الأيام الجيدة والسعيدة
الياس عشي
أفكر دائماً في الأيام الجيدة والسعيدة التي مرّت في حياة السوريين، ودائماً كنت أتساءل: هل يمكن أن تعود تلك الأيام وقد مات من مات، وقُتل من قتل، ودمّر ما دمّر، وتهجّر الكثيرون، وتقطعت السبل بالكثيرين، ودُرست ملاعب الطفولة، وكذلك المدارس ودور العبادة، وتخلّفت السنونو عن رحلة الربيع المعتادة… فمنذ أربع سنوات عجاف لم تزرنا سنونوّة واحدة! تُرى هل نسيت أسماء شوارع اللاذقية ودمشق وحلب وحمص وحماه والرقة وأريافها؟ وهل نسيت عناوين البيوت وأسماء أصدقائها الصغار الذين لطالما نقرت نوافذهم وثرثرت معهم؟
أسئلة لا بدّ منها راودتني كلّ يوم وأنا أراقب درب الجلجلة التي فرضها آكلو لحوم البشر على الإنسان السوري، ودائماً كنت موقناً أن سورية هي وطن، وهي دولة، وهي أرض، وهي شعب، وهي حضارة، وهي إنسان، وهي ديوان شعر، وهي لم تتوقّف يوماً عن الإبداع، وهي ستبقى، ولن يستطيع أحد إلغاءها، اللهمّ إلاّ إذا انتهى العالم.
قبل يومين جاءني الجواب عبر احتفال السوريين بعيد الميلاد المجيد، فمعلولا عادت برنين أجراسها ورنيم تراتيلها، وعادت إلى جدران كنائسها الأيقونات التي نهبت، وارتفعت الأيدي ضارعة أن يعود أبناؤها إليها، وينتهي فصل من فصول الغربة والتشرد.
قبل يومين تأكّد لي أن الطفل يسوع هو شامي، تماماً مثلما هو فلسطيني، تماماً مثلما هو لبناني، تماماً مثلما هو أردني، وأنه لم يكن البتّة يهودياً. لم يبقَ أحد من السوريين إلاّ وردّد مع جوقة المبشّرين بولادته « المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرّة».
قبل يومين أدركت معنى أن يستشهد المؤمنون بوقفات العزّ، الى أي مذهب انتموا، للعودة إلى الأيام الجيدة والسعيدة التي عرفها السوريون لسنوات طويلة. ولا يبدو أنهم على استعداد للتخلّي عنها مهما يكن ثمن العودة إلى تلك الأيام باهظاً.
الآن ونحن نستعدّ لوداع عام آخر من أعوام القحط، بل من أشدّها سوءاً، يتطلّع السوريون إلى عام جديد يطرد فيه الغربان من شوارعهم، ويفسحون في المجال لعودة العصافير، العصافير كلّها، إلى حدائق الأطفال، إلى نوافذهم، إلى ملاعب طفولتهم، فثمّة أجيال لم تولد بعد، وعلينا أن نهيئ لها المكان المناسب لأيام جيدة وسعيدة.