«الأيام الخوالي» لهارولد بنتر على خشبة مسرح سعد الله ونوس

كتبت رشا ملحم من دمشق ـ سانا : لا بد من أن تناول مسرحية مربكة مثل «الأيام الخوالي للكاتب البريطاني هارولد بنترو النجاح إلى حد بعيد في تطويعها كي تلائم البيئة السورية من دون المساس بجوهرها أو الشعور بأن ثمة أمراً أدخل على روح النص كان عملاً شاقاً واجه فريق العمل في المسرحية التي أنهت عروضها على خشبة مسرح سعدالله ونوس في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهي من إخراج عمار محمد.

لاسترجاع حوادث من الماضي دور رئيسي في حبكة المسرحية ثنائية الفصل والقائمة على حوارات طويلة وسط الديكور الذي بدا متقشفاً، مفسحاً للتركيز على قصة الشخوص الثلاثة، إذ يستهل المشهد الأول بزوجين تسلل البرودة إلى علاقتهما، قبل أن تظهر صديقة الزوجة الوحيدة فتنبش بقدومها ماضياً ذا حوادث ضبابية، رامية حجراً في المياه الراكدة.

تؤدي كل من رنا كرم وهلا بدير دور الشخصيتين الأنثويتين في مسرحية بنتر 1930/ 2008 وفي حين يقف الزوج «كامل نجمة» في الوسط بين زوجته وصديقتها، وينشب بينه وبين الزائرة صراع على «ريم» التي ازداد تمسكه بها بعدما كان أبدى قلة اهتمام بها في بداية العرض، وأسلحة الصراع مقاطع من أغانٍ قديمة وإيحاءات حميمية وذكريات وحوادث وقعت أو ربما لم تقع من يدري» بحسب ما يرد في تعليق لبنتر حائز نوبل الآداب عام 2005.

يتحوّل الجوّ في المسرحية من حافة الفكاهة إلى الحزن والعنف العاطفي، في تدرج تصاعدي لوتيرة الحوار التنافسي بين الزوج و»لمى»، ويتمكن المخرج عمار محمد من الانتقال بانسيابية في تلك المناظرة التي تبدأها الزائرة بعدما «تذكرت» قصصاً أثارت حفيظة الزوج مع إيحاءات تحاول بها استمالة شريكتها في السكن سابقاً، ما جعله يشن هجوما مضادا بإعادته صوغ القصص القديمة من زاوية أخرى قد لا تخلو بدورها من الاختلاق. وتخرج ريم ذات الشخصية الغامضة على هدوئها، واضعة روايتها الخاصة للحوادث على الطاولة، منهية النزاع ومضاعفة حيرة المشاهدين بحوار محموم يختلط فيه الرمز بالواقع، مع قدرة إخراجية تظهر كيف يحتمل كل سطر في المسرحية قراءات متعددة.

تعكس ملابس الضيفة لمى جانباً من شخصيتها اللعوب، إذ ترتدي تنورة قصيرة وجوارب شفافة منسلة تخدم الفكرة، رغم رفعة مستواها المعيشي، في حين يبدو الزوج تقليدياً في علاقته بريم بعد زواج عمره عشرون عاماً متحوّلاً لاحقاً إلى مدافع شرس عن زوجته التي قد تكون الوحيدة الباقية له بعد الخيبات التي تعرض لها في حيات. أما شخصية ريم فتبدو غامضة وقليلة الكلام وتواجه طرفي الشجار بنوع من البرود، إلى أن يطرأ تحول عليها في نهاية العمل وتدخل مع الزوج ولمى في دائرة الصراع، مبدية تفاعلاً غير محسوم لمصلحة الزوج قبل اسدال الستائر.

من الأسباب التي جعلت هذه المسرحية التي عرضت للمرة الأولى عام 1971 ذات صدى مؤثر، إبرازها الطريقة التي يمكن أن نصوغ بها الماضي وفقاً لمستلزمات الحاضر السيكولوجية، لذا تبدو مرونة الذاكرة والموضوعية حاملاً أساسياً للغز المسرحية ذات التفسيرات المتعددة، فتستخدم الذاكرة الانتقائية أو ربما المختلقة كسلاح يطرح أسئلة حول ما حدث وما لم يحدث بين الشخوص الثلاث قبل عشرين عاما.

«لا يمكنني أن أصف شيئاً باستثناء القول هذا ما حدث وهذا ما قالوه وهذا ما فعلوه ». إنه ما يقوله بنتر ببساطة عن مسرحيته التي لا حل للغزها إلى الآن، مفسحة مساحة جيدة لرؤية المخرج في إسقاطها على واقع ما، تاركة الجمهور في حيرة لا مفرّ منها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى