المفاوضات بين طهران ومجموعة «5+1»… ارتياح عالميّ وقلق صهيونيّ!
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
منذ يومين، كتب إيدي كوهين في صحيفة «Israel today» مقالاً نقلته إلى الإنكليزية مدوّنات غربية عدّة، يتحدّث فيه عن سلاح إيران النووي، وكيف أنّ تشويشه يعدّ مصلحةً عليا للدول العربية. في حركة مشبوهة ومفضوحة لزرع الشقاق وتوسيعه بين إيران والدول العربية.
يقول كوهين: «على رغم الجهود الكبيرة التي يقوم بها الدبلوماسيون الإيرانيون من أجل التوصل إلى اتفاق مع الغرب حول البرنامج النووي، يبدو أن هذا الملف ليس الوحيد أمام سلطة آية الله. فهناك تحدّيات كبيرة أمام الإيرانيين في هذا الوقت، لا سيما أمام الدول العربية.
الجهود الإيرانية ومحاولة زعزعة الاستقرار في الدول العربية من خلال دعم الجماعات الشيعية ليس فقط الجماعات الشيعية تسبب التوتر الكبير بين إيران والدول العربية. ترى إيران نفسها قوة عظمى اقليمية وتتبع استراتيجية تحاول من خلالها وبنجاح كبير استجماع القوة والتأثير في الخليج الفارسي والشرق الاوسط. قوة تستطيع من خلالها بحسب اعتقادها الدفاع عن الأقلية الشيعية في الدول العربية وفي السياق ضرب الكيان الصهيوني. انهيار سلطة صدام حسين وانسحاب القوات الأميركية من العراق أعطيا فرصة نادرة لإيران بحرّية العمل من أجل توسيع تأثيرها باتجاه دول أخرى».
ويتابع كوهين هجومه قائلاً: «يعمل الأخطبوط الإيراني سرّاً وعلناً في عدّة دول عربية. إذ وضع لنفسه هدف تصدير الثورة الشيعية إلى العالم العربي، وبالذات الدول الاسلامية التي تعيش فيها جاليات شيعية، مثل لبنان، اليمن والعراق. يساعد الإيرانيون بالمال والسلاح المجموعات الشيعية في هذه الدول، يؤيدون ويساعدون الحوثيين من أجل السيطرة على اليمن. وليس سرّاً أن حرس الثورة الإيراني يقوم بتدريب هؤلاء المقاتلين فوق أراضي إريتيريا وبأموال طائلة تتدفق على زعماء هذه الدولة الفاسدين تحت غطاء اتفاقية تعاون».
هذا المقال الذي ننشر ما تبقى منه في متن تقريرنا هذا، فتح الشهية للبحث عن مقالات أخرى تُظهر مدى رعب «إسرائيل» من السلاح النووي الإيراني، وتظهر أيضاً جهودها الحثيثة من أجل إفشال المحادثات الأميركية ـ الإيرانية حول الملف النووي.
ليس غريباً أن نجد عشرات التقارير العبرية المترجمة إلى الإنكليزية في مواقع إلكترونية عدّة، خلال الفترة منذ تجديد المفاوضات حتّى الآن، ما يشير حتماً إلى الضخّ الإعلامي الصهيوني على أمل التأثير في مسار هذه المفاوضات وصولاً إلى إفشالها.
النووي الإيراني يضرّ بأمن الدول العربية
ويغوص إيدي كوهين أكثر في تأليبه «الرأي العام العربي» ضدّ إيران، من خلال الحديث عمّا أسماه «تدخّل إيران في لبنان»، ويتابع مقاله قائلاً: «أقامت إيران في لبنان حزب الله وهي تقوم بتسليحه حتى اليوم بالسلاح الاكثر تطوّراً. وحوّلت الطائفة الشيعية من طائفة هامشية مقموعة إلى الأكثر تنظيماً وصاحبة الميليشيا العسكرية الأقوى في الدولة التي تهدّد الجيش اللبناني واستقرار لبنان. وتعتبر إيران اليوم لاعبة مركزية ذات تأثير كبير في لبنان. ومنذ ثمانية أشهر يحاول أعضاء حزب الله في البرلمان انتخاب رئيس لبناني جديد يخلف الرئيس ميشال سليمان الذي أنهى ولايته في أيار الاخير. الهدف الإيراني انتخاب رئيس يكون مقبولاً على الشيعة وعلى إيران.
يتركز التدخل الإيراني في العراق في تمويل المليشيات الشيعية وتدريبها وتسليحها. والتدخل السياسي والاقتصادي والديني في الدولة يحوّلها إلى دولة مرعية. الحدود المشتركة وظهور داعش يزيدان من تدخل طهران في هذه الدولة. سورية وحماس هما حليفتان غير شيعيتان لإيران. إذ يساعد الإيرانيون سورية في حربها ضدّ داعش وضد المتمردين من أجل إعادة سيطرة الاسد بالكامل، الحليف الطبيعي المفضّل لدى الإيرانيين. مثلاً، في الحرب ضدّ داعش اعترف الإيرانيون للمرة الاولى أنهم يقصفون داعش في العراق ويساعدون النظام السوري في حربه ضد متمردي الدولة الاسلامية. وحول الساحة الفلسطينية تعتبر إيران أن واجبها الاخلاقي دعم حماس في حربها ضدّ إسرائيل وتساعد المنظمة الارهابية بالسلاح والأموال».
أما عن دول الخليج فيقول: «التدخل الإيراني فاعل أيضاً في الخليج الفارسي، إذ احتلت إيران عام 1971 جزر طمب الكبرى وطمب الصغرى وجزيرة أبو موسى التي تعتبرها دولة الامارات تابعة لها. هذه السيطرة أكدت للدول العربية خطورة إيران وعلاقتها مع جيرانها. وعلى رغم دعم الجامعة العربية، إلا أن هذه الازمة المستمرّة لم تُحلّ.
وتعمل إيران أيضاً في البحرين وتبذل جهوداً كبيرة من أجل توسيع تأثيرها في المملكة. وتزعم طهران أن البحرين تابعة لها، والغالبية الشيعية في المملكة تعطي إيران الشرعية لهذا الزعم. وتتهم البحرين إيران بالتآمر، وقد قال الإيرانيون أكثر من مرة إن البحرين هي احدى مقاطعات الجمهورية الاسلامية».
ويختم كوهين: «إن تشويش البرنامج النووي الإيراني هو مصلحة عليا للدول العربية لأن تدخّلها العسكري والاقتصادي والديني مسّ كبير بالأمن القومي لتلك الدول. وستكون إيران النووية أكثر تهديداً للدول العربية من إيران اليوم».
خلافات كثيرة بين إيران والقوى العظمى
الصحيفة العبرية نفسها، لكن بقلم افرايم كام، حاولت في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، وضع الأسافين في المحادثات بين إيران ومجموعة «5+1». إذ كتب يومذاك:
«نتائج المحادثات بين إيران والقوى الست العظمى حول الموضوع النووي، لم تفاجئ أحداً. هناك اعتقاد منذ اسابيع بأنه على رغم التقدّم، ما زالت هناك فجوات كثيرة لا تسمح بالتوقيع على اتفاق شامل في الموعد المحدد. فشل المحادثات أدّى إلى تمديدها للمرّة الثالثة بسبعة أشهر.
جذور الخلاف موجودة في المواقف الاساسية المتناقضة بين الاطراف: إيران تصر على الاحتفاظ بقدرتها على الوصول إلى السلاح النووي خلال أشهر معدودة إذا قررت ذلك، في الوقت الذي تلتزم فيه واشنطن بمنع ذلك. وانطلاقاً من هذا الامر، يمكن تلخيص نقاط الخلاف بـ:
ـ القيود على تخصيب اليورانيوم: وافقت الدول الست على السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم على افتراض أنه بغير ذلك لا يمكن تحقيق الاتفاق. من الواضح بالنسبة إلى هذه الدول أن هذا ما يغري إيران على السعي للحصول على السلاح النووي. وتكتفي هذه الدول بتقييد التخصيب ـ حول عدد أجهزة الطرد المركزي ونوعيتها، مستوى التخصيب وكمية اليورانيوم المخصب التي ستُسمح لها وإنتاج البلوتونيوم، على أمل أن يؤدي ذلك إلى وقف إيران. الجدل الأساس يتعلق بخطورة القيود التي ستفرض على التخصيب.
ـ موضوع التقدم: تحديد المدة الزمنية التي تحتاجها إيران للتقدم من لحظة اتخاذ القرار وحتى القنبلة، وهذه مسألة حاسمة، لأن المدى الزمني سيحدّد إذا كان بالامكان وقفها في الموعد. تستطيع إيران اليوم إنتاج القنبلة في عدة أشهر، وهي تسعى للحفاظ على هذه القدرة في الوقت الذي تطلب فيه الولايات المتحدة زيادة الوقت لسنة على الأقل.
ـ مدة الاتفاق: تطلب إيران أن تكون مدة الاتفاق بين ثلاث ـ خمس سنوات، ثمّ تُزال القيود عن البرنامج النووي، والولايات المتحدة تطلب توقيع الاتفاق لمدة عشرين سنة.
ـ الرقابة والتفتيش: تقترح إيران أن تزيد من شفافيتها حول المنشآت النووية كبديل عن القيود، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى ستكون شفافة، والوكالة الدولية للطاقة النووية اشتكت في هذا الشهر من أن إيران لا تجيب على الاسئلة بالشكل المطلوب.
ـ إلغاء العقوبات: تطلب إيران إلغاء العقوبات المفروضة عليها عند التوقيع على الاتفاق، وتطلب الولايات المتحدة أن يتم الالغاء بالتدريج من أجل التأكد من أن إيران تفي بتعهداتها، ولأن مراحل سن القوانين لن تسمح بفعل ذلك بالسرعة المطلوبة.
اتُفق بين الاطراف خلال المحادثات على تقديم التنازلات. ووافقت واشنطن على أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم ولكن ضمن قيود: عدم تفكيك أي منشأة نووية، وأن تكون اجهزة الطرد المركزي عدة آلاف بدلاً من عدة مئات وألّا تُطرح مسألة الصواريخ في المحادثات. ووافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم بمستوى 20 في المئة واستبدال ما لديها بيورانيوم بهذا المستوى وتغيير أهداف المفاعلين النوويين ومناقشة جوانب عسكرية ممكنة لبرنامج السلاح النووي. المشكلة في هذه التنازلات أن إيران مستعدة لتقييد قدراتها النووية لا تفكيكها، وهكذا تستطيع في المستقبل إعادة السعي لإنتاج القنبلة.
واضح أن الاطراف تريد الاتفاق على رغم أنها تخفي عمق الخلافات، والإيرانيون يحاولون استغلال الحماسة الأميركية لتحقيق هذا الاتفاق الصورة المعتدلة التي يبثّها الإيرانيون تهدف إلى أخذ تنازلات إضافية، وقد يوافق الأميركيون على تنازلات من جانبهم ـ مثل عدد أجهزة الطرد المركزي، إذ أعطى الأميركيون أنفسهم هامش مناورة كبير. في المقابل، فإن الطرفين يتعرضان لضغوط داخلية لعدم تقديم التنازلات ـ من الكونغرس في الجانب الأميركي ومن الجناح الراديكالي في النظام الإيراني. الشك المتبادل والاختلاف في المواقف لا يسمحان بالتنبؤ إذا ما كان هناك اتفاق نهائي، لكن هذه الاحتمالية ما زالت قائمة.
في القدس تنفسوا الصعداء عندما لم يتحقق الاتفاق، لكن هذه فترة قصيرة المدى، ولا ضمان لأن تستمر. إذا تم التوصل إلى اتفاق يعطي إيران فترة زمنية للحصول على السلاح ـ حتى وإن كانت سنة كما تطلب الولايات المتحدة ـ فستبقى إيران دولة على شفا السلاح النووي، وهذا الوقت لا يكفي لوقفها. لذلك تطلب إسرائيل أن تكون الفترة ثلاث ـ خمس سنوات. إلا أن تأثير إسرائيل محدود: هي ليست طرفاً في المحادثات، والتهديد باستخدام القوة العسكرية الذي ضغط على حكومات الغرب، ليس موجوداً على الطاولة في ظل استمرار المحادثات على الأقل. تستطيع إسرائيل السعي للتأثير على الادارة الأميركية سواء من خلال أصدقائها بعدم التوقيع على اتفاق سيء. والسؤال هو: هل سيكون هذا كافياً؟».
بلبلة في البرلمان الإيراني
صحيفة «هاآرتس» الصهيونية ذهبت في دق الأسافين أبعد من زميلتها «إسرائيل اليوم»، إذ تناولت إيران في عقر دارها البرلمانية، متحدّثة عن بلبلة ما حصلت بعد فترة المفاوضات مباشرةً. وكتب تسفي بارئيل مقالاً تداولته الصحف الأميركية بغزارة في السابع من كانون الأول الجاري. إذ اعتُبر المقال تحدّياً بارزاً وجريئاً.
يقول بارئيل: «جندوم، مون، كيوسك وافانس، جزء من المقاهي الـ 26 التي أغلقت من قبل نظام الاخلاق في إيران في العاصمة طهران، وتهمة أصحاب هذه المقاهي أنّهم سمحوا للازواج الشباب بالجلوس قرب بعضهم واحتساء القهوة، والتدخين والتحدّث والتسلية. إغلاق هذه المقاهي هو الضريبة التي يدفعها الرئيس لمبادىء الثورة الاسلامية، هذا من أجل امتصاص النقد الذي يوجّه ضدّ طاقم المفاوضات الذي أنهى المفاوضات مع الدول العظمى الشهر الماضي من دون التوصل إلى اتفاق.
على رغم أن الجبهة السياسية الداخلية هادئة ومنصاعة لأوامر الزعيم الروحي الأعلى علي خامنئي، فإنّ الحركات المحافظة غير راضية على ما تعتبره تنازلات للغرب، هذا الانتقاد تزايد مع الارشاد الذي قدّمه وزير الخارجية جواد ظريف أمام مجموعة من أعضاء البرلمان حول مضمون المباحثات. إذ اشتكى أعضاء البرلمان بعد ذلك أنهم لم يسمعوا منه أموراً جديدة غير تلك الموجودة في الصحف.
يطلب الآن أكثر من 60 عضواً برلمان استدعاء ظريف لمساءلته رسمياً، إذ سيطلب منه حديث تفصيليّ عما تنازلت إيران، وما الذي حصلت عليه في المقابل.
ويطالب 15 عضو برلمان استدعاء وزير الاستخبارات التابع لروحاني محمود علاوي ومساءلته، هو الذي يقف على رأس مجلس التنسيق لـ 16 وكالة استخبارات، من أجل شرح كيفية تسرّب تقرير سرّي عن حرس الثورة لأيدي الصحافة الإيرانية.
هذا التقرير نشر في جريدة «سهام» المقرّبة من أحد رؤساء المعارضة مهدي خروبي والمعتقل اعتقالاً منزلياً منذ ثلاث سنوات. قيل في الصحيفة إن التقرير كتب بناءً على طلب من روحاني والذي نقله بدوره إلى خامنئي. وقيل فيه إن رئيس الاستخبارات لحرس الثورة حسين صائب أنشأ مجموعة بيوت آمنة يقوم فيها رجال المعارضة بإجراء حوارات ووضع خطط وبرامج ضدّ نظام روحاني. وقيل أيضاً إنه طلب من خامنئي إعطاء أوامر بوقف النشاط الدسائسي هذا وردّ على ذلك: حرس الثورة لا ينصاع لأوامري.
ليس واضحاً إذا كان خامنئي يعترف بضعفه أمام حرس الثورة أم أنّه لا يريد الصدام معه. إلا أنّ حقيقة نشر التقرير وكشف التوتر بين حرس الثورة والرئيس تشير إلى وجود تيارات تحت أرضية لا تنتظر فقط لفشل روحاني، إنما المساهمة في حدوث هذا الفشل فعلياً.
ما زال خامنئي يدعم استمرار المفاوضات مع الدول الغربية، وأعلن ذلك رسمياً، ومساعده الأبرز علي أكبر ولايتي خرج علناً ضدّ منتقدي المفاوضات، وأعطى الكثير من المديح للطاقم الذي يدير المفاوضات. وكجزء من تأييد المفاوضات أعلنت الصحيفة الاسبوعية لوكالة الانباء الإيرانية إيرنا نتائج استطلاع أجري في شهر تشرين الثاني على مواطنين من طهران. وبحسب الاستطلاع فإن 81 في المئة من المستطلعة آراؤهم يؤيدون استمرار المفاوضات، و79 في المئة مقتنعون أن نتائج المفاوضات ستكون إيجابية».
«إسرائيل» تقصف دمشق
وفي ايو ذاته الذي نُشر فيه تقرير «هاآرتس»، شنّ الطيران الحربي الصهيوني غارتين على ضواحي دمشق، ادّعت «إسرائيل» لاحقاً ـ وبعد صمت ـ أنّها قصفت مراكز تحوي أسلحة غيرانية تُمرّر لحزب الله.
صبيحة اليوم التالي، خرجت صحيفة «معاريف» الصهيونية بتقرير تقول فيه إنّ الهجوم «الإسرائيلي» على دمشق، رسالة واضحة لقادة النظام السوري ولحزب الله وبشكل غير مباشر للنظام في إيران.
وجاء في التقرير: الهجوم في سورية، والمنسوب لـ«إسرائيل» بحسب مصادر أجنبية، هو الثامن في السنوات الاخيرة. فقد عادت دولة «إسرائيل» وأعلنت أنها لن تسمح بنقل سلاح نوعيّ من سورية إلى حزب الله. وفي قائمة السلاح تندرج صواريخ مضادة للطائرات، صواريخ أرض ـ أرض دقيقة وصواريخ «ياخنت» ضدّ أهداف بحرية. فمن شأن السلاح من هذا النوع في أيدي حزب الله أن يشكّل صعوبة هامة على قدرة «إسرائيل» العمل ضده. ولهذا، قرّرت «إسرائيل» أن توضح أنّ نقل سلاح من هذا النوع تجاوز لخطّ أحمر.
يتطلّب الهجوم أولاً وقبل كل شيء معلومات استخبارية دقيقة، قدرة تخطيط فائقة وقدرة تنفيذ على المستوى الأعلى. وفوق كل شيء، المطلوب قدرة لاتخاذ قرارات محسوبة وحساسة، تأخذ بالحسبان عموم المخاطر والاحتمالات وفي نهايتها تصادق على هجوم دقيق وانتقائي على الهدف المختار.
أما التطورات الاخيرة في الساحة السياسية وتقدم موعد الانتخابات في «الكنيست» تعطي دوماً الاحساس بأنّ «إسرائيل» توجد في وضع حساس ويحتمل أن تكون منظومة اتخاذ القرارات فيها مصابة بالنقيصة ولا يمكنها أن تتخذ قرارات ذات مغزى. أما الهجوم، إذا ما نفّذته «إسرائيل» بالفعل، فيثبت مرة أخرى أنّ قيادة الدولة تواصل العمل بمسؤولية وبتصميم حتى أثناء الازمة السياسية. وأن منظومة اتخاذ القرارات تواصل العمل لضمان أمن «إسرائيل».
ينقل الهجوم رسالة واضحة لقادة النظام السوري ولحزب الله وبشكل غير مباشر للنظام في إيران: على رغم الازمة السياسية، يبقى جهاز الامن متحفزاً ويقظاً ويواصل أداء مهامه من دون أي قيود.
ومن الجهة الاخرى، فإن محاولات التهريب المتكررة، على رغم أنها هوجمت لعدد كبير من المرات في الماضي، تثبت تصميم كبار رجالات الحرس الثوري في إيران وحزب الله على تهريب السلاح النووي، ليكون جاهزاً للهجوم على مواطني «إسرائيل» وقوات الجيش «الإسرائيلي» في المواجهة التالية.
إن صمود «إسرائيل» في وجه محاولات التهريب المتكررة لعناصر «محور الشر إيران ـ سورية ـ حزب الله»، والتصميم «الإسرائيلي» لمنع تهريب السلاح النوعي، من الأساسات لقدرة الردع «الإسرائيلية». ويعزز الهجوم على الاراضي السورية، المنسوب لـ«إسرائيل»، بشكل واضح قدرة الردع لدى دولة «إسرائيل» ويمنع عن حزب الله تحقيق إنجاز في المواجهة التالية، إذا ما وعندما تقع.
محادثات إيران النووية: انقشاع الضباب
عن «INTERNATIONAL CRISIS GROUP»:
رأى بعض المشكّكين في تمديد قرار المحادثات حتى بداية تموز المقبل تأكيداً على فشلها. لكننا في هذا الاستنتاج نكون قد قلّلنا من أهمية التقدم الحقيقي كما في فرص النجاح الممكنة. فهناك اتفاق تاريخي لا يزال في متناول اليد إذا اعتمد كلا الجانبين مواقف أكثر ليونة للتخفيف من حدّة العقوبات ومن قدرات التخصيب على السواء.
فشلت إيران ومجموعة «5+1» الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا والمعروفة أيضاً بِاسم EU3+3 في التوصل إلى اتفاق نووي شامل في الموعد النهائي الذي حدّد في 24 تشرين الثاني الماضي، لكن الحقيقة أن تقدماً كبيراً تحقق في السنة المنصرمة. وعلى رغم أن الجانبين كانا قد أعربا صراحة عن القيود السياسية وبعض المتطلبات غير القابلة للاختزال بهدف التوصل إلى اتفاق أكثر وضوحاً من قبل ليبقى الخلاف قائماً على نقطتين أساسيتين: حجم قدرة إيران على التخصيب، والعقوبات المفروضة ضدّها. وفي أحدث قراءة لـ«محادثات إيران النووية انقشاع الضباب»، تسلّط مجموعة الأزمات الدولية الضوء على أوجه القصور في المحادثات وتدرس مخاوف الطرفين والخطوط الحمراء، وتناقش إمكانية التوصل إلى اتفاق يضمن مصالح الجانبين من دون اللجوء إلى العنف.
أما نتائج وتوصيات هذا المؤتمر فهي:
تمحور الخطوط الإيرانية الحمراء حول شقين أساسين: الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي وأن تقديم أيّ تنازلات سيتناسب مع إنهاء العقوبات بالكامل لا فقط تعليقها. ومن ناحيتها فإن مجموعة «5+1» تصرّ على تجاهل اختراق إيران الوقت المحدد ـ أي عملياً ـ ما يكفي من الوقت لتخصيب المواد الانشطارية، في فترة أقلّ من سنة مع الحفاظ على العقوبات الهندسية، حتى لو تتطلّب ذلك تعليق بعضها إلى حين التوصل إلى اتفاق شامل.
ولتسريع المحادثات، على الولايات المتحدة وإيران العمل فوراً على تفعيل القنوات الدبلوماسية الهادئة لإيجاد الحلول التي تأخذ في الاعتبار القيود الداخلية والمصالح الأساسية لكلّ منهما. وفي موازاة ذلك، على فرنسا وألمانيا وبريطانيا توحيد قواتها لتخفيف مخاوف الكونغرس الأميركي و«إسرائيل» والدول العربية بتقديم شرح وافٍ حول حسنات التوصل إلى اتفاق وتعزيز الأمن والتعاون الاستراتيجيَيْن.
شعور الجانبين بقلق مفرط حيال أجهزة الطرد المركزي التي تسمح بها الاتفاقية المفترضة. فإيران ليست بحاجة إلى قدرات التخصيب في المدى القريب ولا يملك الغرب الحق بالتخوّف من اندلاع إيراني في المرافق المغلقة والمعلنة، كما ما من حاجة إلى ضرورة مراقبتها عن كثب مع العدد المحدود الذي تمتلكه من أجهزة الطرد.
المسار يبدو موثوقاً لتحقيق صفقة طويلة الأمد. وقد يتطلّب هذا من إيران تأجيل مخططاتها لتخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي، بينما تسيطر ملامح نموّ برنامج التخصيب وتواريخه المحدّدة على دول «5+1» ما يعزّز من إمكانية رفع تدريجي للعقوبات. يجب على الكونغرس الأميركي الامتناع عن تمرير عقوبات جديدة من شأنها أن تقوّض العملية السياسية، كما مجموعة «5+1».
يرى كبير المحلّلين الإيرانيين علي فايز أن الضغوط على الولايات المتحدة وإيران كبيرة، فيما ترزح المنطقة تحت وطأة عدم استقرار وعنف مروّعين، ويضيف: «من دون تحقيق تقدّم ملموس، لن تستمرّ هذه المحادثات خارج ضغط 1 تموز، كذلك، فإن أيّ تمديد آخر سيضرّ بمصداقية الأطراف ويقلّل من فرص نجاحهم». ويقول روبرت بلتشر مدير برنامج الشرق الأوسط بالنيابة: «ما من سبب يدعونا إلى المبالغة، كذلك ما من داعٍ لإيقاف المحادثات عندما تكون الأطراف قد بلغت حدّ التغييرات المثمرة، فبالصبر والإصرار، بالإبداع والإرادة القوية الكافية، تكون كلّ الحلول متاحة… ببساطة».