى ستظلّ السياسة الأميركية سياسة عدوانية تجاه الدول التي تغرد خارج السرب الأميركي وتحاول أن يكون لها كيان سياسي واقتصادي مستقلّ عن الهيمنة الأميركية؟ الجواب سنجده في أصل وجود الكيان الصهيوني، وما دام هذا الكيان الغاصب جاثماً على صدورنا فلن ولن تتغيّر السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وستبقى الأولوية لديها حماية أمن «إسرائيل» وستظلّ تضع مصلحتها فوق كل اعتبار، وهذه هي المشكلة التي لا بدّ أن ندركها جميعاً، فلا كيان فوق «إسرائيل» وإن تجرأ أحد على ربيبتها أميركا، فإنّ الأخيرة ستتحالف مع الشيطان الأكبر من أجل القضاء عليه ولا يهم ماذا يقع بعد ذلك من آثار سلبية على أميركا وغيرها، وما يجري في سورية شاهد على ذلك.
لا بدّ أن تدرك أميركا أنّ العالم ذاهب إلى التشاركية وأنّ نظام القطب الواحد بات من الماضي، فالأزمة السورية أسدلت ستار هذا النظام من بوابة روسيا والصين بتصويتهما المزدوج ضدّ القرار الأميركي الغربي في مجلس الأمن الذي كان يستهدف سورية، فظهرت الفيتوات التي رُفعت ولأول مرة منذ عقود في وجه أميركا وحلفائها التقليديين بريطانيا وفرنسا، وهذا يدلّ على أنّ الهيمنة الأميركية على العالم انتهت بلا رجعة، وأنّ العالم مقبل على أقطاب متعدّدة تحكمها المصالح المشتركة، وعنوانها الرئيسي احترام السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.
إنّ الكيانات الصاعدة، والتي نراها اليوم من مجموعة «بريكس» وغيرها، هي بداية لتكوين عالم متعدّد الأقطاب وهذا ما يزعج أميركا، وما مؤامرة هبوط أسعار النفط السريع إلا سياسة عقابية للدول التي تعادي أميركا في المنطقة، وهي قراءة خاطئة أخرى أجرتها أميركا ظناً منها أنّ شعوب هذه الدول سوف تثور على حكوماتها بعد أن تتدهور الحالة الاقتصادية في بلدانها ويحصل التغيير حسب التوصيف الأميركي من الداخل. لكنّ ما حصل هو العكس وقد تأثرت الدول الحليفة لأميركا قبل غيرها بانخفاض أسعار النفط، وتأثرت أميركا نفسها بإفلاس بعض شركات النفط الصخري. فمتى يا تُرى تدرك أميركا أنّ سياساتها في المنطقة خاطئة، وتعلم أنّ العالم لم يعد تحت سيطرتها وحدها.